أحمد شوقي أمير الشعراء وسيد البيان "1"

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد سقوط الحكم العربي في الأندلس والذي استمر ثمانمئة عام من عام 92 هـ إلى 897 هـ زمن سقوط آخر ممالك العرب في الأندلس وهي مملكة غرناطة بعد هذا السقوط المريع أصيب الشعر العربي بأزمة وجودية فلم يكن هناك في البلاد العربية التي يحكمها العثمانيون أي حركة للشعر أو الأدب.

وهذا ما يجعلنا نتجاوز هذه الفترة المظلمة من تاريخ العرب لنصل إلى الشعر العربي في العصر الحديث.

وهنا نوجه سؤالنا إلى الناقد العربي السوري الدكتور محمد ياسر شرف، متى وكيف بدأ هذا الشعر؟

يجيب الدكتور محمد ياسر شرف ويقول:

مرّت ثلاثون سنة على الشعر العربي ابتداءً من النصف الثاني للقرن العشرين وكتّابه يتجاذبون الاتهامات حول الأصالة والمعاصرة وحول التقليد والحداثة.

ونتجاوز هذه التجاذبات ونتناول سيرة شعراء العصر الحديث وعلى رأسهم أمير الشعراء أحمد شوقي المولود بحي الحنفي في القاهرة في السادس عشر من أكتوبر 1870.

وكعادتي في تقديم الشعراء العرب أستحضر روحه وأجري معه لقاءً صريحاً لمعرفة ما له وما عليه.

اللقاء

-: أمير الشعراء.. هذا هو الوسام الذي وضعه شعراؤنا العرب على صدرك.. ولكن هل أنت حقّاً عربي؟

وعلى ما يبدو شعر الأمير بالامتعاض من هذا السؤال ولكنه تماسك وابتسم قائلاً:

شوقي: أعرف أنك تقصد الأم والأب، فأبي من الشركس وأمي يونانية، وكانت جدتي أم أمي اليونانية تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل وكانت غنية ولديها ثروة كبيرة، وهذا ما جعلها تهتم بحفيدها وتجعله ينشأ معها في القصر.

-: هذا لا ينفي أنك عشت عربياً وفي بلد عربي وأنك أتقنت لغة العرب شعراً ونثراً.

شوقي: أعتز أنني عربي وأنني مسلم وأنني قدمت لأمتي العربية ما لم يقدمه العرب المنحدرون من خيرة القبائل العربية.

-: كيف بدأت دراستك لهذه اللغة الجميلة؟

-: التحقت في الرابعة من عمري بكتّاب الشيخ صالح حيث تعلمت مبادئ القراءة والكتابة وحفظت بعض السور والآيات القرآنية، إلى أن التحقت بمدرسة المبتديان الابتدائية.

-: وهل كنت موفقاً في هذه الدراسة؟

-: الدليل على نبوغي في هذه المدرسة أنني أعفيت من مصروفات الدراسة.

-: ولكن كيف دخلت إلى عالم اللغة العربية والشعر؟

-: في تلك المدرسة بدأت بقراءة دواوين كبار الشعراء وحفظ قصائدهم عن ظهر قلب، وهذا ما جعل الشعر ينساب في حديثي وفي كتابتي.

-: إذن درست الأدب والشعر.

-: الحقيقة أن دراستي ابتعدت عن هذا المجال.

-: فماذا درست إذن؟

-: أنهيت دراستي في هذه المدرسة وعمري لا يزيد على خمسة عشر عاماً وانتقلت بعد ذلك إلى مدرسة الحقوق.

-: الحقوق؟ معقول؟

-: كان ذلك في عام 1885.

-: وتركت الشعر؟

-: بالعكس، رغم دراستي للحقوق إلا أنني لم أترك الشعر، لا دراسة ولا ممارسة.

-: نظمت الشعر في مدرسة الحقوق؟

-: نعم.. وبدأت قصائدي تثير اهتمام الشيخ محمد البسيوني الذي وجد فيّ مشروع شاعر كبير.

