شباب الإمارات والسينما المستقلة.. شغف وطموحات

تؤكد تجارب المخرجين الشباب في الإمارات أن السينما المستقلة ليست خياراً بديلاً، بل مساراً أصيلاً للحرية والإبداع. فالمحدودية في الدعم والإمكانات لا تثنيهم، بل تدفعهم إلى البحث عن حلول مبتكرة تمنح أفلامهم طابعاً خاصاً ورؤية فنية متفردة.

إنها مساحة للتجريب ورواية القصص الإنسانية القريبة من المجتمع، بعيداً عن حسابات شباك التذاكر وضغط السوق التجاري. ومع ذلك، تبقى الحاجة ملحّة إلى بيئة متكاملة تتيح التدريب المتخصص، وتوفر صناديق تمويل صغيرة، وتفتح منصات عرض محلية ودولية أمام هذه الأعمال.

ولكي نقترب أكثر من هذا العالم، توجهت «البيان» إلى المخرجين الشباب بأسئلة تكشف جوهر التجربة: ما الذي يدفعهم لخوض غمار السينما المستقلة بكل ما تحمله من تحديات؟ وهل هو مجرد شغف عابر أم إيمان عميق بحرية التعبير وسرد القصص الإنسانية؟ ثم تساءلنا: ما الذي يحتاجه هؤلاء السينمائيون ليواصلوا رحلتهم، وليجدوا ما يأملونه من دعم، والذي يحوّل أحلامهم إلى واقع على الشاشة الكبيرة؟ من خلال هذه الأسئلة، يفتح الاستطلاع نافذة على أحلام وطموحات المبدعين الشباب، ويكشف كيف يصنعون من التحديات فرصة، ومن قلة الإمكانات فضاء أوسع للابتكار والتجريب، في محاولة لرسم ملامح سينما إماراتية مستقلة تحمل بصمتهم الخاصة، وهنا نستعرض ما قاله كل من المخرج السينمائي سلطان بن دافون والمخرج السينمائي حمد بن صغران، حول دوافعهما ورؤيتهما لمستقبل السينما المستقلة في الإمارات.

حرية التعبير

يؤكد المخرج السينمائي سلطان بن دافون أن اختياره للسينما المستقلة نابع من الفضاءات التعبيرية التي تمنحها له، فهي مساحة يستطيع من خلالها أن يروي قصصاً إنسانية وثقافية بعيداً عن حسابات السوق التجاري. كما أن السينما المستقلة تتيح له أن يكون أكثر صدقاً وتجريباً، وأن يقدم أفكاراً قد لا تجد طريقها في السينما التجارية، لكنها تحمل قيمة إنسانية وثقافية.

ويرى بن دافون أن الشباب يحتاج إلى بيئة حاضنة توفر لهم التدريب المتخصص، وصناديق تمويل صغيرة موجهة للأفلام القصيرة والتجريبية، إضافة إلى منصات عرض محلية تضمن وصول هذه الأعمال إلى الجمهور، كما أن وجود شراكات مع المهرجانات والمؤسسات الثقافية سيمنح صانعي الأفلام فرصاً أكبر للتطوير والانتشار. ومن المهم أيضاً أن تُخفف بعض المنصات القائمة من متطلبات المشاركة التي قد تثقل كاهل الشباب وتحد من حضورهم، بحيث تكون المشاركة أكثر سلاسة وتشجيعاً على خوض التجارب الجديدة. الأهم أن يشعر المبدع أنّ هناك من يقدّر جهده ويفتح أمامه الأبواب للاستمرار.

صناعة الأفلام

ويشير المخرج السينمائي حمد بن صغران إلى أن السينما المستقلة تمثل الامتداد الطبيعي للبدايات الأولى للحراك السينمائي الإماراتي، الذي انطلق في الأساس من جهود سينمائيين إماراتيين شغوفين اختاروا صناعة الأفلام كمساحة للتجريب والاكتشاف.

وتستند السينما المستقلة إلى التجربة بوصفها جوهر العملية الإبداعية في جميع مراحلها، بدءاً من كتابة النصوص وصياغة الفكرة، وصولاً إلى الإخراج وتنفيذ العمل على الشاشة. وما يميز هذه التجربة أنها رحلة متصاعدة من الشغف والتعلّم والطموح، تهدف إلى تقديم أعمال متميزة ومبتكرة، بعيداً عن أي اعتبارات تسويقية أو تجارية قد تفرض قيوداً على الرؤية الفنية. فالفنان المستقل يتحرّر من حسابات السوق، ويستطيع أن يعبّر عن رؤيته الشخصية وقصصه الأصيلة دون أن تُقيّد حرية الإبداع.

