في ظل انتشار المنصات الافتراضية، أصبحت الملتقيات الثقافية عبر الإنترنت منصة تربط المبدعين في المهجر، ما يعزز من التواصل الثقافي والإبداعي رغم المسافات الجغرافية.

ومن خلال تجارب متعددة لكتّاب في المهجر، يتضح كيف تمكنت هذه المنابر من تقديم بديل مرن للندوات التقليدية في الوطن الأم. ولكن: هل تعوض هذه الملتقيات اللقاءات الوجاهية التي اعتادها المثقفون في بلادهم؟.

دور

نجم الدين سمان، كاتب سوري مقيم في فرنسا، يظهر دور المنابر الافتراضية كوسيلة أساسية لإبراز ونشر إبداعات المبدعين في بيئات التغريب، ويشير إلى أن المبدعين يواجهون تحديات كبيرة في التكيف مع ثقافات ولغات جديدة، وتمكين إبداعاتهم في مجالات متعددة.

سمان بدأ بإنشاء صحيفة «شرفات الشام»، التي توقفت بسبب الحرب في سوريا، لكنه استمر في توثيق الإبداعات السورية بعد هجرته عبر منصة فيسبوك. يعكس هذا الجهد الفردي استجابة نشطة لمصاعب اللجوء، حيث نشر أكثر من سبعة آلاف مادة ثقافية وفنية. ومع ذلك، يشدد سمان على أن وجود مؤسسات ثقافية راسخة في بيئات التغريب يمثل أمراً أساسياً لدعم وتعزيز الإبداعات السورية بشكل مستدام.

ويرى أن التحديات الحالية تنبع من غياب تقاليد العمل الجماعي والدعم المؤسسي، ما يعيق تطوير منابر احترافية وموثوقة تعزز حضور الإبداع السوري في المشهد الثقافي العالمي.

جسر إبداعي

بدوره، يقول أيمن مارديني، كاتب سوري مقيم في كندا: «أصبحت الملتقيات الافتراضية نافذة أساسية لتواصل الثقافة والفنون، بعد أن كانت تجمعنا سابقاً في ندوات ولقاءات في المقاهي والمنازل، قبل أن نبتعد عن بلادنا». ويضيف مارديني قائلاً: «بداية مسيرتي الافتراضية كانت من خلال صفحة ثقافية.

حيث بدأت بنشر الكتب الإلكترونية والمقالات المهمة، وتطورت الفكرة لتشمل مشاركة موسيقى وأفلام قصيرة، وإقامة معارض فنية، ما أسهم في جذب أعداد كبيرة من الأعضاء إلى مجموعته «يا طالع الشجرة» على منصة فيسبوك».

ورغم النجاحات التي حققتها الملتقيات الافتراضية، يواجه أيمن مارديني وفريقه العديد من التحديات. ويؤكد مارديني، أن التفاعلات الإيجابية والدعم المستمر من الفنانين والمهتمين بالثقافة أسهم في استمرارية مسيرتهم وتطوير المحتوى بشكل مستدام. ومع اقتراب احتفالهم بمرور عشر سنوات على مجموعتهم «يا طالع الشجرة»، يعبر أيمن مارديني، عن الفخر بما تحقق من تنوع وإبداع داخل الفضاء الافتراضي.

فواز قادري، كاتب سوري مقيم في ألمانيا، يرى أن الإسهامات الثقافية الافتراضية تمثل نافذة مهمة للابتكار والتفاعل في عالم متغير بسرعة، حيث تسهم في تعزيز الروابط الثقافية والإبداعية رغم الانفصال الجغرافي.

ويقول: «تعد هذه الإسهامات محطة أساسية للتفاعل الفكري والثقافي، حيث تحفز النقاشات وتسهم في بناء تجارب جديدة للتعبير والتأثير، بالتالي تمثل هذه الإسهامات تعبيراً عن التحديات والفرص التي يفتحها العصر الحديث».

بديل مرن

أنور السباعي، روائي وعضو مجلس إدارة مبادرة القلم السوري في المهجر، وعضو رابطة الكتاب السويديين، تحدث عن أهمية الملتقيات الثقافية الافتراضية في حياة المثقفين والفنانين السوريين المقيمين في بلاد اللجوء، مشيراً إلى دورها الحيوي في تعزيز التواصل والتفاعل الثقافي رغم التحديات الجغرافية والزمنية.

ويوضح السباعي أن الملتقيات الافتراضية تمثل بديلاً مرناً للندوات والأمسيات الثقافية التقليدية، حيث تتيح هذه المنصات للمثقفين والكتاب فرصة للمشاركة في الأنشطة الثقافية والتعبير عن أفكارهم بطرق مبتكرة وجذابة. 

ويبرز السباعي أن مبادرات مثل «القلم السوري» التابعة لرابطة القلم العالمية، تعد نموذجاً حياً على كيفية استخدام التكنولوجيا لدعم الأدب والثقافة السورية على المستوى العالمي. ومن خلال الاجتماعات الافتراضية والتفاعل المستمر، يتسنى للكتاب التواصل والعمل المشترك رغم البعد الجغرافي.

ويؤكد السباعي أن الملتقيات الافتراضية، بالرغم من عدم قدرتها على استبدال اللقاءات الفعلية، فهي تمثل بديلاً فعالاً يعوض جزءاً كبيراً من الحاجة إلى الحضور الفعلي.

نافذ سمان، كاتب سوري مقيم في النرويج، يعبر عن رؤيته حيال الانتشار السريع لوسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن المثقفين كانوا جزءاً طبيعياً من هذا التوسع. ويؤكد سمان أهمية الاستفادة القصوى من هذه الوسائل التي أحدثت ثورة لا تخفى على أحد، بالرغم من أنه يظل متحفظاً على الانخراط فيها بشكل مباشر، مفضلاً دعم الناشطين فيها عن بعد.

ويقول إن التواصل يتسم بالسوء، مستشهداً بمقولة «نحن جيدون فرادى وسيئون جماعات»، وهو ما يجعل تلك الملتقيات الافتراضية تتحول بسرعة إلى حفلات تصفيق وصالونات مجاملات أدبية. ولكنه ويؤكد ضرورة وجود المنتديات الثقافية، سواء كانت افتراضية أم واقعية.