جذور

إمارات الساحل خلال الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد أشرنا في أكثر من حلقة إلى أهمية الوثائق البريطانية في تقديم بعض الرؤى حول أوضاع المنطقة المختلفة من شتى جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتضاريسية والثقافية، وغيرها إن وُجدت.

وفي هذه الحلقة، سوف نستعرض مع القارئ الكريم بعض الأحوال التي مرّت بإمارات الساحل بين عامَي 1914 و1918، وهي فترة عصيبة من كلّ النواحي، نتيجة للظروف العسكرية الهائلة التي كانت تحدث في عموم منطقة الشرق العربي.

وكتدارك للأوضاع المستقبلية بعد استشراف المسؤولين البريطانيين لِما سوف يحدث خلال بضعة أعوام مقبلة، بعث المقيم السياسي الشّهير بيرسي زكريا كوكس رسائل إلى حكّام إمارات الساحل في 20 يوليو 1911، أكد فيها قدرة بريطانيا العظمى على الحفاظ على استقرار الأوضاع في المنطقة.

وطلب منهم عدم إجراء أيّ مفاوضات في أيّ أمور تمسّ السيادة البريطانيّة حتى ولو تعلّق الأمر باتفاقيات تخصّ بيع اللؤلؤ أو الغوص من أجل استخراجه أو بيع الإسفنج دون استشارة المقيميّة في بوشهر. وعلى الرغم من اختصاص هذه الرسائل بمسألة محدّدة، إلا أنّها تفوح منها رائحة الصلف والاستعلاء والهيمنة على مقدّرات شعوب المنطقة.

توجيه وإعلام

في ملاحظة (أو ربما ما يشابه التوجيه) صادرة من المقيميّة السياسيّة البريطانيّة في بوشهر بخصوص اندلاع الحرب والعداوة بين بريطانيا والدولة العثمانيّة، موجّهة إلى حكّام إمارات الخليج العربيّة، ومواطنيهم.

يرد في هذا الإعلان بأنّ الدولة العثمانيّة قد أعلنت الحرب على تجّار الدولة البريطانيّة العظمى المسالمين، وتعاونت في ذلك مع ألمانيا وقوى أخرى، ثمّ يهيب التوجيه بعرب الخليج بعدم الانجرار خلف هذا الاعتداء السافر ضدّ الدولة البريطانيّة العظمى.

وفيه إشارة إلى أنّ الدولة البريطانيّة لا تتدخّل أبداً في المسائل الدّينيّة الخاصّة بمسلمي الخليج، ولم يبدر منها تجاههم أيّ اعتداء أو مضايقة. ودعا حكّام إمارات الخليج العربيّة بالوقوف مع بريطانيا في هذه الظروف الصعبة. وطالبهم بالمحافظة على الهدوء. وقد تلقت المقيميّة السياسيّة البريطانيّة في بوشهر رسائل التأييد للدولة البريطانيّة.

بوادر وأحوال

وفي هذه الحلقة نستعرض بعض ما ذكره المسؤولون البريطانيون حول أوضاع منطقة إمارات الساحل خلال الحرب العالميّة الأولى، منها أنّه في بدايات شهر يناير 1914 ظهرتْ في إمارات الساحل بوادر الإصابة بمرض الطاعون، واستمرّ يفتك بعدد من الأهالي لفترة من هذا العام.

وكانت الإصابات به في هذا الساحل أكثر من أيّ مكان في منطقة الخليج. وهلك جرّاء ذلك الوباء خلق من النّاس، وكان منهم الشيخ صقر بن خالد القاسمي، حاكم الشارقة الذي توفّي في 18 أبريل 1914. ولكن مع نهايات عام 1914 وبدايات عام 1915 بدأت تأثيرات الطاعون تنجلي، كما واصلت السفن البخاريّة إبحارها صوب الخليج. ولكن عودة الساحل إلى سابق عهده يتطلّب وقتاً أطول.

الغوص على اللؤلؤ

بالإضافة إلى ذلك فقد تأثّر موسم غوص هذا العام، وضعف المحصول، وضعفت تجارة اللؤلؤ، وربما يعود هذا إلى تأثيرات الحرب الكبرى التي امتدّ أوارها إلى عموم المشرق العربي. وممّا زاد الطّين بلّة هبوب عاصفة شديدة على المنطقة أغرقت حوالي 50 قارباً من سفن الغوص، وغرق على أثرها حوالي 100 من الغوّاصين. وتعدّ هذه من الكوارث العظيمة التي أصابت المنطقة في تلك الفترة العصيبة.

