ميرال الطحاوي لـ «البيان»:أدب الشتات تكريس لصراع الهوية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تطرح الروائية المصرية ميرال الطحاوي، عبر روايتها «أيام الشمس المشرقة» قضايا الاغتراب والكتابة بأسرارها الناجية والوجودية، وتأخذنا إلى المناطق الخفية لثقافة العرقيات والهويات والمعتقدات. جماليات رواية الطحاوي أهّلتها إلى القائمة القصيرة لجائزة الرواية العربية العالمية هذا العام، وحول هذا العمل وفكرته بظروفه وعوالمه الإبداعية، كان لـ «البيان» معها الحوار التالي:

روايتك «أيام الشمس المشرقة» التي تأهلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2023، أخبري القارئ الذي لم يقرأها بعد، نبذة عن هذا العمل؟

أحداث الرواية تقع في بلدة حدودية جبلية فقيرة، متخيلة بطبيعة الحال، أصبحت بمرور الوقت معبراً للعمالة غير الشرعية، ترصد الرواية علاقة أبطالها العرب ببعضهم البعض، وبالمكان كمنفى وجودي، كما ترصد رحلة أبطالها في البحث عن النجاة، النجاة بمعناها الوجودي والمادي، النجاة من الماضي وعثرات الحاضر معاً، الأبطال متعددون، يحتل كل أبطالها مساحات مختلفة من العمل، لا يجمع بينهم سوى تقاطعات رحلة الهرب، والخيبات المتتالية.

الهوية في الأزمات تصبح اضطراباً يصيب الفرد ليشك حتى في قدراته.. فكيف تشكلت رؤيتك الإبداعية الروائية، حول هذه الهوية المشوشة؟

نعم أوافق تماماً أن الهجرة والنزوح الذي خلفته الظروف السياسية، هذا التقارب الذي صنعته الإنترنت ووسائل التواصل وغيرها من منتجات العولمة، أدت لأزمة عميقة في مفهوم الهوية، من المؤكد أن المغترب عن وطنه يشعر أكثر من غيره بهذا التهديد الذي يهدد هويته، فهو مضطر للتعبير والتفكير بلغة غير لغته الأم، ومضطر لأن يقبل القيم الثقافية المغايرة ويتسامح معها، ويحاول البعض الحفاظ على تلك الهوية بخلق تجمعات بشرية مغلقة (جيتهوات)، وقد يدفع هذا التهديد للاحتماء بالقيم الدينية، تحاول كل جالية خلق عالمها الذي يوفر لها قدراً من التوافق على ثقافتها وخلفياتها العرقية والدينية، لكن كل تلك الدفاعات والمحاولات لا تضمن النجاة من حالة التمزق النفسي، الكثير من الكتابات العالمية والعربية وجدت في أزمة الهويات (الهويات القاتلة) مصدراً ملهماً للكتابة، خاصة أدب الشتات الذي أصبح أحد التيارات الأدبية الكبيرة، وهو تيار لا يقتصر على الرواية العربية، بل الكثير من الروايات التي نالت تقديراً أدبيا عالمياً تأتي من شرق آسيا وأفريقيا، الصين والهند وأوروبا الشرقية وغيرها من البلاد التي يحتل كتابها مكانة كبيرة في خارطة الأدب العالمي.

هل تعتقدين بأن الأسفار والإقامة في دول أخرى، والحالة التي تتواجدين فيها مكاناً وزماناً، تمنح حضوراً لأدب الشتات والمهجر؟

الاغتراب مفهوم وجودي وفلسفي بامتياز، قد يعني الشعور بالوحدة والاستلاب وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع، وهو شعور لازم الكتاب والتجارب الإبداعية الكبرى، واقترن بالتمرد على قيم الحاضنة الاجتماعية وعدم القدرة على التكيف معها، لقد درست في أطروحتي للماجستير «التمرد والاغتراب في النص القصصي في الستينيات» ووقفت عند مفهوم الاغتراب وعلاقته بالكتابة، لا شك أن النزوح والإقامة في المهجر صورة من صور الاغتراب الفيزيقية، فالشتات يعني اقتلاعاً حتمياً من الجذور، ويفرض ظروفاً اجتماعية وثقافية جديدة، ويفرض أيضاً التعامل مع لغة جديدة، يفرض علاقة مختلفة بالذات والوجود، ولا شك أن الأدب العربي في القرن الأخير وربما قبله شهد تجارب كبرى في هذا الإطار، بدأت بالشتات الفلسطيني ثم الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب العراقية ثم الشتات السوري، والمنطقة العربية مرشحة لعدد من الأزمات السياسية التي تقود إلى مزيد من التجارب الإنسانية التي تؤدي لنزوح الكتاب والمثقفين للغرب، وأعتقد أن هذه التجربة الوجودية ستظل مادة خصبة للكتابة لعقود طويلة.

