خبيرة عالمية متخصصة في ثقافة الحياة والنجاح:

كريستينا بينغستون: دبي كتاب حافل بأنوار الفكر وقصص الإنجاز

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«عصية نادرة.. أو مقودة بريح الحظوظ، ومحكومة بظروف واشتراطات معقدة». هكذا هي وصفة التميز والإبداع في مخيلة نسبة غالبة من الأفراد- وربما الدول حتى- ضمن عالمنا المعاصر. إذ تغيب عنها حقيقة كون النجاح ينبني أولاً وأخيراً على أرضية ثقافية، قوامها مزيج العمل الجاد والمعرفة النابضة بطاقات التركيز العالي، الذي يهدينا جناحين ذهبيين، نحلق معهما في فضاءات الصفاء وقوة الإدراك، كما تؤكد مدربة الحياة والخبيرة في حقل الاستشارات الثقافية والحياتية العامة، كريستينا بينغتسون، فنغدو مؤهلين لنرسم وندوزن لوحات حضورنا، وخطوات حيواتنا كما نرومها: مكينة مثمرة ومؤثرة براقة. 

شطآن ومطارح كثيرة، يمم شطرها حديث «البيان» في دبي، مع كريستينا، التي تزور في كل شهر، بلداً جديداً، تلبية لدعوات مؤسسات وشركات دولية متنوعة، حيث تقدم خبراتها ومعارفها في حقول العمل والثقافة والإنجاز لكوادر تلك الجهات. إلا أنها اختارت أن تستهل محطات هذا الحوار، بالتعبير عن عشقها دبي، وإعجابها الشديد بمكنون ثقافة الجمال والتميز التي تنبض في كوامنها، فتلهم سكانها الإبداع، وتنفحهم أسرار ومفاتيح العمل المثمر، وأبجديات التمكن من تحويل أحلامهم وآمالهم واقعاً ملموساً، حيث إكسير التفرد، يتبدى أبجدية الحكاية وبدايتها ومنتهاها، في كتاب أنوار هذي الحاضرة العالمية الأنيقة الجاذبة، التي غدت، كما تبينتها مدربة الحياة وخبيرة التركيز السويدية، عن كثب، وإثر زيارات متكررة، وبحث ودراسة متواصلين، تحترف عزف لحن الابتكار، ولقاء الحضارات في خريطة عالمنا، بموازاة صوغ أنصع نماذج الإنجاز المتأتي، بفضل تملكها فكراً متطوراً، وإرادة مقرونة بزخم المعرفة و«كنز التركيز العالي»، الذي تخط دبي في خضمه، مناهج واستراتيجيات نالت وتنال معها كؤوس البطولة في ميادين بارزة، مبرهنة للجميع، أن النجاح خلطة فن وثقافة وبراعة وتصميم، تاجها التركيز والعمل. 

في «دروب الصفاء»

 تستعرض كريستينا في سرديات مشوار حياتها وإبداعها وتطورها، جملة عوامل ولبنات راكمتها وحفظتها في جعبتها منذ بواكير نشأتها طفلة في الريف السويدي، شكلت خميرة ولوجها بقوة عوالم «كنز التركيز»، والتمكن من ثقافة وألفباء الإنجاز:

أنا ابنة الطبيعة البكر، ربيت في الريف السويدي، في أحضان الغابة. وبين أرجاء مزرعة العائلة لكبيرة، طالما شاقت تلك الطفلة أصوات الكائنات ومناظر النباتات، وكذا أطربتها أغاني العصافير. أحاديث ماتعة تلبث في ذاكرتي، لطالما تبادلتها مع تلك الأشجار السامقة، والدروب المفروشة بالعشب وورق الشجر في الريف السويدي، في الجنوب، حيث نشأت. هناك كانت صوت الإرادة والصفاء والتركيز العالي، يبذر في دواخلي نبتاً رائعاً ثرياً وبهيجاً، تبينت خيوطه ومدى أهميته بجلاء لاحقاً، حين انخرطت في الحياة العملية، ورحت أخوض غمار التحدي والعطاء في العمل بميدان السلك العسكري، في بلدي السويد، وذلك بينما كنت أواظب على إرواء نهمي إلى المعرفة والمطالعة. وبطبيعة الحال، كانت لبنات نشأتي وإتقاني فن الهدوء والتركيز، معيني وسندي الأساس، بينما تخصصت في ميدان الرماية، وأصبحت أنافس في بطولاتها. 