وفي عام 1915 لم تنكشف الغمّة عن منطقة الساحل، وظلّ موسم الغوص في حالة ضعيفة، كما لم تنتظم الرحلات الملاحيّة للبواخر من الهند إلى الساحل. وقد تأثّر ميناء دبي بمثل هذه الانقطاعات في السفن الملاحيّة البخاريّة.

ونتيجة لضعف موسم الغوص طلب شيوخ الساحل من نواخذة سفن الغوص دفع 40 روبية لكلّ غواص، بالإضافة إلى كيس من الأرز، وفي المقابل يدفعون 25 روبية لكل سِيب، وكيساً من الأرز. وبسبب هذه الأزمة قلّ النّقد. وصادف موسم هذا العام دخول شهر رمضان ممّا عطّل خروج السفن إلى الموسم.

ونتيجة لتدنّي مدخولات الغوص، والتي لا تكاد تغطّي 10 % من تكاليف الخروج إلى الغوص. وحتى إن طواويش اللؤلؤ لم يتمكّنوا من التربّح من موسم هذا العام. وقد تطوّر وضع الغوص على اللؤلؤ في عام 1916، وربما تجاوز مستواه المتوسّط بقليل.

وبُعيد موسم هذا العام قام تاجر اللؤلؤ البحريني الشّهير علي بن إبراهيم الزيّاني بزيارة إلى دبي والشارقة، وبعض مدن الساحل في محاولة منه لجمع ما تمكّن من الحصول عليه من اللآلئ في مدن الساحل، واتفق في ذلك مع تجّار دبي وبقية مدن الساحل.

وكان الزياني قد اتّفق مع تاجر اللؤلؤ الفرنسي روزنثال فرير (Rozenthal Freres)، وكان هذا الأخير قرّر أن يبعث مندوباً له لزيارة دبي والالتقاء بالطواويش والتجّار والتفاهم معهم على شراء ما لديهم من لؤلؤ. وقد أقرّ التجّار والطوّاشون هذا الاتفاق؛ لأنّهم على الأقلّ سيتمكّنون من بيع ما لديهم من لآلئ.

بالإضافة إلى أنّ روزنثال سيكفيهم مؤونة التواصل مع الوكيل التجاري في بومبي. كما أنّهم لن يدفعوا عمولة إضافيّة وفق هذا الاتفاق. وبقيت إشكاليّات البريد بعد تقطّع وصول البواخر الكبرى للوصول إلى ميناء دبي، وفي هذه الحالة بدأت السفن الشراعيّة تتردّد بين الهند ودبي، سواء لنقل البريد أو النّقل التجاري.

كما دخلت جزيرة هنجام في مسألة النقّل البريدي منها وإلى دبي. ولكن موسم غوص عام 1917 لم يكن بأحسن حالاً من سابقه، ولم تغادر العديد من سفن الغوص المرافئ المعتادة.

وبسبب هذه الظروف لم تتحسّن ظروف استخراج وبيع اللؤلؤ. بالإضافة إلى ضعف تجارة اللؤلؤ في الهند نفسها. ودخل الغوّاصون وبقيّة البحّارة في ديون لنواخذة الغوص.

وتواصل الوضع أيضاً في عام 1918 إذ لم يكن موسم غوص هذا العام ناجحاً بحدّ كبير، وتأثّر وضع المتاجرة في اللؤلؤ بسبب الحظر المفروض على استيراد العملة الهنديّة والتداول بها في المنطقة عموماً، بالإضافة إلى تواضع تصدير اللؤلؤ إلى الهند.

تأثر الرحلات البحريّة

كما أنّه من تأثيرات تلك الحرب ضعف تسيير الرحلات التجاريّة البحريّة، وعدم انتظامها في الوصل إلى مرافئ الخليج، حتى إنّ ميناء دبي، وهو الميناء النّشط في إمارات الخليج لم يتحصّل خلال هذه الفترة على أيّ نشاط ملاحي كبير. وخاصّة أنّ المنطقة تعتمد كثيراً على بواخر الشركة البريطانيّة الهنديّة على جلب المؤن والحبوب، وكادت المجاعة تهدّد المنطقة.

تهريب الأسلحة

كما حدث في عام 1915 عدد من محاولات تهريب الأسلحة في منطقة الخليج. ويبدو أنّ حدوث التهريب كان نتيجة حتميّة لتغلغل الحرب العظمى، وزيادة أوارها.

 

 

Email