يطرح الكاتب عبدالله السبب في كتابه «حضور الغائب في المشهد الثقافي الإماراتي - سيرة ومسيرة» تساؤلاً عن الكتابة عن المبدعين الراحلين، الذين غادرونا وخلفوا وراءهم إرثاً أدبياً وثقافياً ثرياً، فيستحضر بين دفتي هذا الكتاب أسماء فكرية وأدبية وثقافية لامعة، ما زالت حاضرة في ذاكرة الإبداع الإماراتي.

ويقدم الكاتب عبدالله السبب جهده الرصين، بينما يضع يد القارئ على سبب وبُعد آخر يتخطى مجرد الرغبة في الحفاظ على تلك الأسماء المبدعة من أبناء الإمارات الراحلة من الوقوع في فخ النسيان، ويتجه بجهده نحو صياغة سؤال جوهري يتعلق بإنجازات الراحلين، وعلى وجه التحديد مخطوطاتهم التي لم يتسنَّ لهم نشرها وترجمتها إلى كتب.

أسئلة

وهنا، يتوجه الكاتب عبدالله السيب في حديثه عن هذه المسؤولية نحو دور النشر للطباعة. لكنه لا يتوقف هنا، بل ينقلنا إلى سؤال آخر جدير بالاهتمام، وهو سؤال عن مسؤولية البحث عن تلك المخطوطات، التي أضحت برحيل أصحابها جزءاً من الإرث الوطني، فهل تتحملها المؤسسات المعنية بالثقافة أو الإعلام؟ وإن كان الكاتب في حياته تكبد مشقة إنجاز ما أنجز، وكذلك عناء البحث عن دار نشر تتحمل مسؤولية النشر والطباعة والتوزيع، فمن بإمكانه بعد رحيل مثل هؤلاء الكتاب أن يتصدى لهذه المهمة الجليلة، حتى وإن كانت شاقة؟

يعرض الكاتب تجارب عدد من الرموز الثقافية ورواد الحركة الأدبية الذين غيبهم الموت، وهو وفاء يحسب للكاتب عبدالله السبب، ولفتة يسعى بها لأن ينقل هذا الإرث إلى الأجيال اللاحقة وتعريفها برموز إماراتية غيبها الموت، لكنها حية بإبداعها.

ويضم الكتاب أيضاً مقالات لكتاب يحملون الهم نفسه، هم المشروع الوطني لتخليد ذاكرة هؤلاء الراحلين، والبحث عن مخطوطاتهم ونشرها.

عنوان عريض

وعن هذا الكتاب يقول الكاتب عبدالله السبب: عبر مداومتي على الكتابة عن المبدعين الراحلين تحت عنوان عريض هو «حضور الغائب»؛ سواء في مجلة «شؤون أدبية»، أو في مجلات ومطبوعات إماراتية أخرى، وبعد صدور كتابي «شعراء في المشهد الإبداعي الإماراتي» في معرض أبوظبي للكتاب، طلب مني اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ممثلاً بمسؤولة النشر لولوة المنصوري، إعداد كتاب بتسمية «حضور الغائب».

كتاب

وبالفعل شرعت في جمع المواد التي لدي، ولكني وجدتها فقيرة لتنشر في كتاب، فعكفت على مراجعة المواد التي لدي، وعملت على هندستها وتهذيبها، وحذفت الزوائد من الكلام، وأضفت الجديد والمزيد من المعلومات، لأجد نفسي وقد بلغت بعدد صفحات الكتاب إلى نحو 500 صفحة، ما اضطرني إلى اختيار ستة مبدعين من مدارس أدبية مختلفة، والكتابة عنهم بأساليب مختلفة؛ كلٌ بحسب اختصاصاته الأدبية، وبحسب ما يناسبه من معلومات، كي يجد القارئ نفسه أمام شخصيات مختلفة ليصل بي الأمر، في ما بعد، إلى ابتداء الكتاب بأكثر من مقدمة، متكاملة في ما بينها ومفادها الإضاءة على شخصيات ثقافية راحلة، ولكنها حاضرة معنا في المشهد الثقافي بمآثرها وإبداعاتها.

وهنا أشير إلى أن شخصيات أخرى تم ترحيلها إلى جزء آخر، بعنوان آخر جديد، ولكنه يحمل الفكرة نفسها من ناحية «حضور الغائب». وفي ليلة توقيعي كتاب «حضور الغائب»؛ عرضت عليَّ إحدى المؤسسات الثقافية الإماراتية، أن يكون المشروع المقبل عبر مشروعها الثقافي الوطني، وأحاول أن يكون الكتاب جاهزاً من طرفي بحد أقصى مطلع السنة المقبلة.