محمد البلوشي.. شغف محفور على الخشب

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

محمد البلوشي، إماراتي استطاع تحويل هوايته إلى حرفة، فهو يقوم بتحويل الأخشاب إلى قطع فنية أو تحف قابلة للاستخدام، فبإمكانه أن يحول جذع الشجرة إلى طاولة أو كرسي، أو مبخرة. «إنها ليست هواية سهلة، بل هي متطلبة على نحو كبير» ، كما يقول البلوشي. ولا يستغرقه الأمر كثيراً من الجهد لتوضيح مقصده، فهذه الهواية الحرفة، تتطلب جهداً ووقتاً ومالاً.

يذهب الجهد في تحديد موضوعه واختيار الخامة المناسبة، والعمل عليها من بعد. بينما يحتاج الإنجاز إلى وقت. في حين يحتاج المال لاستيراد الخشب أو المعدات والآلات التي يستخدمها في عمله. لكن هذا لم يمنع محمد البلوشي من ممارسة شغفه، وتطوير هوايته التي رافقته منذ صغره، وأتاحت له أن يطوّر علاقة معها ومع موادها الخام من أخشاب يحولها إلى مشغولات حرفية.

ومحمد البلوشي صاحب أسلوب خاص فرضه شغفه بهوايته؛ لذا، كان أول سؤال توجهت به «البيان» إليه، هو:

 

- حدثنا عن أسلوبك الإبداعي، الذي تتسم به قطعك الحرفية؟

أسلوبي جاء من شغفي بهذا الفن. لقد بدأ معي كهواية أقبلت عليها، وارتبطت بها، منذ الصغر. في صغري كان يستهويني أن أصنع الألعاب بنفسي، ولم تكن مصنوعة من الخشب حصراً، بل كانت متنوعة. وبحكم عملي في الإعلام، وانشغالي به لم أتفرغ لممارسة هوايتي الحرفية. ولكن بمرور الوقت بدأت أعود إلى شغفي وهوايتي، فخصصت لها جزءاً محدداً من وقتي. وفي العام 2015 بدأت فعلاً في تصليح وتبديل بعض الأدوات المنزلية بشكل عام. ومن ثم بدأت أتخصص في تصنيع البعض الآخر منها. لقد كانت هذه بداية غير متوقعة.

 

شغف وتشجيع

- تقصد أن الذي دفعك باتجاه احتراف هذا الفن كان شغفاً محضاً؟

نعم هذا صحيح. ولكن عليّ أن أقول إنني مع مرور الوقت، وبتأثير إعجاب وتشجيع الأهل والأصدقاء بمشغولاتي، بدأت أولي اهتماماً أكبر بهوايتي، واتجهت إلى التركيز على المشغولات الحرفية ذات القيمة العالية، والمضمون الإبداعي. كما بدأت في تطوير أدواتي وثقافتي المهنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت، ومن خلال تبادل الأفكار مع أصدقاء مختصين في المجال نفسه، وكانت هي الانطلاقة الحقيقية للتخصص.

 

نبع الأفكار

- وراء كل قطعة مشغولة فكرة. من أين تأتي بالأفكار التي تحولها إلى أشكال وقطع حرفية؟

المشغولات التي أصنعها غالباً ما تستلهم مفردات الحياة اليومية التي كانت مستخدمة في الماضي وكذلك الموروث، ولكن بشكل مطور يتناسب مع الزمان الذي نعيشه.

في الواقع، إذا نظرنا إلى دبي والتطور الذي تعيشه، ندرك أن بإمكاننا أن نستلهم الكثير، لا سيما لجهة المعمار أو الأفكار التي تتيح الكثير من الفرص لصنع أشكالاً ونماذج غالباً ما تكون ناجحة.

في أحيان أخرى، كثيرة، تأتي الأفكار من طلبات خاصة بالأهل أو الأصدقاء أو أحد الزبائن الذين تجذبهم هذه الأعمال، وأيضاً أقوم بإضافة لمسات حرفية وإبداعية تخدم المنتج أو المصنوع، وهو ما يجعل المنتج النهائي جديداً ومبتكراً.

 

مواد خام

- الأخشاب هي المادة الخام الأساسية في عملك. من أين تحصل عليها؟

هذا أمر غاية في الصعوبة. شراء الأخشاب اليوم مكلف جداً، خصوصاً أنه ليس لدينا موارد طبيعية للأخشاب المميزة. غير أن هناك مصادر محلية مثل شجر الشريش والداماس والنيم. وأحياناً شجر السدر، ونادراً جداً ما أستخدم شجر الغاف. الأشجار المحلية تفي بالغرض غالباً، ولكن تحتاج لرعاية معينة في التعامل، ويستغرق تنشيفها وقتاً طويلاً. أما الخشب المستورد، برغم أن سعره مرتفع، إلا أنه مميز بألوانه وأليافه الداخلية، ويتيح خيارات أوسع في طرق تنفيذه والعمل عليه، خصوصاً إذا تم استخدامه بطرق حديثة، وهو طيع وقابل لتحقيق معادلة صنع منتج يجمع بين الأصالة المحلية والذوق العالمي.

