شيخة الجابري لـ«البيان»:

أكتب نصوصاً تحادث الروح وتلتحم بالمشاعر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في حوارنا مع الشاعرة والباحثة شيخة الجابري، أحسسنا أن الشعر يهب سره للشاعر، والشاعر يصاحب القصيدة بأسرارها، وأناقة اللغة، ووهج المخيلة، وذخائرها المستمرة، لتتسم إجاباتها بالجمال اللغوي الشعري، مع الرأي الخاص المتجدد، عبوراً بغِنى خياراتها البحثية والإبداعية، فكان حواراً يقودنا إلى سفر اللغة واللهجة بين الفصحى والنبطي، لتبقى القصيدة بممكناتها التخيلية والجمالية، كيفما كانت وأصبحت، وفيما يلي حوار «البيان» معها:

الشعر هو الفرصة الوحيدة للشاعر ينصت إلى عزلته ويتعرف إلى أحلامه، فماذا عن شيخة الجابري؟ حدثينا عن هذه الأوقات؟

أوقات الشعر مِلك للشعر، لكل رقصةِ حرفٍ، ورقّةِ نزف، لكل حالة تتوحد مع الذات بالعمق الذاهب نحو الفكرة تلك التي تفرض وهجها عليك، كشاعر، الشعر حالة خاصة حينما تتداخل الكلمات في الروح يكون التحليق عالياً، أو متوارياً كوميض برق في لحظة الاشتعال الغافي داخل السماء، أعني هناك حيث الغيم والقصيدة.

على الرغم من تخصصك الجامعي في الإعلام واللغة العربية، إلا أن سيرتك الشعرية نبطية، فهل اتجاهك للنبطي بسبب ميولك، أم اتجهتِ لأن للنبطي شعبية؟

هو شعرٌ شعبي أو عاميّ، هكذا أُفضل أن أسميّه، لأنه لغتنا اليومية أعني لهجتنا التي بها نكتب، ونُغنّي، ونحب وطننا وهويتنا، وانتماءَنا الثقافي، بالنسبة للسؤال، هي ليست ميولاً بقدر ما هو قدرٌ ربما، هكذا جاء السياق، وجدتني أكتب النص العامي القريب جداً من الفصحى، تلك اللغة يسمونها بيضاء التي تصل بالدفء كلّه، والمعنى والمبنى الذي جاء قالب النص فيه، ولا علاقة بالمؤهل العلمي في ذلك.

محادثة الروح

ما الأغراض التي تتناولينها في أشعارك؟ وهل ترين اختلافاً في المضمون بين النبطي والفصيح؟

أكتب النص الذي يحادث الروح، ويلتحم بالمشاعر، أتمنى أن يكون كذلك فعلاً، وكما أشعر به، معبّراً عن الآخر، وعنّي، وعاكساً شيئاً ما في الروح يعتملُ، يتحرك، ينمو، ينصهرُ في الأعماق ليتجلى فيما بعد في القالب الذي يأتي إن قصيدة تفعيلة، أم قصيدة عمودية وهي الدارجة عند الكثيرين، بعكس التفعيلة التي يكتبها القلّة، لا أعتقد بأن مضمون القصيدة يختلف بين الفصيح والشعبي، فالشعر هو الشعر فصيحاً أم شعبياً أم عاميّاً، الذي يختلف رؤية الشاعر باتجاه قصيدته، قناعاته، همومه، الأغراض الشعرية التي يكتب فيها دون سواها، أعتقد بأن هنا وجهُ الاختلاف الذي بالطبع ينسحبُ على المضمون.

لديك سيرة حافلة كباحثة في التراث، سواء في مركز التراث الشعبي لدول الخليج، أو مركز زايد للتراث... فكيف توظف شيخة الشعر بحثاً ونقداً؟

تجربتي البحثية والتدريبية في المركزين اللذين أغلقا منذ سنوات خلت كانت بدايتي في الاتجاه نحو البحث في التراث والاهتمام به باعتباره يمثل هوية الوطن، ولم يكن في تلك الفترة (الثمانينيات) من يهتم بجمعه وتدوينه سوى عدد قليل من المؤسسات، وكانت الجهود الفردية هي الأكثر وضوحاً بما يقوم به بعض الباحثين والجامعيين الميدانيين الذين أحبوا هذه المنطقة من الثقافة، فبذل الكثيرون جهوداً من أجل تدوين التراث وحفظه، فيما بعد اتسع نطاق الاهتمام بالتراث سواء من خلال وزارة الثقافة في تلك الفترة، أو بعض المؤسسات والهيئات المحلية التي من خلالها نشرت مؤلفاتي التي تتناول موضوعات تخص بعض عناصر التراث، بالإضافة إلى ما صدر لي من دواوين شعرية، وما أقدمه من دراسات، بحوث أو محاضرات وتدريب في بعض تلك المؤسسات.

احترام الشعر

اتهم أحدهم شاعراً عربياً موهوباً وفقير الحال، ببيع قصيدته، فقال له: «أنا أبيع كبدي من أجل أبنائي، فكيف لا أبيع قصيدتي»، فما رأي شيخة الجابري بالتكسب شعراً؟

قد ينطبق هذا القول على ذاك الشاعر في زمنه ذاك، غير أنه لا يعبّر عن حال بعض الشعراء المُتكسبين بطرق مختلفة في زمننا هذا، شتّان بين ذاك الشاعر المحتاج في وقته، وبين من يتعامل مع القصيدة باعتبارها مصدراً للرزق، بعيداً عن الشعر الحقيقي الصادق الطالع من قلب وروح تُرهقها القصيدة حتى تتبلور وتظهر بشكلها النهائي الذي يُعبّر عن هواجس الشاعر واحتياجه وقضيته التي تعنيه، في هذا السياق تصلني رسائل على حساباتي في وسائل التواصل بخاصة «تويتر» لمن اعتادوا كتابة شعر الاستجداء يطلبون مني أن أوصلها لتلك الشخصية، أو تلك، لكنني أعتذر منهم، وأتجاهل الذين لا يشعرون بالخجل لتكرار طلباتهم، أعتقد بأن بعضهم يغيّرون اسم الممدوح فقط، ويكتبون قصيدة واحدة يلقونها في أكثر من مكان، إن الذين يتكسبون بالشعر لا يحترمون الشعر ولا تجاربهم الشعرية إذا ما اتخذوه وسيلة لكسب المال والحصول على الهبات والعطايا فقط.

ما رأيكِ بالاسم المستعار للشعراء، والذي هو تقليد شعري معروف منذ عصر ما قبل الإسلام؟

هذه ظاهرة كانت منتشرة في السنوات الماضية وكانت لها أسبابها، لكنها تلاشت تقريباً في زمن التواصل الاجتماعي ووسائله التي كشفت تفاصيل لم نكن نعرفها، وليس أسماء الشعراء والشاعرات فقط.

Email