البيوت القديمة أصالة وجماليات وملامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل التراث العمراني جزءاً مهماً من الهوية الثقافية لأي دولة، ولطالما كانت البيوت القديمة أحد أبرز معالم التراث المادي.

فهي تثري الذاكرة البصرية وتجذب السياح، وتبقي شعلة الحنين إلى الماضي الأصيل متقدة في صدور الناس. الحياة في البيئة الصحراوية لم تكن سهلة يوماً، وحين نقف أمام فن العمارة التراثية في دولة الإمارات قديماً، ونرى تلك الصحاري الممتدة، فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: ما المواد التي كانت تحت تصرف الأجيال السابقة لتبني بيوتها؟

بيوت تسرد لنا حكاياتها وتأخذنا من غرفة إلى غرفة في رحلة ما وراء كل حجر من حرف أتقنها الرجال، أو نمط معيشي برعت النساء في وضع أساساته.

قيمة وألق

حين نتحدث عن البيوت القديمة، لا بد أن نذكر بيت الشيخ سعيد آل مكتوم في منطقة الشندغة في دبي، وهو الذي يحتل مكانة مهمة في ذاكرة الأجيال، وقد بقي شاهداً على جمال المعمار التراثي ومتحفاً حياً يحتضن الكثير من تاريخ العمارة المحلية والأدوات المستخدمة في البيت الإماراتي في الفترة التي سبقت دخول الكهرباء والتكنولوجيا الحديثة إلى المنازل.

يحدثنا الباحث ومستشار التراث والتاريخ المحلي علي محمد المطروشي عن أنماط البيوت القديمة قائلاً: كانت البيوت في الماضي تبنى على نمطين معماريين، البيوت المبنية بالحجر المرجاني.

فنحن ليس لدينا طين لبِن وليس لدينا حجارة جبلية، لذلك كنا نبني بحجارة البحر المرجانية، ولدينا مختصون يغوصون في البحر للحصول على هذه الحجارة واستخراجها وبيعها بعد أن يتم تكسيرها.

كما يوجد بناءون متخصصون يبنون هذا النوع من البيوت.

وهذا النوع من البيوت يمتلكه الناس المقتدرين من الشيوخ والأعيان والميسورين مادياً. وتستخدم الأحجار المرجانية مع الجص في العمارة قديماً لأنه لم يمكن هناك اسمنت، والجص يتم استخراجه من مناطق معينة في الدولة.

والبيوت الحجرية التي يمتلكها الشيوخ والوجهاء هي أيضاً نوعان، نوع مؤلف من طبقتين وهو غالباً يمتلكه الشيوخ والتجار الكبار. ونوع مؤلف من طبقة واحدة للميسورين عامة.

بيوت النخيل

ويضيف المطروشي: أما النمط الثاني من البيوت فهو مبني من جريد النخل وقد اتسمت به كلتا الطبقتين المتوسطة والفقيرة.

لذلك فإن أغلبية بيوت الناس قديماً كانت من السعف، فالنخلة هي الشجرة رقم واحد في الجزيرة العربية، ومنجم المواد الأولية بالنسبة لنا. الحوش قديماً كان يسمى «الحوي» وباب الحوي هو باب البيت. وبيوت الجريد يطلق عليها اسم خيمة - ليست خيمة البدوي المنسوجة من الشعرــ بل هي عبارة عن كوخ شتوي يسمى الخيمة ويكون سقف الخيمة مخروطياً بهدف حمايتها من المطر.

أما أثاث الخيمة فهو بسيط ومصنوع من خوص النخيل أيضاً. الناس في الماضي نظراً لعدم وجود كهرباء كانوا في فترة الصيف الحار غالباً لا يسكنون في البيوت الحجرية ولا حتى داخل الخيمة.

كثير من الناس يذهبون إلى أماكن (المقيظ) أو المصائف خارج المدن، ويلجأون إلى مزارع النخيل نظراً لوجود آبار الماء بقربها وهناك يشيدون «العريش» ويسكنون فترة الصيف.

ومن أنماط البيوت التي تبنى في فترة الصيف، كان لدينا العريش وهو مختلف عن الخيمة، فهو مخصص للصيف الحار ويبنى من الجريد أيضاً لكنه مخلخل، وحين ينسج الجريد يترك فارق بين الجريدة والأخرى بمقدار نصف سنتيمتر للمساهمة بدخول النسيم وخروجه.

مكيفات أول!

الحاجة إلى التكييف كان يغني عنها البراجيل، الرطوبة موجودة والحر موجود، لكن البراجيل كان أهم اختراع للتبريد حينها.

أما الماء البارد فلم يكن متوفراً طبعاً، لكن كانوا يجلبون الماء من الآبار العذبة، فالآبار الموجودة في البيوت مياهها تميل إلى الملوحة لقربها من البحر. والبئر الموجودة في البيت اسمها خريجة (جمعها خرايج) وتستعمل مياهها للغسيل والاستحمام والطبخ لكن لا تصلح للشرب واحيانا تسقى منها البهائم في البيوت.

مهمة جلب مياه الشرب كانت موكلة للنساء، يذهبن في مجموعات عدة مرات في الأسبوع ويجلبن المياه ويملأن منها الخرس الفخاري (جمعها خروس) والخرس يجلب من رأس الخيمة وهو مصنوع من الطين الأحمر ويستخدم لحفظ الماء.

الديكور الداخلي

بالنسبة للتصميم الداخلي، بيوت الناس المقتدرين مادياً مفروشة بالسجاد العجمي، بالإضافة إلى الحصير تحتها كما توجد (المَدّة) وهي عبارة عن نسيج ينسجه متخصصون في البحرين من نبات الأسل ويختلف عن الحصير المصنوع من الخوص.

يوضع السرير غالباً في طرف الحجرة وعليه الفراش ومن فوقه عارضة يسمونها (الهلال) وله ستارة تسمى (الشلّه). ولديهم أحياناً دولاب من الهند يسمى (الكبت) أو صناديق كبيرة للتخزين يطلق على الواحد منها (المندوس).

وكانت العائلات الغنية تتعامل مع الساقي الذي يحضر المياه بواسطة تنكات على جانبي حماره، أو يعتمدون على الخدم لجلب المياه. أما الحطب فأحياناً يأتي البدوي وعلى ظهر جمله حمولة من الحطب، ويبيعها في السوق. وكان للنساء دور بارز في تنظيم الحياة داخل العائلات الفقيرة نظراً لعمل الرجال غالباً في مهنة الغوص أو الصيد البحري.

كانت الأدوات المنزلية بمعظمها مصنوعة من الخزف، وقد اشتهرت بصناعتها إمارة رأس الخيمة، وتحديداً في وادي حجيل ويسمى أيضاً حقيل، تتوفر فيه الطينة الحمراء الصالحة للأواني الفخارية بدءاً من الخوابي الكبيرة التي تستخدم لتخزين الحبوب والمياه والتمور والسمك المملح.

Email