-: وما علاقة اللغة العربية بالحقوق؟

-: كان الشيخ البسيوني يدرسنا مادة البلاغة في تلك المدرسة على أساس أن المحامي الناجح هو القادر على استخدام الشعر والبلاغة في مرافعاته أمام القضاء.

-: ولماذا تركز على هذا الشيخ وحده في حديثك عن أصحاب الفضل عليك؟

-: لأنه كان مخلصاً وشديد الثقة بشاعريتي وكان يعرض عليّ قصائده في مدح الخديوي توفيق قبل إلقائها عليه، وهو الذي قدمني فيما بعد للخديوي توفيق وأفهمه أنني جدير بالرعاية.

-: حسناً.. وهل وقعت كشاعر في الحب؟

-: الحب والشعر توأمان.. نعم وقعت في الحب وتزوجت من أحب فأنجبت ابنتي أمينة وولديّ حسين وعلي.

-: أذكر أن ابنك عليّاً ألّف كتاباً بعنوان أبي شوقي، وقد صدر هذا الكتاب بعد انتقالك إلى جوار ربّك وقد صدر عن مطبعة مصر عام 1947.

-: يبدو أنك تعرف عنّي كل شيء.

-: لا أحد يستطيع أن يزعم أنه يعرف عنك كل شيء.

-: ومتى ولدت أنت؟

-: بعد وفاتك بثماني سنوات.

-: وماذا تريد أن تعرف الآن؟

-: بعد تخرجك في مدرسة الحقوق ماذا فعلت؟

-: التحقت بقصر الخديوي توفيق.

-: لتبدأ العمل وتترك الدراسة.

-: لم يحدث.. فالخديوي قام بإرسالي على نفقته الخاصة إلى فرنسا لألتحق بجامعة مونبلييه لمدة عامين.

-: لدراسة الأدب طبعاً.

-: لا.. لاستكمال دراستي العليا في الحقوق.

-: وهل تخرجت فيها؟

-: نعم، وحصلت على إجازة الحقوق سنة 1893.

-: والأدب، أين درسته؟

-: في الجامعة نفسها، مكثت في فرنسا بعد إجازتي في الحقوق أكثر من أربعة أشهر ودرست الأدب الفرنسي واطلعت على نتاج كبار الشعراء والأدباء الفرنسيين.

-: ثم عدتَ إلى مصر لتضع أمام الخديوي توفيق نجاحك الباهر.

-: مع الأسف.. عندما عدتُ وجدت الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر.

-: يا إلهي.. وماذا حدث؟

-: رحّب بي الخديوي عباس وعينني بقسم الترجمة في القصر.

-: وأين الشعر؟

-: لم أتخل عن الشعر.. بل كان الشعر دافعاً للخديوي عباس ليقربني منه وليجد في شعري ما يعينه في صراعه مع الإنجليز.

-: وهكذا حققت مآربك ووجدت في قربك من الخديوي عباس حياة الرفاهية والراحة.

-: لا تتسرع بالحكم على هذه العلاقة فقد كانت علاقتي بالخديوي عباس سبباً من أسباب النفي الذي عانيت منه، فبعد أن خلع الإنجليز الخديوي عباس عن عرش مصر وأعلنوا الحماية عليها نفيت إلى إسبانيا (برشلونة) وأقمت مع أسرتي في دار تطل على البحر المتوسط.

-: أمير الشعراء الكبير.. وقفتكم مع الخديوي لم تقتصر على مدحه والثناء عليه ودعمه ضد الإنجليز بل وجدناك تهاجم السياسيين الذين ارتموا في أحضان الإنجليز وكانوا من أعداء ولي الأمر الخديوي.

-: هذا صحيح.

-: وهل يمكن أن نستمع إلى شيء من شعرك في هؤلاء.