كيف تفسرين مجهول الكتابة ودوافعها؟

لا أعرف حتى الآن كيف تأتي الكتابة، ومتى تغادرني، لم أخضع طوال تجربتي لأي صورة من صور الإلزام أو التفرغ للكتابة، فأنا في البداية أم وباحثة وأستاذة جامعية، لكني لم أنقطع قط عن التواصل مع الحياة الأدبية العربية كقارئة وباحثة، تبدأ الكتابة بخلق شخصيات متخيلة وعالم روائي أكتشفه ببطء، تتراكم المحاولات حتى أمسك الخيوط الأولى حين تحتل تلك الشخصيات مخيلتي وتبدأ في الحضور التدريجي على الورق. ما زلت أتعامل مع الكتابة بوصفها تعبيراً شخصياً عن الذات ولم أنجح قط في التعامل معها بوصفها احترافاًً أو عملاً يمكن الاشتغال عليه بشكل يومي.

أنتِ من قبيلة عربية بدوية «الطحاوي»، وقاهرية عاشت عصرها، وتعيشين الآن في الولايات المتحدة الأمريكية كأستاذة جامعية.. فهل أصبحتِ تروين بسبب كل هذا الغِنى الثقافي والتاريخي؟

الكاتب ابن تجربته وابن مخيلته أيضاً، ساهمت النقلات التي خضتها عبر رحلة الكتابة في تعدد هذه الخبرات، لكنها أيضاً ساهمت في تشكيل مصادر الإلهام، أعتقد أن هذا التنقل سمح لي بإعادة صياغة ثقافتي ومواقفي الفكرية، وسمحت لي بقدر من التطور الذاتي، لقد عشت طفولة ثرية محاطة بتراث من الأساطير والمرويات الشفهية والأغاني والأهازيج والموروث القبلي الذي كنت أعتبره في بدايتي مقيداً ومحدوداً ومنعزلاً، لكنني اكتشفت ثراءه على المستوى الشخصي، فترحلت ما بين القاهرة والولايات المتحدة، وكان عليّ أن أخوض تجربة التحرر من تقاليد القبيلة كما اشتهيت، كان علي أن أدفع ثمن تلك التجربة بكل مخاوفها وصعوباتها، كان على البنت الصغيرة، ابنة العرب، ابنة الأسرة المحافظة والتقاليد الصارمة أن تخرج من خباء القبيلة وتصير سيدة وحيدة تجرر طفلها وتتنقل من ولاية إلى ولاية ومن وظيفة إلى أخرى بحثاً عن ذاتها وعن أحلامها العصية على التحقق، كان علي أيضاًً أن أتطور بشكل مستمر.

حدثينا عن طقوسك أثناء الكتابة، وعن عوالمك وعزلتك؟

ليس لدي طقوس أثناء الكتابة، تعودت أن أهرب للكتابة حين تسمح الظروف بذلك، أحاول اقتناص الوقت والتحايل على الواجبات اليومية، قد يرافق حالة الكتابة رغبة عارمة في المشي والاستغراق في التفكير والاختلاء بالذات كلما أمكن ذلك، لكن طقوس الكتاب قد تكون متشابهة، كنت في أحد الإقامات الأدبية منذ سنوات طويلة وكان يسكن في الغرفة المجاورة الكاتب الصومالي الكبير نور الدين فرح، وكان يمارس الركض في غرفته أو المشي السريع، وكان دائم الاعتذار عن الجلبة التي يسببها أثناء فترات الليل قائلاً إن المشي هو النشاط البشري الذي يفجر الإلهام.

Email