الناقدة والكاتبة عزيزة الطائي: أصبحتُ أكثر قرباً من هموم المثقف العربي وأحواله

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يقودنا هذا الحوار مع د.عزيزة الطائي المتخصصة في النقد الأدبي الحديث، والأستاذة الجامعية التي تكتب في فن تفسير الأعمال الأدبية، كما تكتب القصة والرواية، وتخوض هذا العام تجربة عضوية لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية 2023م، لنتحدث معها عن مسيرتها العلمية والأدبية، وكذلك الشعرية، خاصةً أنها ابنة الأديب العماني الراحل عبدالله الطائي وهو الشاعر والمناضل ضد الاستعمار البريطاني، وقد خاضت عزيزة الطائي الشعر والرواية والقصة كأبيها، فكان لصحيفة البيان معها هذا الحوار: 

 #عزيزة الطائي، بوصفك ناقدة وعضوة في لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية 2023م، كيف كانت تجربتك مع الروايات المرشحة في قضاياها الإنسانية والفكرية؟

الرواية العربية بدأت تأخذ مساراتها المتنوعة للولوج إلى عوالم الإنسانية بما تحمله من ثيمات لقضايا فكرية وثقافية واجتماعية وتاريخية تشكل عصب تطور الحياة وإشكالياتها. وتجربتي كعضوة ضمن لجنة تحكيم البوكر تجربة لها أبعادها الجليّة، فقد فتحت أمامي نافذة رحبة بالأفكار والقضايا والأسماء، وأصبحتُ أكثر قرباً من هموم المثقف العربي وأحواله. وبحق تشرفت بثقة من مجلس أمناء الجائزة؛ الأمر الذي مكّنني من التعرف على آلية العمل، وأكسبني دقة النظر في النصوص، وموضوعيته، وصرامته، وفق معايير ارتكزنا عليها كمجموعة منذ البداية. ناهيك ما حوى اللجنة من الانسجام، وتقبل الرأي والرأي الآخر في سبيل المفاضلة بين الأعمال؛ لذلك أنا ممتنة جداً لهذه التجربة التي فتحت لي باباً ثقافياً وقرائياً جديراً لمواصلة الدرب البحثي والكتابي معاً. 

 #أي الكتب الأدبية الحديثة كانت الأكثر تأثيراً في مسيرتك العلمية، بدءاً من أمبرتو إيكو ورولان بارت مروراً بطه حسين، إلى كليطو...؟ 

لولا هؤلاء جميعاً لما استطعت أن أكون ما عليه أنا الآن، ولا زلت أرى نفسي تلميذة في سماء المعرفة، ورحاب النقد لكل واحد من الباحثين والنقاد العرب والأعاجم الذين أسسوا مدارس لهم بما طرحوه من قضايا ورؤى وجماليات يستند عليها الباحث ابتداء من الشكلانيين الروس، وحتى البنيوية والوجودية والاجتماعية والثقافية، وعن نفسي تعلّمت من كل هؤلاء في مراحل تكويني المختلفة، أنهل حسب حاجتي من النظرية التي أحتاجها وأنا ألجُ نصاً أدبياً (شعراً كان أم سرداً) (طويلاً أم قصيراً) (متخيلاً أم مرجعياً). فقد تعلمت من «أمبرتو إيكو» أن أبحث وأجتهد وأترك كل ذلك للزمن، وتعلّمت من «رولان بارت» التنوع القرائي والجمع بين الفلسفة والنقد يمنح الباحث رؤية أعمق، وتعلّمت من «طه حسين» ألّا أنساق أو أستسلم للفكرة الجاهزة مهما تعرضت للاستنكار، وتعلّمت من «عبد الفتاح كليطو» الاجتهاد قد يوصلك إلى اليقين لإغناء الفكر، وتعلّمت من «جيرار جينيت» أهمية النظر في العتبات المحيطة بالنص؛ وهناك آخرون من خلال قراءتي لهم تعلمت منهم الكثير في رحلتي مع النقد.

