«مسجد الخميس» في البحرين نموذجاً

المعمار التراثي الخليجي في الوثائق البريطانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أردتُ التعرّف على مدى تطرّق المسؤولين البريطانيين للعمارة التراثية الخليجية أثناء فترة وجودهم في المنطقة، رغبة منّي في معرفة طبيعة هذا الاهتمام.

وكيف نظروا إلى تلك العمائر التراثيّة الشاخصة بما يتوافق مع رغبتهم في كتابة التفاصيل، والتدقيق في المعلومات لدرجة تُشعر القارئ بأنهم يسهبون في التفصيل فالوصول إلى حد الملل ذلك إذا لم يوطّن نفسه على تحمّل تلك العبارات الواصفة لكلّ شيء يرد إليها.

وأثناء هذا البحث لفت نظري ملفّ مخزّن في مكتبة قطر الرقمية بعنوان: «ملفّ 34/‏‏‏1 الآثار القديمة والمقابر. مسجد أثري في المنامة». وهذا ما أثار استغرابي، وحين فتحت الملفّ زاد استغرابي من دقّة المسؤولين في تتبّع الأثر إلى نهايته، سواء بالكتابة أو بالتصوير أو بالتعليق أو بالوصف.

تشارلز دالريمبل بلجريف

أول مَن أثار هذا الموضوع هو السير تشارلز دالريمبل بلجريف (Sir Charles Dalrymple Belgrave) (1894 - 1969) مستشار الحكومة البحرينيّة حينذاك.

ووجّه في رسالة إلى جوردون لوخ (Gordon Percy Loch) المقيم السياسي في بوشهر بتاريخ 5 فبراير 1935، يذكر فيها بأنّ المسجد الذي سبق لهما الحديث حوله، هو مسجد قديم ربما يعود زمنيّاً إلى ما بين عام 876 وعام 879 للهجرة.

وأنّ وصف هذا المسجد قد تمّ على يدَي باحث ألمانيّ يدعى: إيرنست دييز(Ernst Diez) حين زار المنامة في عام 1914. ويخبره بأنّه لم يتمكّن من تحديد موضعه. ثمّ يطلب منه الحصول على نسخة من هذا البحث.

وورد أن الباحث: هو مؤرّخ نمساوي الأصل، وهو أحد مشاهير العلماء الأوربيين الذين درسوا الفنّ الإسلامي، وتعمّقوا فيه، وأجادوا دراسته، وهو من مواليد 27 يناير 1878، في قرية نمساوية تدعى (Lölling Graben). كان ينتمي إلى الجيل الأول من مؤرّخي الفنّ الأوروبيين، الذين بدأوا بدراسات في الفنّ الأوروبي، وسرعان ما طوروا اهتماماً بالثقافات الآسيوية.

وتوفّي في 8 يوليو 1961 في بلدة (Wien) في الشمال الشرقي من النمسا. وقد أشارت إليه تقارير أخرى بأنّه كان في زيارة لمدينة مشهد عام 1913. واعتمد معلوماته مسؤولون آخرون في تقارير أخرى تعود لعام 1937، حول المسجد.

مداولات مفصّلة

ومن بعد رسالة بلجريف بدأ الأخذ والردّ بين المسؤولين البريطانيين، وقد بعث لوخ رسالة بتاريخ 13 فبراير إلى مكتب وزارة الخارجية في الهند بمضمون رسالة بلجريف.

ويطلب توفير نسخة مترجمة للبحث. ثمّ تتوالى المراسلات بين المسؤولين في الخليج، وفي الهند، وفي لندن حتى ذُكر فيها قيمة تصوير البحث.

كما ذُكر أنّ مَن قام بنقل البحث من الألمانية إلى الإنجليزية يدعى: ر سي تومسون (R. C. Thomson) أحد المترجمين المعتمَدين في وزارة الخارجية في لندن.

والرسوم الواجب دفعها للمترجم وطرق الدفع الممكنة. واستمرّت هذه المراسلات إلى عام 1936.

وضمّت الترجمة ثماني صفحات. وتحتوي المراسلات أيضاً طلباً من دينيس بيليربي (Denys Bellerby)، طالب بجامعة كامبريدج، للحصول على نسخة من ترجمة المقالة ليستخدمها في أطروحته.

