آفاق الفكر العربي وتحدياته جوهر برامج إطلاق التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

برعاية وزارة الثقافة في جمهورية مصر العربية، وبالشراكة مع المجلس الأعلى للثقافة، أطلقت مؤسسة الفكر العربي، التقرير العربي الثاني عشر للتنمية الثقافية بعنوان «الفكر العربي في عقدين 2000 - 2020»، وذلك خلال فعالية أقيمت في القاهرة على مدار يومين، بحضور ومشاركة نخبة من المفكرين والباحثين العرب. 

تحدث في افتتاح الفعالية المدير العام لمؤسسة الفكر العربي البروفيسور هنري العويط، فعلل سبب اختيار القاهرة ليجري منها إطلاق التقرير «اعترافاً بريادتها الفكرية والثقافية التي هي محل إجماع، وعربون امتنان للكوكبة المميزة من مفكري أرض الكنانة وباحثيها وخبرائها الذين تعتز مؤسستنا وتغتني بالتعاون معهم في إصداراتها وبرامجها ومختلف أنشطتها». وبين أ.د. العويط أبرز ميزات التقرير «في طليعة ما يتحلى به التقرير من مزايا، إطاره الزمني، إذ إن السنوات العشرين الأولى من القرن الحالي شكلت منعطفاً تاريخياً، ففي خلالها شهد العالم ومنطقتنا أحداثاً وأزمات وتحولات، بدا لنا من الضروري دراسة أثرها في الفكر العربي للإحاطة بكيفية تعامل إعلامه معها».

بدوره، ألقى الدكتور هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، كلمة نوه فيها بمضامين التقرير معتبراً أنه يشكل «منجزاً علمياً مهماً يمكن للمثقفين العرب الرجوع إليه في أبحاثهم وقراءاتهم». كما دعا إلى ضرورة صياغة خطاب ثقافي عربي يتخطى حدوده الإقليمية إلى حدود العالم بأكمله، مشدداً على أن الاتصال الثقافي مع العالم لا يعني الانصهار الكلي في الثقافة الغربية.

درع

وفي ختام الجلسة الافتتاحية، قدم أ.د. هنري العويط، الدرع التكريمية الأعلى من مؤسسة الفكر العربي لوزيرة الثقافة المصرية د. نيفين الكيلاني، حيث تسلمه بالنيابة عنها د. هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، ودرعاً تكريمية أخرى للدكتور هشام عزمي تقديراً على جهوده، وقد قدم هو أيضاً درعاً تقديرية لمؤسسة الفكر العربي تكريماً لجهودها الفكرية والثقافية بالإنابة عن وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني. 

تنوع وعمق

 وناقشت مداخلات المتحدثين في الجلسات الخمس، محاور التقرير ومضامين أوراقه البحثية المتعلقة بالفكر السياسي والاجتماعي العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين في ضوء التحولات الكبرى التي يشهدها العالم وتشهدها المنطقة العربية، وتحديات ورهانات الفكر العربي في ظل الثورة الرقمية، وموضوع الفكر العربي بين العروبة والكونية. كما شهدت الجلسات أسئلة ونقاشات تفاعلية من الحاضرين أغنت مداخلات المتحدثين.

واستعرضت الجلسة الأولى: «جدليات الهوية والمواطنة وإدارة التنوع» تحديات إدارة التنوع في البلدان العربية وجدل العلاقة بين التعددية الثقافية والتعددية السياسية، وكيف تطور مفهوم المواطنة في الفكر العربي خلال العقدين الماضيين. كما تناولت العوامل التي أدت إلى تفاقم الصراعات بين الهويات المختلفة والمتعددة. واستعرضت الجلسة أيضاً معوقات كثيرة شارحة كيف أن الفهم المغلوط للبعد الديني أثر سلباً في بناء الدولة ونظمها في العالم العربي. 

أدار الجلسة د. يوسف الحسن، المدير العام السابق للمعهد الدبلوماسي الإماراتي، وتحدث فيها د. علي الدين هلال دسوقي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، ود. طارق متري، رئيس جامعة القديس جاورجيوس في بيروت، والمفكر المصري د. سمير مرقص عبد المسيح، والكاتب والمفكر السياسي، د. مصطفى الفقي.

وفي الجلسة الثانية: «العلاقة بين الدولة والمجتمع: الصراعات الداخلية والاستقرار السياسي»

نوقش مفهوم الدولة في الفكر السياسي العربي وتطوره التاريخي، وإشكاليات العلاقة بين الدولة والمجتمع في ظل الصراعات الداخلية وغياب الاستقرار السياسي ومخاطر الانقسام والتفتيت. كما عرضت مقومات ومواصفات الدولة الوطنية، وبينت الأسباب التي تعوق وتؤخر قيامها. وتطرقت الجلسة إلى العلاقة بين المجتمع والدولة في المنطقة، وخلصت إلى أن استمرار الوهن في الكثير من بلداننا العربية يعود بأحد أسبابه إلى تناحر الجماعات (المذهبية، القومية، القبلية، الطائفية...) فيما بينها.

أدار الجلسة أ.د. فاديا كيوان، المديرة العامة لمنظمة المرأة العربية، وتحدث فيها سفير المملكة المغربية لدى الجمهورية اللبنانية سابقاً د. علي أومليل، وأستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة طرابلس، أ.د. يوسف محمد جمعة الصواني.

