جـذور

سجلات الوثائق.. ذاكرة الماضي وقصص ومراسلات

ت + ت - الحجم الطبيعي

من مميّزات سجلّات الوثائق أنّها تحفظ كثيراً من المراسلات والتواقيع والأختام التي يستشفّ منها الباحث الكثير من المعاني والإشارات الدّالّة على أساليب الكتابة، وصياغات العبارات، وتدبيج المقدّمات، بالإضافة إلى ما تحتويه من معلومات شخصيّة، وأخبار، وأسماء، ومواضع، ومصطلحات لا تخصّ فقط الجانب السياسي بل تشمل جوانب اجتماعيّة، وعاطفيّة، واقتصاديّة، وأدبيّة، وجغرافيّة، تكشف لنا ما كانت تعيشه الإمارات من أوضاع متباينة، وأحوال مختلفة.

إن مثل هذه المعلومات لا يمكن أن يتحصّل عليها الباحث من دون قراءة عدد من سجلّات الوثائق المطبوعة. ومن خلال تتبّعي ما دُوّن من مراسلات باللغة العربية بالإضافة إلى بعض التقارير باللغة العربية أيضاً جرت قديماً بين شيوخ الإمارات بعضهم بعضاً، وبينهم وبين أتباعهم من الولاة والمواطنين. وفي هذه الحلقة أستعرض مع القارئ الكريم ما تحصّل لديّ من معلومات استخلصتُها من ثلاثة مصادر فقط:

الأول: Records of the Emirates, Primary Documents: 1820-1960 المجلّد الخامس المشتمل على السنوات من 1895 إلى 1909.

الثاني: Records of the Emirates, Primary Documents: 1820-1960 المجلّد السادس المشتمل على السنوات من 1909 إلى 1921.

الثالث: كتاب رسائل من عصر زايد بن خليفة (1836 – 1909)، من إعداد وتحقيق: سعيد بن محمد بن كراز المهيري. مع أنّ الكتاب يشتمل على مراسلات تلي عام 1909 بل تصل إلى عام 1951.

وفي هذا المقال سنركّز على ما استخلصناه من تلك المراسلات والتقارير من دون ذِكر أسماء الحكّام إلا في حالة الحديث عن التواقيع والأختام. كما أنّنا لن نصرّح بأسماء الأشخاص الآخرين.

الأختام والتواقيع

في معاهدة الحدّ من رواج الأسلحة، ترد العبارة التالية: «نحنا أسامينا أدناه قد تعهدنا كاملاً بأن أمنع كلية دخول الأسلحة للبيع في المماليكنا». وفي نهاية المعاهدة ترد الأختام والتواقيع التالية: صحيح صقر بن خالد بيده: ونقش خاتمه: تعرّف إلى الله حتى تكون خالداً و صحيح راشد بن أحمد بيده، وفي ختمه مدوّن: «راشد بن أحمد الواثق بالصمد»، و صحيح الغني بالله والفقير إلى الله...... زايد بن خليفة الواثق بالله عبدالله ابن حميد، وسلطان بن صقر بن راشد، وفي خاتمه مدوّن: الواثق بالله عبده.....

الواثق بالله: عبده سعيد بن طحنون، الواثق بالله: عبده حسن بن رحمة، الواثق بالصمد: عبده قضيب بن أحمد.

ديباجات الرسائل

وهي عامّة وتكاد تكون متكرّرة وثابتة يشيع فيها، قولهم الكتاب إلى المرسل إليه: «سلّمه الله، بعد السلام، والسؤال عن حالكم ثمّ المعروض بخدمتكم» ثم يتبعها أحياناً عبارة تفيد المطلوب، مثل: «إن جنابكم ترون صلاح، تكتبون لهم خطّ التعزية والتسلية، والنظر عند جنابكم».

أسماء المواضع

وقد تكرّرت في تلك المراسلات محلّ النظر، أسماء: الزورا، وبرّ الزورا، والفلي وهي فلج المعلّا، وعيمان، وتكتب أيضاً: عجمان، والبثنة، وبلد دبا، وبر العرب، وراعي الشارقة، وحاكم الشارجة، وحاكم بوظبي، وراعي الفجيرة، وراعي عبري، وأهل الساحل، ومشايخ الساحل، وأهل الشارجة، وأهل دبي، وأهل رأس الخيمة، وأهل عيمان، وبر عُمان، الحجرة وهي الحيرة، والحمريّة، وجزيرة زعاب، وشعم، والرمس، وأهل الجبال، وغليلة، وبندر الشارجة، والبريمي، واصعرة، ومشايخ بلدان الساحل المتصالح، وبيت الوكالة، ومتولّي حكومة بلد رأس الخيمة، والجرف، وبلد دبي، وأهل الظاهرة، والباطنة، وأهل مصفوت، والخوانيق (الخوانيج)، والمويقعي (المويجعي)، ووادي أسود، ووادي العميري، وهيلي، ومحضة، ومسكت (مسقط)، مطرح، والعين، وشناص، وصحار، وجميرا، والوكرة، ودلما.

