الطوايا مصادر تراثية تروي الظمأ وتفيض بالحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هي البئر والطوي والعِد والبِدْع والبديع والجليب والبحث والبدي، فإن كانت قريبة من سط ح الأرض فهي «اليفره» وإن كان ماؤها مالحاً فهي «الخريجة»، أما إذا كانت قديمة مجهولة فهي «اجهلي»، ومهما تعددت المسميات فإن «البير» تبقى واحدة من مفردات التراث العريقة، التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بحياة أهل الإمارات في الماضي القريب.

حيث كانت مصدر شرابهم ومورد حلالهم ومستراح قوافلهم وبوصلة رحلاتهم، تروي ظمأ المقيم ويتزوّد من مائها المسافر، كما تلتقي في رحابها الوفود، ويجتمع في مواسمها المحبّون، وتذوب مهج الشعراء وجداً على أطلالها.

حفر الطوي

يحفل تراث الإمارات بالعديد من الأسماء المشهورة في حفر الطِّويات، ولعل أشهرها على الإطلاق سامان المطرق، وقد كان الرجال الأوائل ذوي خبرة بطبيعة الأرض والمواقع الأنسب لحفر الآبار.

حيث يعتمدون على خبرتهم الفطرية لالتقاط المعالم الظاهرة على السطح وكثافة الوجود النباتي لاختيار المكان المناسب، وكثيراً ما يختارون الأماكن القريبة من مجاري السيول لعلمهم أن مجرى الماء على السطح يقابله مجرى ماء في باطن الأرض حيث تختزن المياه الجوفية، ومن هؤلاء يذكر لنا الشاعر والراوي سالم بن معدن:

«محمد المحيان وابنه عبدالله وسالم المويه من أهالي العين المشهورين بمقدرتهم على تعيين أفضل المواقع لحفر الطوايا، ويبدأ حفر البئر بتحديد قطرها الذي لا يتجاوز غالباً الثلاثة أمتار، ومن ثم حفرها بالمعول وإزاحة التربة يدوياً باستخدام المجارف لحين بلوغ عمق يقارب المترين، حيث تبدأ عملية «طوي البئر» باستخدام الحجارة أو بعض أنواع الخشب الصلبة مثل السمر، وذلك تبعاً للموارد المتوفرة في المنطقة المحيطة».

وتهدف عملية «الطوي» إلى تثبيت التربة على جانب البئر «اليال» لحماية الشخص الذي يحفر من انهيار التربة عليه، كما تسهم في صمود الطوي أمام عوامل التعرية وتساقط الأمطار، وقد أثبتت هذه الوسيلة فعاليتها، حيث صمدت بعض الطوايا القديمة لمئات السنين، وبعد إنجاز هذه المرحلة يتم إنزال الشخص الذي يقوم بالحفر أو بناء الطوي بواسطة حبل معلق من تحت إبطيه، ليستمر في الحفر حتى بلوغ الماء، حيث يصل عمق بعض الآبار 30 قامة، أي ما يزيد قليلاً على الخمسين متراً.

التسمية

تختلف تسمية الطوي باختلاف عوامل عديدة، فتارة تسمى باسم الشخص الذي قام بحفرها مثل طوي «السامان» وطوي «صفصوف» وبدع «المغني» وغيرها، وتارة تنسب إلى الشخص الذي أمر بحفرها كما ورد في «موسوعة الإمارات التراثية» للباحث جمعة خليفة بن ثالث، حين ذكر العديد من البدوع المنسوبة إلى أسماء أشخاص أو عائلات مشهورة في إمارة دبي، مثل «بـدع بالهلّي:

يحمل اســـم عائلة بالهلّي، وقام بحفره الســـيد محمد بن لاحج بالهلي، ويقع شـــمال منطقة مرغم بإمارة دبي». ومن البدوع المعروفة أيضاً، بدع زايد: الذي يحمل اسم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وبدع خليفة، ويحمل اسم الشيخ خليفة بن زايد، الابن الأكبر للمغفور له الشيخ زايد بن خليفة الأول.

وكذلك طوي عبدالله بن سيف وبدع عفرا وبدع ميثا. وقد يطلق على البئر اسم المكان الذي تقع فيه مثل طوي المرموم وتاهل والحمرانية، أو تنسب لإحدى القبائل مثل طوي الظواهر وطوي القبيسات، وربما أخذت البئر اسمها من أحد المعالم أو مكونات البيئة، كما في طوي العشوش، وبواليعلان، وبوسدرة، وبوالحصا، وقد تنبع التسمية من البئر ذاتها، حيث نجد أسماء مثل طوي «العذيب» وطوي «مويلح» وطوي «المرّة» تبعاً لجودة ماء الطوي وعذوبة طعمه أو درجة ملوحته.

أشهر الطوايا

اشتهرت العديد من الطوايا في مختلف إمارات الدولة، حيث كانت منتشرة على طريق القوافل سواء الطرق التجارية منها أو مسارات رحلات المقيظ الموسمية بين مناطق الإمارات.

ومن أشهرها طوي الرفيعة التي يرد ذكرها في «موسوعة التراث»، وتقع في منطقة الرفيعة التابعة لإمارة الشارقة، وهي طوي مشهورة، تم عمل صيانة لها وترميمها، وتعتبر من الموارد المهمة في الماضي، وكانت تقيم حول هذه الطوي بعض القبائل التي عرفت بارتباطها بطوي الرفيعة إلى اليوم.

وكذلك طوي الـسـامان التي تقع شمال غرب مدينة الذيد، على طريق الشارقة الذيد، وهي غير مستعملة في الوقت الحالي، وطوي النخرة وطوي السويدا التي تقع قرب منطقة الشونة جنوب إمارة دبي، وغيرها العديد من الطوايا المعروفة على الطريق الممتدة بين إمارة دبي ومنطقة العين مثل مرغم، والفقع والهير والخضر والجبيب والخب وناهل وغمض، كما توجد في جهة الشرق طوايا الفقع والمرخان والشبيصي وبدع العجم.

وفي ما يتعلق بالقوافل التي كانت تمر بمدينة الذيد قديماً، يشير الباحث الدكتور خليفة بن دلموك إلى قوافل الحضار التي كانت تتزود بالماء من طوي سهيلة وطوي حويرة خلف المنامة قرب ثوبان، وصولاً إلى طوي بن غرير القديمة في منطقة فلج المعلا.

وكذلك طوي سيف وطوي زبيدة وطوي النبيبيغ وطوي راشد الشرقية والغربية. كما يعد طوي المرقبات من أهم الطوايا المعروفة في المنطقة ويقع في وادي زبيدة شمال الذيد، بالإضافة إلى طوي طش الروايح وطوي بوقراعة وطوي حارب وطوي موزة وطوي عبد العزيز.

ومن الطوايا المشهورة في منطقة فلج المعلا طوي بياتة وطوي السمحة وحريملة وجوبعة والأقرن والسرة ومهذب وطوي حارب وطوي غرا ناحية أم القيوين.

كما تشتهر المنطقة الغربية بكثرة الطويات المعروفة مثل طوي السلع وطوي أم الأشطان والبدوع وغياثي والياهلي والحليو وأشلاح ومخيرز والصويتية والشليف وبدع مسماه والبرير والطوي ولبابة وبدع سيف والبديعة والهيمة وحوايا ولمغيلة، أما طوايا شرق ليوا فأشهرها القناعي وسحاب والذروي وخور بن عطي والمرير.

Email