كنت أعرف، منذ اللحظة الأولى التي غدوت فيها وأنا في مطلع العشرينيات من العمر، ضمن الكادر العسكري لبلادي السويد، تحديداً في وحدة الرماية، أن في جعبتي ملكات وإمكانات ستهيئ لي عقب صقلها بالتجريب والاستزادة الثقافية، قدرتي على أن أصبح خبيرة ومدربة متخصصة بثقافة الحياة والإنجاز. تتابعت مدارات الأيام بي، بينما كنت خلالها: أنجح ثم أخفق..أتعلم وأسقط ثم أنهض، إلى أن غدوتُ أخيراً، بطلة عالمية تحصد أرفع المراكز ببطولات الرماية، ويشار إليها بالبنان.

كانت تلك مرحلة مهمة في حياتي، كوّنت فيها شخصيتي، وأثبت لنفسي وللآخرين من حولي، قيمة التركيز والصفاء والمعرفة، بينما نسعى لتحقيق أهدافنا، خاصة بعد أن بدأت أخوض غمار الحياة، بوصفي مدربة حياة ومستشارة ثقافية متخصصة بعوالم التركيز وثقافة الحياة، إذ برز هذا التحول في حياتي بشكل رسمي في عام 2015. ومن ثم نشرتُ كتابي الأول في 2017، باللغة الإنجليزية، حول التركيز وثقافة ومعالم دروب النجاح. 

 «ساعديني أرجوك...»

«ضجيج قاتل، وزحام مهام حياتية يومية، يشهدها عصرنا، أتاها مع التعلق (المرضي) بمحتوى وسائل التواصل الاجتماعي، بوصلة تركيزنا، فأطفأ الأضواء الكاشفة لمسارات الإنجاز في حيواتنا، على صعيد المؤسسات والأفراد والدول، في آن واحد». هكذا توصف وتلخص كريستينا منابت فقدنا موشور النجاح، وإهمالنا روافعه الثقافية الحياتية، إذ تسترسل:

أصبحت مشاغل الحياة اليومية، تنال من أرواحنا، فتحولنا رهائن للأهداف المرحلية، وأسرى لأهداف ربحية، وأعمال ومهام يومية روتينية. راحت تلك الحال، في ظل تعدد وتنوع الأشغال والمسؤوليات، تقلق أرواحنا، وتبدد تأملاتنا وهدوءنا، فتحولنا جنياً للربح، لا روح إبداع وتركيز تقطنها. غدونا رهن اشتراطات الأعمال اليومية، وتلاميذ معلومات ودروس المحتوى الرقمي، الذي تمدنا به منصات مواقع التواصل. وهكذا، لم تعد تغرينا الثقافة العميقة، وأصبحنا مؤطرين في حدود ومستويات لن نبحر معها على متن سفن التركيز العالي، والمعرفة الواسعة، لنحصد الإنجاز اللائق. ولا يفوتني هنا، أن أستدرك فأشير إلى أن المحتوى الرقمي، قد أغنى حياتنا بالفعل، وجعل المعرفة والثقافة بمتناول الجميع، لكن خيارات الشريحة الأكبر في عالمنا، وكذا طبيعة استخدامنا واستثمارنا له، أسهمت في جعله أحد أقوى أسباب تحول مجتمعاتنا نحو الهامشية، وضعف التركيز، وعدم القدرة على إدراك خيوط الضوء النافعة في مشوارها. 