 فجوات وحلول 

وفي الجلسة الثالثة: «العلوم الاجتماعية: الواقع والإشكاليات»

بحثت تفاصيل واقع العلوم الاجتماعية في العالم العربي، واعتبرت الجلسة أن المشكلة تقع في الانحياز وضعف الحياد، وفي الفجوة المعرفية، والميل إلى إعادة تدوير النظريات السابقة دون ابتداع أخرى حديثة، وفي تراجع الاهتمام بالفلسفة في أوساط العاملين في العلوم الاجتماعية. كما شرحت الجلسة كيف أثرت الثورة التكنولوجية على المجتمعات وعزلت الأفراد عن المنظومة الجماعية وسلعتهم بغرض زيادة الاستهلاك، واعتبرت أننا اليوم أمام مأزق كبير يجعل الإنسان العربي منزوع الإرادة وغير قادر على صياغة عالمه وواقعه في ظل انفصال الأبحاث الاجتماعية العربية عن كل هذه التطورات. وخلصت النقاشات إلى ضرورة ابتداع علم اجتماع عربي أصيل غير محكوم بترسانة الأيديولوجيات، ينطلق من نظرية ومفاهيم ابن خلدون، ويعالج الظواهر الاجتماعية العربية في ظل الرهانات والتحديات الكبرى وعلى رأسها الثورة التكنولوجية.

أدار الجلسة أ.د. سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، وتحدث فيها أ.د. فردريك معتوق، عميد متقاعد لمعهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، و د. وحيد عبد المجيد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، و أ.د. محمد المعزوز، مدير الأكاديمية الأوروبية العربية للدراسات الجيواستراتيجية في باريس.

أما في الجلسة الرابعة: «التربية والتعليم: النظم والسياسات»

فناقش المتحدثون موضوع الفكر التربوي العربي، واعتبروا أن تهميش العلوم الإنسانية والاجتماعية وتجنب البحث في القضايا المتنوعة أثرا كثيراً عليه. كما بينوا الأدوار الجديدة للجامعات العربية وخصوصاً تلك المرتبطة بالتنمية المستدامة وتحسين الرفاه الاجتماعي ووظائف المستقبل. كما فسروا تأثير التطورات التكنولوجية، والتطورات المستقبلية المتوقعة في سوق العمل على هذه الأدوار. ودعوا إلى ضرورة إصلاح النظم التربوية والتعليمية في الدول العربية بالتوازي مع تحقيق الإصلاح، بالإضافة إلى تحسين أوضاع المعلمين، وتطوير قواعد الحوكمة، وتطوير نظم التعليم التفاعلية.

أدار الجلسة د. محيا علي زيتون، أستاذة جامعية في جامعة الأزهر، وشارك فيها أ.د. عدنان إبراهيم الأمين، أستاذ متقاعد في العلوم التربوية في الجامعة اللبنانية، و د. خالد عبد الفتاح عبدالله حسن، أستاذ مساعد علم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة حلوان، و د. أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم العالي المصري الأسبق.

 5 

وتطرقت الجلسة الخامسة إلى موضوع: «الفكر العربي وآفاقه المستقبلية»، ودارت الجلسة حول ثلاث قضايا حيوية، تعني العرب في حاضرهم ومستقبلهم، وهي «العرب والتحولات الكبرى في النظام الدولي»، و«الفكر العربي والثورة الرقمية: التحديات والرهانات»، و«الفكر العربي بين العروبة والكونية». فأوضحت أهم ملامح النظام الدولي الجديد، وكيف تمثل تحولاته فرصاً وتحديات للعرب في ظل الواقع الحالي، وسيطرة الذكاء الاصطناعي، ومشكلات الأمن السيبراني، وضرورات الانخراط في الاقتصاد الرقمي. وحددت موقع العالم العربي على صعيد الإسهامات الرقمية العالمية مبينة القصور الحاد الذي يعاني منه، وداعية إلى تفعيل استراتيجيات التحول الرقمي في المجال الثقافي والتعليمي والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وإنتاج المحتوى والبرمجيات. وحول موضوع الفكر العربي بين العروبة والكونية، حثت الجلسة العرب على أن يكونوا خارج الصراع القائم بين دعاة الكونية ودعاة الخصوصية، وأن ينفتحوا على الحوار ويسهموا بفعالية في بناء ركائز العالم الجديد.

أدار الجلسة أ. نبيل عبد الفتاح، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وتحدث فيها أ.د. محمد كمال، مدير معهد البحوث والدراسات العربية، والمهندس زياد عبد التواب، مساعد الأمين العام لمجلس الوزراء لنظم المعلومات والتحول الرقمي، و أ.د. عبدالله السيد ولد أباه، أستاذ الدراسات الفلسفية والاجتماعية في جامعة نواكشوط.

ختام وخلاصات

اختتمت الفعالية بجلسة تحدث فيها أ.د. هنري العويط، المدير العام لمؤسسة الفكر العربي، حيث أشاد بعمق المداخلات وغناها، وبكثافة أسئلة الحضور وحيويتها، معتبراً أن عدداً من القضايا التي تناولتها الجلسات هي قضايا مزمنة، ما يعني أنها لم تجد بعد الحلول الواقعية الوافية لها، داعياً إلى ضرورة الاستمرار في تجديد التفكير على صعيد المفاهيم والمقاربات والتصدي للقضايا الجديدة التي تواجه عالمنا العربي اليوم. كما نوه الدكتور هشام عزمي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بنجاح الفعالية واعتبرها دافعاً لمزيد من التعاون والشراكة بين المجلس الأعلى للثقافة وبين مؤسسة الفكر العربي.

Email