 

وقت

- كم يستغرق العمل على هذه القطع؟

يعتمد هذا على نوع العمل وحجمه. متوسط ما يستغرقه العمل على قطعة واحدة هو أسبوع تقريباً. وهناك أعمال تستغرق أكثر من شهر، لا سيما تلك التي تتطلب قدراً من الدقة في تنفيذها، أو تتسم بصعوبة في التعامل معها، خصوصاً إن كانت نوعية الخشب تتميز بدرجة عالية من الصلابة، أو حينما يتطلب الأمر المحافظة على الشكل الطبيعي للخشب وتوظيفه في العمل.

بالنسبة لأعمال التحف الصغيرة، فهي أيضاً تحتاج إلى مراحل متعددة لتحضيرها، قد تستغرق في بعض الأحيان عدة أيام. وفي العموم، يحتاج التعامل مع المصنوعات الحرفية إلى تخطيط ودراسة مسبقين لكل مشروع، ضماناً لتنفيذه على الوجه الأفضل، ضمن المدة الزمنية المخطط لها.

 

ابتكار الأدوات

- ماذا بشأن الآلات والمعدات المستخدمة، هل تواجه صعوبة في الحصول عليها؟

الآلات التي أستخدمها حديثة، ولكنها غير متوفرة في السوق المحلي بشكل كامل، لذلك أحتاج إلى طلبها من خارج الدولة أحياناً. وهذا يستغرق الكثير من الوقت والمال. وأحياناً أخرى تدفعني الرغبة في تجاوز هذه الصعوبات، ورغبتي في اختبار قدراتي الإبداعية، إلى تصنيع بعض هذه الأدوات بنفسي، في منزلي. وفي الغالب ما تكون مرضية في العمل، وتعطي نتيجة جيدة. وفي بعض الحالات أبتكر معدات جديدة تلبي حاجاتي، ولو بشكل مؤقت.

 

تسويق وترويج

- كم حجم الطلب على مشغولاتك؟، وهل هناك مردود مادي؟

حجم الطلب على المشغولات الحرفية ليس كبيراً، خصوصاً حينما يعلم الزبون أنها صنعت في الإمارات. طبعاً هذا بسبب الاعتقاد السائد بأن هذه الحرفة ليست جزءاً من تراثنا. وفي الحقيقة، سبب هذا أننا لم نعتنِ بهذا القطاع، ولم نسعَ إلى تسويقه كما يجب. ومع ذلك، هناك من يقبل على هذه المشغولات لأنها صنعت في الإمارات وبأيادٍ إماراتية، بالذات. ولكن عدد هؤلاء أقل من أن يشجع العاملين في هذا المجال.

أما بالنسبة للمردود المالي، فإنه لا يتناسب مع الجهد والوقت والمال الذي نصرفه بغية الوصول بالمنتج النهائي إلى هذا المستوى من الجودة الذي ترينه. ومع ذلك يسعدني أن يعجب أحد ما بمشغولاتي، وأن يرغب باقتنائها، وإن كان المردود ضئيلاً وغير منصف، غالباً.

 

دروس في الإلهام

- يمثل الإلهام محركاً أساسياً للفنان في عمله. من أين تستمد مثل هذا الإلهام؟

لا أنكر أن صانع مستقبل دبي، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، له دور كبير جداً في كل نجاح يضاف لي. إنه الملهم الحقيقي لكل إبداع؛ تعلمت منه الجرأة في الخطوات، والثبات عند النجاح، وأن لا حدود للإبداع والتفوق. ومن هنا، أستلهم من دبي نجاحها في الاستقطاب والاستمرار والتحدي والإصرار على النجاح.

 

حلم التفرغ

- ما الصعوبات أو التحديات التي واجهتك وتواجهك اليوم؟

لا توجد صعوبات تذكر، وذلك بحكم أنني أعمل من منزلي. هناك تحديات، وهي في جميع الاتجاهات، ولكن أحاول مراراً وتكراراً أن أتغلب عليها وعدم التوقف عندها. مثال على ذلك، ساعات العمل الطويلة التي تحول بيني وبين التفرغ للتركيز على هذه الحرفة. وثمة تحدٍ آخر. لا تزال ثقافة الحرف اليدوية المحلية حديثة، والجيل الجديد لا تثير اهتمامه مثل تلك الحرف، علماً أنها موروث الأجداد وتاريخ المنطقة.

وفي الواقع، هناك أمنيات.. أتمنى أن تكون هناك جهة ترعى الحرف اليدوية بشكل عام، والحرفيين المواطنين بشكل خاص، ودعمهم في ترويج هذه الثقافة بين أبناء الجيل الحالي، ونقلها إلى الأجيال القادمة.

Email