وتضيف كريستينا: في ظل إفرازات هذا الدمار المعرفي، والقلق المربك المشتت لطاقات تركيزنا، راح أرباب العمل يتعثرون، والطلبة يفشلون، وقادة الفكر ينهارون، والمؤسسات الكبرى تتقوض. أجدني الآن، وأينما حللتُ، بينما ألبي دعوات المؤسسات التي تطلب استشاراتي، في جميع أنحاء العالم، في أوروبا وآسيا والأمريكتين وأستراليا وأفريقيا، أقابل السؤال والطلب الأول نفسه: أرجوك ساعدينا.. فقدنا التركيز.. انهار مبنى الإرادة والتخطيط في جسد مؤسستنا.. في أنفسنا. نريد العودة إلى الجادة الصواب. 

إن العلاج الأبرز لهذه المعضلة الإنسانية الحياتية، والثقافية، التي تواجهها مجتمعاتنا، يكمن في العودة إلى إيلاء المعرفة والقراءة، كبير الأهمية، بموازاة الاعتناء في نشر ثقافة التركيز العالي، والتخطيط والصبر والعمق. إن التمكن من مهارات التركيز، تساعدنا على وضع نظام عمل وتصرف حياتي محكم مثمر، نستطيع في ظله السيطرة على معارفنا، والقبض على مفاتيح النجاح والجدارة. ويجب أن نعي أن التخلص من إفرازات وتراكمات الدمار الفكري والحياتي الهائل، الذي نقابله ويحيط بنا، هو من أول شروط نجاحنا في وضع أرجلنا على الطريق الصحيح، في عوالم التركيز والمعرفة والإنجاز.

سمفونية الحضارات

لا يتبدد أو يخفت بريق أثر جمال دبي في ذهن كريستينا، وخافقها أينما حلّت، وأنى اتجهت في أنحاء عالمنا، فكيف ذاك، وهي تجدها في كل عام أيقونة أبهى، تحفل بالمنجزات الحضارية الجديدة.. وتواصل تشريع نوافذها على المستقبل، بينما تحتضن بانوراما مفردات الإبداع، وأزاهير تناغم الثقافات العالمية:

محظوظ هو عالمنا بحواضر متميزة، رغم عددها القليل، فهي الأمل بغد حافل بالإنجازات والقيم الإنسانية، كما حال مدينة دبي، التي يبدو أن شأنها وديدنها نشر أنوار المعرفة، وصون قيم الخير والحق والجمال، بموازاة إفساح مديات رحبة أمام سمفونيات الإبداع والتطور العصري والعمل والإنجاز. إن ما رأيته ولمسته في دبي من تجارب ونماذج إبداعية، جعلني على يقين من رقي مستوى الثقافة الكامنة وراء إنجازات هذه الحاضرة البديعة، التي تنحت أيقونات تفردها، قيادة حصيفة ثاقبة الرؤية. وقد لفتني كثيراً نجاح دبي في خلق حالة ثقافية عالمية، تنسجم في عوالمها حضاراتنا المتنوعة. 

ولا أفشي سراً ههنا، بينما أعرب عن نيتي وعزمي افتتاح مقر رئيس لمعهدي العالمي المتخصص بطاقات التركيز وثقافة النجاح، الذي أنوي افتتاحه في المستقبل. فأي مشروع عالمي هدفه ومرامه خدمة الإنسانية برمتها، برأيي، لا بد من حضور مؤثر له في دبي، التي تعد ملتقى الثقافات، وحاضرة الإبداع والنجاح في عالمنا. 

بطاقة
كريستينا بينغتسون. كاتبه وخبيرة ومدربة حياة سويدية. متخصصة بثقافة التركيز. ولدت في الريف السويدي سنة 1974. حائزة على كؤوس بطولات عالمية عديدة في حقل رياضة الرماية. لديها كتاب عن ثقافة التركيز والنجاح.

Email