-: يمكن أن أقرأ لك قصيدتي التي نشرتها في ذلك الزمن بعنوان: «كَبيرُ السابِقينَ مِن الكِرام».

-: وما سبب نظمك لهذه القصيدة؟

-: السبب أن رياض باشا رئيس النظار ألقى خطاباً أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر.

-: إذن هي قصيدة هجاء.

-: يمكنك أن تصفها كذلك.

-: هل نستمع إليها.

-: أختار لك بعض أبياتها:

 

كَبيرَ السّابِقيـــنَ مِنَ الكِــرامِ

بِرُغمِـي أَن أَنـــالَكَ بِالمَـــلامِ

لَقَـدْ وَجَـدُوكَ مَفتُـوناً فَقـالُـوا

خَرَجتَ مِنَ الوَقارِ وَالاِحتِشَامِ

وَقالَ البَعضُ كَيدُكَ غَيرُ خافٍ

وَقَـالُــوا رَميَــةٌ مِن غَيْـرِ رامِ

وَقيلَ شَطَطتَ في الكُفرانِ حَتّى

أَرَدتَ المُنعِميـــنَ بِالاِنتِقَــــامِ

غَمَرتَ القَـومَ إِطراءً وَحَمــداً

وَهُم غَمَروكَ بِالنِعَـمِ الجسَـامِ

رَأَوا بِالأَمْسِ أَنفَكَ في الثُـرَيّا

فَكَيفَ اليَومَ أَصبَحَ في الرِغامِ

أَمَــا وَاللَهِ مَــا عَلِمُــــــوكَ إلاّ

صَغيراً في وَلاَئِــكَ وَالخِصَـامِ

إِذا ما لَم تَكُـنْ لِلقَــوْلِ أَهْـــلاً

فَما لَكَ في المَواقِفِ وَالكَــلامِ

خَطَبتَ فَكُنتَ خَطباً لاَ خَطيباً

أُضيفَ إِلى مَصائِبِنَـا العِظَــامِ

لَهِجتَ باِلاِحتِـلالِ وَما أَتَـــاهُ

وَجُرحُكَ مِنهُ لَو أَحسَستَ دامي

خَطَبتَ عَلى الشَبيبَةِ غَيرَ دارٍ

بِأَنَّـكَ مِن مَشيبِـكَ في مَنَـــامِ

وَلَـوْلاَ أَنَّ لِلأَوْطَــــــــانِ حُبّـاً

يُصِـمُّ عَنِ الوِشَـايَةِ كَالغَـرامِ

جَنَيتَ عَلى قُلوبِ الجَمْعِ يَأساً

كَأَنَّـكَ بَينَهُـمْ داعِي الحِمَـــامِ

وَهَل تَرَكَت لَكَ السَبعونَ عَقلاً

لِعِرفَـانِ الحَـلالِ مِنَ الحَـرامِ

أُحِبُّكِ مِصرُ مِن أَعْمْـاقِ قَلْبِـي

وَحُبُّكِ في صَميمِ القَلبِ نامي

سَيَجْمَعُـنِي بِكِ التَّاريخُ يَـوْمـاً

إِذا ظَهَـرَ الكِـرامُ عَلى اللِّئَــامِ

وَهَبتُـكِ غَيرَ هَيّــابٍ يَـراعـــاً

أَشَـدَّ عَلى العَـدُوِّ مِنَ الحُسَامِ

سَيَكْتُبُ عَنْكِ فَوقَ ثَرى رِيَاضٍ

وَفي التّاريخِ صَفحَةَ الاِتِّهـامِ

أَفِي السَّبْعِيـــنَ وَالدُّنيَــا تَوَلَّتْ

وَلاَ يُرْجَى سِوَى حُسْنِ الخِتامِ

تَكُـونُ وَأَنتَ رِيـاضُ مِصْــــرٍ

عُرَابِي اليَوْمِ في نَظَرِ الأَنَــامِ

Email