ضمن فعاليات مركز تشكيل للفنون في دبي، وضمن موسم خريف 2023، يكشف معرض «أساليب الرؤية» للفنانة المتعددة التخصصات جمال طيارة بارودي، الروابط بين التجربة الإنسانية والجغرافيا والذاكرة، فينقل الجوانب العاطفية والجسدية لمفهوم المعرض.
ويركز المعرض على «المادة» البيولوجية، والرابطة العميقة بين الفنان والعالم الطبيعي ودور الفنان كعالم نباتي. ويعمل المعرض على رفع مستوى الوعي حول أهمية النباتات كمورد طبيعي ومستدام. ويعد بمثابة دعوة لإعادة النظر في الحكمة الجماعية للثقافات وإعادة الاتصال بقيم وخصائص النباتات.
بارودي بدأت حياتها المهنية بالعمل في وكالات الإعلان والعلامات التجارية حتى أسست استوديو «فنّ كهذا» في عام 2011 وطالما كانت أعمالها وممارستها الفنية تعبر عن انبهارها بالرابط العجيب بين عالم الطبيعة وعالم البشر؛ وتعتمد على استخدام مواد من النباتات التي تجمعها لاستخدامها في أعمالها الفنية.
18 شهراً
والجدير بالذكر أن نبات «العشار» والاسم العلمي له (كالوتروبيس بروسيرا)، كان موضوع بحث بارودي على مدار الـ 18 شهراً الماضية، وهو نوع من النباتات المزهرة موطنه الأصلي شمال أفريقيا، وباكستان، والمناطق الاستوائية في أفريقيا، وغرب آسيا، وجنوب آسيا، والهند الصينية، حيث استخدمت الفنانة أجزاء مختلفة من نبات العشار في إنتاج هذه الأعمال الجديدة، بما في ذلك القرون، والألياف، والبذور، والسيقان، والأوراق، والتي جمعتها الفنانة يدوياً. يحمل هذا النبات منظوراً عاماً على أنه نبات سام وغازٍ، إلا أنه يتمتع باستخدامات قيمة متعددة، كما يستخدم في الزراعة، والبترول، والأسقف، والطب التقليدي، ومستحضرات التجميل.
ذكريات محفورة
وقالت بارودي لـ«البيان»: لطالما كنت على صلةٍ وثيقة بالطبيعة منذ نشأتي في وطني الأم لبنان الذي يضم أكبر غابة صنوبر في الشرق الأوسط، ويعدّ موطناً للغطاء النباتي المتنوع. لا تزال تلك التفاصيل محفورةً على جدران ذكريات طفولتي، وكان ذلك بمثابة الدافع الذي فجّر دهشتي بالعالم الطبيعي. ما فارقتني الغابة لحظة، وكذلك خواطري التي كانت تجول بداخلي عمّا فقدته وسط لحظات تمزق ارتباطي بالعالم الطبيعي. وقد تجلى هذا التباعد غير المقصود الآن فيما يسمى «بالبيوفيليا» أي حبّ الكائنات الحية وهو ما يعد جوهر ممارستي للفنون البصرية.
استخدامات طبية
وعن اهتمامها بنبات «العشار» الذي يعتبر العنصر البارز في ممارساتها الفنية لمعرضها الفردي «أساليب الرؤية» تقول بارودي: لقد تعاملت مع نبات «العشار» كعالمة نباتات، مستخدمةً البحث العلمي لاستكشاف المواد المختلفة التي يمكن أن تنتجها هذه النبتة ولأي غرض. وتتمتع هذه النبتة باستخدامات طبية وفقاً لنظام الأيورفيدا الطبي، واستخدامات بيئية في صناعة البترول، واستخدامات اجتماعية كصنع المنسوجات وحشوات الوسائد. كما يمكن أن تدخل في صناعة الحبال والفحم، وتستخدم أوراقها في صناعة الأسقف، كما تنتج عصارتها مادة اللاتكس وتستخدم في الزراعة.
تجارب مكثفة
وتضيف بارودي: من خلال معرض «أساليب الرؤية» قمت بتقسيم النبات إلى عناصره الأساسية والمفيدة، ثم إعادة تشكيلها وإعادة بنائها في إطار عملٍ فني. إنها عملية شاقة لأن جني ثمار هذا العمل يتطلب الوقت والصبر والتكرار، ثمّ يتم جمع كل شيء وتصنيفه بشكلٍ فردي يدوياً، لقد كانت فترة العام ونصف العام الماضية فترةً مفعمةً بالتجارب المكثفة من ضمنها تحويل خيط تنظيف الأسنان إلى أليافٍ يمكن استخدامها في الفنون، مع صياغة مفهومٍ للساق باعتبارها مادة خشبية واللحاء باعتباره حباً، كلّ ذلك كان عبارة عن نقاشات لم تؤتِ ثمارها المرجوة في كلّ مرة.
توثيق منهجي
وفيما يتعلق بأهمية ممارستها الفنية في هذا المسار البحثي والفني تقول بارودي: إن معرض «أساليب الرؤية» استلهم اسمه من سلسلة بي بي سي والكتاب الرديف لها «طرق الرؤية» للكاتب جون برجر الذي يستكشف الطرق التي يتم بها تصوير الأشياء، ولماذا تمّ تصويرها على هذا النحو، وأستطيع القول إنّ ممارستي البحثية تكمن وراء معرفة جميع المواد المتاحة في نبات «العشار»، مع فحصٍ وتوثيقٍ متسق ومنهجي للنبات. بعد كلّ تلك الإحاطة التي حظيت بها، تمكنت من استخدام المواد للابتكار مع الأخذ بعين الاعتبار مخاطبة العالم الطبيعي.
مشروع دبي
وتضيف بارودي: عندما بدأت بحثي عن «العشار»، شرعت أفكر في أشياء كثيرة تتعلق بالنباتات. نحن غالباً ما نأخذ العالم الطبيعي كأمر مسلم به. ولسوء الحظ، نحن لا ندرك أو نهتم، لأن حياتنا في المدن الكبرى، وخاصة في دبي، محاطة بالطبيعة الحضرية البراقة. كلما قضيت وقتاً أطول في التعرف على هذه النبتة، عملت لفترة أطول، وأصبحت القصة الكامنة وراء المشروع أكثر أهمية، وفي المقابل أنا لم أخترع شيئاً، لقد مشيت مع التيار. وتركت الأمر للنبات ليملي علي ما ينبغي القيام به. كل ما أفعله هو عن طريق المراقبة؛ والفضول، وهذا هو أكثر ما أحبه في مسارات الفنون التي تأتيك بمفاجآت مدهشة لا تنتهي.