# لماذا برأيك يذهب النقاد إلى حقل الرواية والكتابة فيها؟

من وجهة نظري المتواضعة، قد يذهب النّاقد أو الشاعر أو القاص إلى جنس الرواية للكتابة فيه؛ كون هذا الجنس السردي يمنح كاتبه الكثير من الفسحة والحرية والانفتاح على أزمات الإنسان، وشجون الحياة، وربما إلى قضايا أعمق تخص كينونتنا الحياتية؛ لذلك أرى أن هذا الجنس الذي بدأت تتشكل منه أنواع سردية جديدة مستفيدة من النثر والشعر معاً هو مخبز لهموم الإنسان الاجتماعية، ومخبر لقضاياه الفكرية، وأرض خصبة يحرث فيها الناقد ما حاول حبسه عند قراءته للأعمال وتقييمها. 

# وبوصفك شاعرة، وتمارسين النقد، هل تدعين قصتك محلقة وحرة في سماء النص دون مساس، أم تواجهينها فيما بعد كناقدة؟ 

عن نفسي، حين أكتب أبحث عن حريتي وسكوني ورؤيتي وقناعاتي. تأتي الفكرة، وتسكن روحي وتعيش في كياني، تلاحقني ربما شهوراً، ولا أبالغ -إنْ قلتُ سنيناً- وعندما تتخمر في ذهني كعجين ينتظر دفعه للفرن أشعر بالجنون الحياتي، وأبحث عن حرية تناسبني، لأتخلص من تلك الفكرة الملحة والمزعجة التي عاشت معي ولازمتني، لذلك أترك للفكرة حرية التحرر نحو الجنس الذي تختاره.

# ينتاب الشعراء بعد زمن، شعور باستعادة مشوارهم الشعري، فهل تؤيدين كتابة الشاعر سيرته الشعرية؟

حضور الذات وترجمتها في مسار منجز ما، مهما كان نوع الجنس الذي يكتب فيه، وارد في منتج المبدع؛ على اعتبار أن «أدب الذات» بما ينضوي تحته من أنواع مختلفة تشكل بؤرة الذات، والكشف عنها؛ ولكن السؤال -هنا- عن السيرة الشعرية التي أخذت مساراً حياً، وحضوراً لافتاً عند الشعراء؛ خاصة من انتهج كتابة الشعر الحر، أو قصيدة النثر. ولعل هذا يؤكد لنا ما آلت إليه الأجناس الأدبية من تلاقح فني، وتمازج عضوي في قوالب جديدة تمنح النص بعداً فنياً، وانفتاحاً جديراً بالدرس والالتفات.

 # أنتِ ابنة الشاعر عبدالله الطائي، المعروف في نضاله المستعمر البريطاني، هل فكرتِ بكتابة سيرته العميقة والطويلة يوماً؟ 

عبدالله الطائي بالنسبة لي الشخصية الروحية التي لم أعِ عليها، وتمنيت لو جالستها، واستمعت لحواراتها، وأنصت لرؤيتها؛ أما التفكير في كتابة سيرته وسبر أغوار فكره ومواقفه يشكل توجساً لي حتى الآن، بل لم يخطر على بالي ذات يوم. 

# أين تجد عزيزة الطائي نفسها، في الشعر، الرواية، النقد، أدب الطفل...؟ 

سؤال صعب للغاية. كمن يسأل أم عن: أي الطرق تختار لأبنائها، أو أي الأبناء أحب إليها؟! وأترك الإجابة عنه لمن قرأ أعمالي، أو كتب عنها. ولكن لا مانع من الكشف عن مشاعري تجاه تفاعلي مع ما أكتبه، فأنا بحكم دراستي، وتخصصي، وقراءاتي أجد نفسي في النقد الأدبي (أحلل، وأفسر، وأبحث). وبحكم ميولي وهوايتي أجد نفسي في الفكرة التي تحضر وتقودني حيث الاتجاه الذي يوصلني إلى السلام النفسي، والتصالح مع ذاتي، وبحكم أمومتي أستعيد طفولتي مع أدب الطفل.

Email