أكواب الدفء في شتاء الإمارات.. «الحبة الحمراء» وحليب الإبل بمخلوط الجوز

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقة بين الطعام وثقافة الشعوب وطيدة ومتجذرة أكثر مما نعتقد، فعلى المستوى الفردي، نشأ كل منا على تذوق أطعمة ومشروبات تمثل ثقافة بلاده المتنوعة، ثم بيئته الداخلية أي منزله. لذلك كلما كبرنا وهزّنا الحنين، تستبد بنا اللهفة إلى كوب مشروب ساخن من أيدي أمهاتنا أو طبق حساء يحمل نفَس جدّاتنا، وكثر منا يربطون أطعمة طفولتهم بالمشاعر الدافئة والذكريات الطيبة التي تعيدهم بالذاكرة إلى عائلاتهم مهما كبروا.

هوية

ولأن الأطعمة جزء مهم من ثقافات الشعوب، وشريك في إنشاء الهويات الاجتماعية وتفردها في كل مجتمع عن الآخر فإن الحفاظ على الهويات الغذائية التراثية للشعوب يعد واحداً من أهم الممارسات الثقافية التي تؤدي إلى تعميق الإحساس بالهوية والتواصل بين الأجيال. وتتطور هذه الثقافة باستمرار عندما تتلامس الممارسات الغذائية المختلفة مع بعضها البعض، وتتداخل المجتمعات والهويات فيما بينها، لكن يبقى لكل شعب سمته الخاصة، وعبقه ودفئه اللذان يميزانه.. وهل هناك أفضل من فصل الشتاء لاستدراج الحنين إلى دفء الأجداد وموائد الجدات؟ فما إن يحل الشتاء وتهب نسماته الباردة، حتى يزدهر سوق المشروبات الساخنة التي تمنح الجسم طاقة الدفء وتحفز مناعته تجاه نزلات البرد والزكام وما يسمى بأمراض الشتاء.

نكهة الماضي

تعددت المشروبات الشتوية التي عرفها أهل الإمارات، بتعدد البيئات وتنوعت باختلاف الموارد، حيث كانت ربات البيوت يقمن بإعدادها في المنازل قبل ظهور «المقاهي» وانتشارها، وقبل أن تصبح الشوكولاته الساخنة منتجاً شتوياً محبباً لشباب اليوم، وحتى قبل أن يكون «الكرك» أيقونة المشروبات الدافئة.

بالعودة إلى ما قبل السبعينيات كان الإماراتيون ينكّهون سهراتهم الشتوية بمشروبات أكثر عبقاً بتوابل البلاد، وبجهد حقيقي تبذله أيدي الجدات قبل أن تعرف ماكينات المشروبات الساخنة طريقها إلينا.

بذل وعطاء

من المشروبات الساخنة التي ألفها المجتمع الإماراتي في ليالي البرد قديماً، حليب الإبل أو حليب البقر يضاف إليه مخلوط الجوز وسكر النبات والزنجبيل والزعفران إن وجد.

لكن يبقى ملك المشروبات التراثية كوب «الحبة الحمراء» أو ما يعرفه البعض باسم «الحريروه» أو «الرشادة»، ونظراً إلى فطرة الأمهات القائمة على البذل والعطاء، وطبيعة انجذاب جميع أفراد الأسرة إلى كل منتج مصدره «الوالدة»، انتقل هذا المشروب من مكانته الأولى كمشروب مخصص للسيدات في فترة النفاس، إلى مشروب محبب لكل أفراد العائلة في مواسم الشتاء، لما فيه من فيتامينات ومعادن وتوابل اشتهر بها المطبخ الإماراتي مثل الهيل والقرفة والفلفل الأسود والكركم، وغيرها من المكونات التي تساعد على تدفئة الجسد.

حضور

يوماً بعد يوم، بدأت مشروبات كثيرة تفرض حضورها حول مواقد الحطب في الشتاء لدى العائلات الإماراتية، مثل «حليب الزنجبيل» أو «الحليب بالزعتر» و«الحلبة» و«شاي الكرك» الذي يعد أحد المشروبات التي فرضت نفسها على الذائقة المحلية، ونجح في تشكيل قاعدة جماهيرية بين ذواقة المشروبات الشتوية في كثير من دول الخليج، بدءاً من جيل السبعينيات فما بعد، حتى إن هناك من يرى أن «شاي الكرك» قد نجح في إزاحة غيره من المشروبات الشتوية التراثية، التي تناقص محبوها، وقلّ العارفون بطرق إعدادها بين الأجيال المعاصرة.

طقوس

ومن الطرق المفضلة لدى عشاق «الكرك»، خصوصاً في فصل الشتاء، إعداده على الجمر، يؤكد ذلك حمد المحرمي: لا توجد نكهة تضاهي نكهة «الكرك» الذي يتم إعداده على نار الحطب.

وعن الطقوس الشتوية لشرب «الكرك» يقول أحمد الشحي: «دلة الكرك ما تنزل من موتري». يصحب أحمد دلته في طلعات البر وعند لقائه أصدقاءه في الأمسيات الشتوية.

مع ذلك يبقى السؤال الذي لا بد من طرحه: هل يعدّ «شاي الكرك» مشروباً تراثياً؟ مثله في ذلك مثل «حليب الزنجبيل» أو «الحبّة الحمرا» على سبيل المثال؟ أم أنه رغم جماهيريته، لا يزال مشروباً طارئاً، جاء نتيجة ظروف مؤقتة، وربما يزول بزوالها؟ قد يحتاج البت في هذه المسألة إلى نقاش مطوّل في جلسة شتوية تدور فيها أكواب «شاي الكرك» لتشعل الدفء وتشيع ألفة الحوار بين الحاضرين!

 

 

Email