بصمة شخصية

ويتابع: صحيح أن السينما المستقلة غالباً ما تعمل بموارد تقنية ومالية محدودة، غير أن هذه المحدودية لا تمثل عائقاً أمام الشغف، بل على العكس، تدفع المبدعين إلى إيجاد حلول مبتكرة وأساليب جديدة في التصوير والإنتاج، مما يُضفي على العمل طابعاً خاصاً وملامح فنية فريدة. وفي الوقت ذاته، تمنح هذه السينما مساحة رحبة لعرض قصص إنسانية خالصة وأعمال فنية أصيلة تتوجّه إلى المتلقي مباشرة، بعيداً عن ضغط العائد المادي أو متطلبات شباك التذاكر.

لذلك، يجد كثير من السينمائيين الإماراتيين في هذا النهج الإبداعي مساحة حقيقية للفضاء الإبداعي الثري، وبيئة مثالية لتقديم فن يعبّر عن هويتهم وتجاربهم، ويغني المشهد السينمائي بأعمال تحمل بصمة شخصية لا تخضع لمعايير الإنتاج التجاري.

ويشير بن صغران إلى أنه بالرغم أن هناك بعض المبادرات والصناديق الثقافية المحلية التي تقدّم دعماً لصنّاع الأفلام المستقلة في الإمارات، إلا أن النهوض الحقيقي بالحراك السينمائي المستقل يتطلّب رؤية أشمل وبرامج أكثر استدامة. فالتحدي لا يقتصر على توفير منح مالية، بل يتعلّق بتأسيس منظومة متكاملة تضمن استمرار الإنتاج وتطوره، وتسهم في تعزيز الحضور الثقافي للدولة على المدى الطويل.

ويتابع: من أبرز ما يحتاجه الشباب في هذا السياق برامج وورش تطوير السيناريو، فالنص القوي هو أساس أي فيلم ناجح، وتطوير مهارات الكتابة السينمائية يسهم في إنتاج أعمال قادرة على المنافسة عالمياً ، إضافة إلى لجنة وطنية لتوزيع الأفلام على المهرجانات الدولية وذلك من خلال وجود جهة رسمية تُعنى بتسويق الأفلام وتيسير مشاركتها في المهرجانات العالمية يعزز فرص الانتشار ويمنح صناع الأفلام منصة للتعريف بإبداعاتهم، إضافة إلى قاعدة بيانات شاملة للأفلام وصنّاعها والتي توفر هذه القاعدة مرجعاً موحداً للمهتمين، وتُسهل التواصل والتعاون بين المنتجين والمخرجين والفنيين والجهات الداعمة، وبرامج لتطوير الكوادر المهنية سواء في مجالات التصوير أو المونتاج أو الصوت أو غيرها من التخصصات التقنية، ويؤكد أن هذا يرفع مستوى جودة الإنتاج ويخلق خبرات محلية منافسة، بجانب مهرجان أفلام وطني مكرّس للسينما المستقلة، حيث يشكّل منصة سنوية للاحتفاء بالأعمال الجديدة، واكتشاف المواهب، وربطها بالشبكات الإقليمية والدولية.

ويبين بن صغران أهمية تشكيل فرق إنتاج مؤهلة لتوفير تدريب ودعم لتكوين فرق قادرة على إدارة الإنتاج بكفاءة، ما يخفف العبء عن المخرج ويضمن انسيابية العملية الإنتاجية، والتفريغ الثقافي لأصحاب الوظائف لتمكين السينمائيين العاملين في وظائف أخرى من الحصول على إجازات أو مرونة زمنية تتيح لهم التفرغ للعمل على مشاريعهم السينمائية.

ويستطرد: إن توفير مثل هذه الأدوات والبرامج يعني الانتقال من مجرد دعم مالي متفرق إلى بناء بيئة متكاملة تُحفّز على الإبداع، وتتيح لصناع الأفلام المستقلة تطوير مشاريعهم بجدية واستمرارية، بما يعكس صورة الإمارات الثقافية والفنية على المستويين الإقليمي والدولي.