النّطق المحلّي

ويلاحظ على هذه الأسماء ما يلي: التعبير عن السلطة والحكم والإدارة وتولّي المسؤوليّة في مكانٍ ما، إمّا بلقب حاكم أو لقب راعٍ، إثبات الاسم بالنّطق المحلّي، ورسمه كما هو منطوق، مثل: الزورا، وهي الزوراء في إمارة عجمان، وأحياناً يرمز لها بكونها برّ الزوراء. وكذلك الحال مع أسماء: بوظبي، والشارجة، وعيمان، والفلي، واصعرة، واسحار، و الإشارة إلى المرفأ بلقب بندر، والإشارة إلى منطقة الإمارات بأكثر من مسمّى جغرافي، وهي أسماء كانت شائعة الاستعمال آنذاك. إثبات تبعيّة المواطنين إلى إماراتهم بــ«أهل» بمعنى مواطني تلك الإمارة. وأحياناً يكون الاسم شاملاً مثل قولهم: «أهل الساحل»، و«أهل الشمال»، و«أهل الظاهرة».

ألفاظ تشير إلى الحمل والمنقولات

ويرد في هذا الإطار كلمات: البقّارة، والجالبوت، والماشوّة، وهذه الثلاث من السفن والقوارب. والبهطة: وهي: الحمولة أو النقلة أو النِّدبة، والمصاريف، والبحاحير الزابنين، والحفافير أي الحفّارون، والبيادير.

المأكولات

ويرد فيها: جونية عيش وشعير، وعشرون مكيال بر، ودهن، وخنيزي، وفرض، وخلاص، وحلوى، وحب ذرة، وحبّ.

التاريخ:

وهنا بالتحديد استعمال مسمّى: عيسوي للدّلالة على التاريخ الميلادي.

عبارات تدلّ على سوء الأحوال

ومن أكثرها شيوعاً: الاغتشاش أو الاغتشاشات، وإزالة الشبهات، وغاية الكدر، والنيّة الخبيثة، والضير، والبؤس، والمضرّة، والتوبيخ، والعداوة، والبطش.

الإخبار عن تولّي السلطة

وهي كثيرة ومتكرّرة، مثل قولهم: انتصبنا على مسند حكومة بلد أم القيوين، وأخذنا بالعهدة، وصرت في محلّة الوالد شيخاً على بلد عيمان، وانتصب الشيخ طحنون حاكماً على بلد بوظبي، وتقلّدكم حكومة بلد أبوظبي في مقام والدكم المبرور الشيخ زايد بن خليفة.

عبارات الحِكمة

مثل قولهم: «فكما هو في شريف علمكم من شيمة العرب في حماية الدخيل والمستغيث». و«فإذا كان أهل الساحل جميعهم يحبّون الفساد والعداوة وسفك الدماء والمعايلات، وأكل أموال الناس بالباطل فمِن أين يحصل الإنصاف؟» و«الشخص العاقل لا يزال يعطي النّصائح الحسنة لأقرانه». و«الأمور إذا طالتْ عواقبها لا تصلح للوقت الحاضر» و«إنّ الأقاويل كثيرة، والجاهل يستسهل كلّ صعب إن أَمِن العقوبة»، و«العاقل طبيب نفسه، والحقيقة بلسان عمار»، و«الحال والمال واحد على السابق، ولا تكدّر بيننا أوساخ الدنيا، لأنّها صايرة إلى الفناء، وعمرها قصير».

تبيان فيض المحبّة والأُلفة والصداقة والمودّة

مثل استعمال: ألفاظ: الولد، والوالد، والأخ، والصديق، ومثل: قولهم: الوفيّ الصفيّ الأخ العزيز الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن.... وأمّا من جهة الأخ الشيخ راشد بن أحمد فهو أخ عزيز وصديق مخلّف. بالإضافة إلى أنّ أغلب الرسائل تحتوي على نقل سلامات الإخوة الحاضرين عند كتابة الرسائل.

الإشارات الدّالّة على شيوع السلطة والتبعيّة

وأشهرها استعمال كلمات: بلدان وأحرام وأحواز وملحقات، وأوطان، ودولة.

العملات

وأشهرها: القرش، والريال، والدرهم، والروبية، وروبيات خوص، والتومان.

الإشارات الدّالّة على المكاتبات:

وأشهرها: بروة، وخطوط أو خط، وكتاب، جوابات.

العمارة والبناء

وردت مفردات في باب العمارة والبناء، العرشان، والمطبخ، والسبلة، والدعون، والنخل وهي هنا تعني بساتين النّخيل، والمقيظ، والحصن، والدّكّان. وفي الحلي والملابس جاءت كلمة المرتعشة، وهي من أنواع القلائد الشهيرة، والدشداشة، والوزار. أما عن الأسلحة وتوابعها فقد ورد في المراسلات إشارات إلى أنواع من الأسلحة، وهي: الخناجر، والتفقان وهي البنادق، والمدافع بالإضافة إلى الباروت أي البارود.


صفحة متخصصة بالتراث والبحث في مفردات المكان تصدر كل خميس

Email