راشد المزروعي يترجم حفاوة تقاليد الاستقبال والسنع المحلي في باريس

القهوة الإماراتية.. «مرحبا الساع» بضيوف الأولمبياد!

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

«يا مرحبا الساع، اقرب»، بهذه النبرة التي تنم عن وجدان عربي حاتميٍّ طائي، تتردد أصداؤه في قاعة البيت الأولمبي الإماراتي، برزت ملامح وجهود الشاب الإماراتي راشد المزروعي.

المشارك مع الوفد الرسمي للدولة بدورة الألعاب الأولمبية الحالية في باريس، من باب اختصاصه كخبير قهوة، يتولى شؤون الضيافة العربية، وتحديداً تقاليد تقديم القهوة المرتبطة بإرث إماراتي أصيل، باستقبال بهيج، ممزوج بشرح وافٍ لطريقة إعداد «المعشوقة السمراء» الغنية بالمكونات والمطيبات المرتبطة بها، في تلاقٍ ثقافي آني «يُوجّب» فيه شباب الإمارات ضيوفهم في باريس. المفاجئ.

بحسب المزروعي، والباعث على الدهشة والبهجة، على حد سواء، وجوه متذوقي «فنيال» القهوة الإماراتية، لا سيما من يرتشفها أول مرة: «التناسق الموزون ما بين نكهة البن وصفاء مذاق القهوة»، كان مدعاة للتأمل حقيقةً، يقول المزروعي مبتسماً، في حديث خصّه لـ «البيان»:

«القهوة العربية مُنحت أهمية ثقافية وتراثية عميقة، يشهد عليها إدراجها عام 2015 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونيسكو، من قبل دولة الإمارات وعدد من دول الخليج. إذ تُعرف بمزيجها المُطعم بالهيل والزعفران، وأحياناً القرنقل، وهو ما يعرف بـ (القناد)، الذي يمنحها طعماً غنياً».

هبة الزوار

لا تتوقف الدلة التي يحملها راشد عن إكرام ضيوفه، حيث إن الزوار الدوليين للبيت الأولمبي الإماراتي، يطلبون المزيد، فنجان إلى خمسة فناجين لمحبي القهوة الذين تتخلل رشفاتهم أحاديث وأسئلة يشبعها طاقم الضيافة بأجوبة، تبدأ بمكونات القهوة والمواد العطرية المستخدمة، وصولاً لطريقة التحضير البسيطة في ظاهرها، والغنية بتأثيرها ومذاقها.

«القناد مكلف، فالزعفران والهيل، كما هو معروف، غالي الثمن، بيد أن كرم الضيافة وحسن الاستقبال المترسخ في الثقافة العربية والمحلية، يثبت أن واجب الضيف على المضيف يتعدى ذلك وأكثر»، ليشمل تقديم أجود أطباق «الفوالة»، من رطبٍ وتمر وخبيص وعصيدة، وما توفر حينها، مبرره أن كل ما هو موجود في جنبات البيت الإماراتي، هبةٌ لزواره.

حفاوة استقبال الضيف لا تقدر بثمن، بالنسبة للمزروعي، وهي تقاليد وسنع تربت ونشأت عليه الأجيال باختلافها، فالتجربة الممنوحة لضيوف الإمارات، سواءً كانت داخل الدولة، أو في أقاصي العالم، تكاد تكون واحدة، وهو ما يلفت انتباهنا حقيقة، بحسب راشد، للدور والتأثير الحقيقي لحضور الكوادر الإماراتية الشبابية في أحداث عالمية كبرى.

كدورة الألعاب الأولمبية بباريس، في رسالة تمثل تجسيداً حقيقياً للتبادل الثقافي والمعرفي بين الشعوب. انطلاقاً مما أسماه بـ «مجتمعات القهوة»، انطلق راشد المزروعي وشركاؤه بمشروع محمصة قهوة مختصة في العاصمة أبوظبي، يحدوهم الأمل بإرسال رسائل تطويرية لعشاق «الكيف» في الدولة، لتحسين ذائقتهم، ورفع مستوى القهوة بشكل عام.

كما أن الطموح لم يكن تحقيق انتشار محلي وإقليمي وحسب، بل سعى مشروع «نيبرهود روستري» للتوسع عالمياً، بإيمان وسعي متقدين، للتأكيد على جودة القهوة في الإمارات، التي تزخر بمحامص تنافس نظيرتها العالمية، بمحاصيل نادرة وخاصة للغاية.

داعمون

وبما أن للقهوة محبين كُثراً، وأن لكل مجتهد نصيب، فإن داعمي المزروعي ممن أدركوا جودة ما يقدمه كُثر أيضاً، بدءاً من القيادة الرشيدة، وصولاً لأقرباء وأحبة. وعند سؤاله عن التحديات التي قد يقاسيها مزودو القهوة، خصوصاً في ظل الطلب المتزايد، وكذلك كمّ المشاريع والشركات المتخصصة في قطاع القهوة والضيافة، وجّه راشد نصيحة للشباب، قائلاً:

«بعد ما يصل لعقد في المجال، فإن نصيحتي تتلخص بـ «الصبر».. فالمساعي تحتاج لتوقيت معين لتثمر، وصناعة القهوة بالتحديد تتطلب التعلم والتجربة والإتقان والدراسة.

كما أن التدرج في مشاريع مماثلة، سمة أساسية وعملية في آن، فقد بدأت برخصة، وشرعت ببيع محاصيل بسيطة لدراسة وتقدير العوائد، مع تقييم جوانب التطوير والتحسين قدر الإمكان»، مشيراً إلى أن مفتاح نجاح المشاريع، هو الصبر والعطاء، و«التطوير لما لا نهاية».

إصرار ومثابرة

أشار راشد المزروعي إلى أن فصول إفلاس المحمصة التي وصلت لأربع مرات، لم تثنه عن الاستمرار في طموحه في مجال القهوة العربية والمختصة، حيث إن صبره على مشروعه وإيمانه بما يقدمه، والثقة التي منحتها قيادة دولة الإمارات للشباب، من باب التأكيد على ضرورة تحليهم بالعزيمة والمثابرة، هو ما صاغ نجاحه.

مشدداً على وجوب تقمص رائد الأعمال عدة أدوار، فتارة هو المضيف والقائم على عمليات التنظيف، وأحياناً يتسلم زمام التسويق، وربما التوصيل كمندوب، انطلاقاً من المسؤولية الذاتية، والشغف الحقيقي الذي تذوب فيه المسميات والأدوار.

اختتم المزروعي حديثه بقصة يعود عهدها للبدايات، حيث عمد لتسويق القهوة في أحد المطابخ الصغيرة، التي لا تتعدى مساحتها المتر ونصف إلى مترين، لتقديم القهوة كضيافة للزوار، قاطناً هنالك لمدة تتجاوز الـ 4 ساعات، محضراً القهوة لمتذوقيها، دون تردد أو استحياء، قائلاً: «هو مشروعنا.. وواجبي الوقوف عليه، وبث وقتي وجهدي ومالي ليكبر»، وهو ما حصل أخيراً.

 

Email