دراسة منشورة

نشر الباحث إيرنست دييز دراسته، وهي بعنوان «Eine Schiitische Moscheeruine auf der Insel Bahrein». في كتاب: «the Jahrbuch der asiatischen Kunst II»، وذلك عام 1925. في صفحات: 101-105.

ترجمة ومضمون

مما ورد في هذا البحث: أن من أهمّ الملاحظات المعماريّة على المساجد البحرينية أنّ بها لواوين، تقوم على عدّة أعمدة، لها أقواس تصل بينها. وتكون متوافقة مع جدار القِبلة. وتمتدّ هذه اللواوين عرضاً بحوالي أربعة أمتار لتشكّل مظلّة تقي من أشعّة الشمس.

وتكون أسقفها من الأعمدة الخشبيّة. وهذا التصميم يكاد ينتشر في عموم مساجد شبه الجزيرة العربيّة التي تنتشر فيها الأفنية الخارجيّة المفتوحة. وأمّا المسجد الذي نحن بصدد دراسته هو مسجد قديم، متداعية أجزاء من جدرانه، وما تبقّى من أطلاله مساحته تزيد على 25 X 28 متراً مربّعاً.

وما زالت حيطانه الغربيّة قائمة بينما بقيّة أجزاء المسجد فهي أطلال تكاد تتوزّع على تلك المساحة. كما لا تزال بعض أعمدة فناء الصلاة قائمة على أصولها، وحجارتها من الحجارة المحلّيّة المتوافرة في المكان. كما توجد أطلال للأعمدة في الجهة الجنوبيّة من فناء الصلاة. ويبلغ ارتفاع كل حجر من أحجار الأعمدة 30 سم، وقُطرها 60 سم.

وترتبط الأعمدة بعوارض حجريّة. ويقوم جدار القِبلة على أعمدة تربط بينها عوارض تحفظ بقاءها، ويحتمل أنّها تعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي لتدعيم جدار القِبلة. ويضيف الباحث، بأنّه توجد في المسجد أعمدة خشبية من خشب التيك. كما يصف المحراب وعمارته.

وصف وتنويعات

وهو في وصفه هذا يعيد بناء المسجد الذي شاهده إلى عام 740 للهجرة، بما يوافق عام 1339 /‏‏‏ 1340 للميلاد.

ثمّ يصف الكتابات العربيّة الموجودة حول المحراب، ويذكر أنّها تعود للعام 740 للهجرة. ويورد عبارات وألفاظ هذه الكتابات منها: «بسم الله الرحمن الرحيم» و«الصلوات» و«أدام ملكهم الله ورسوله». وفي نقش آخر يرد نقرأ: لا إله إلا الله. محمد رسول الله.

ثمّ يعقد الكاتب مقارنات في العمارة والتصميم مع أبنية أخرى في سامرّاء، وآمد. وقد بذل الكاتب جهداً مُقَدَّراً في تحديد زمن الكتابات والتصميم المعماري لهذا المسجد. وأخذ في تحديد مصدر أخشاب التيك، وزمنها.

ويختم تقريره بأنّ هذا المسجد له أهمية كبيرة في العمارة الإسلاميّة الخليجيّة بصورة خاصّة، والعمارة الإسلاميّة في شبه الجزيرة العربية. إلا أنّ الكاتب لم يحدّد اسم هذا المسجد المهمّ. وكتب تقريره في خمس صفحات باللغة الألمانيّة.

ملاحظات

من الملاحظ أيضاً أنّ أغلب ممّن كتب حول المسجد، ومعالِمه، وتأريخه لم يذكر الترجمة الإنجليزية الواردة في الوثائق البريطانية، وأنّ الباحثين الذين رجعتُ إلى بحوثهم حول الموضوع لم يشيروا إلى هذه الترجمة، وإنّما اعتمدوا على النّصّ الألماني. واستفسار بلجريف عن المسجد يوحي بأنّه لا يعلم عنه شيئاً.

وهذا أمر غريب، وهو الذي خبر جزر البحرين، وضواحيها وقراها، مع أنّ المسجد المعروف حاليّاً باسم مسجد الخميس يقع إلى الجنوب الغربي من المنامة.

كما أنّ التقارير والمراسلات البريطانية ما كانت تفوّت شيئاً من المعالِم ومن السكّان، وكان المسؤولون يجمعون المعلومات قدر استطاعتهم. وكان هذا الباحث إيرنست دييز هو أول مَن وصف المسجد في فترة مبكرة من القرن العشرين.

 

 

Email