يضم معرض «الذاكرة هي الخياطة»، المستمر حتى الثالث من نوفمبر في غاليري «غرين آرت» بدبي، أعمالاً فنية في النسيج لمبدعين مهرة، قاموا بتوظيف تنوع من التقنيات؛ من التزيين والتلبيد إلى التطريز اليدوي والآلي وغيرها، بهدف تحويل صور فوتوغرافية وترجمتها بأسلوبهم الخاص على قماش.
ويأتي فنانو النسيج من عوالم مختلفة، كل له نهجه الخاص، وكل نهج يأتي بمواد مختلفة، ويجلب معه أيضاً احتمالات تصويرية، وبينما اعتمد بعضهم على ألبوم صور العائلة لتصوير تجارب النزوح، نقب غيرهم في الأرشيفات الشخصية والجماعية لشعوب بلدانهم لعرض تجاربهم مع التاريخ الاستعماري.
وعن عنوان المعرض، تفيد مجلة «أوكولا» العالمية، أنه مستمد من جملة شهيرة في رواية «أورلاندو» للكاتبة البريطانية فيرجينا وولف، كانت قد اعتمدت فيها أعمال النسيج كاستعارة لعمليات الذاكرة التي تدمج الأجزاء المتباينة للحياة اليومية في نسيج سردي متصل ومفكك كما تفعل الحياكة، وما يزيدها تعقيداً في المعرض، هي وسيلة التصوير الفوتوغرافي، التي أحدثت تحولاً عميقاً في علاقة البشر بالذاكرة.
وهذا المعرض هو الأول ضمن سلسلة معارض من تنظيم مورتزا فالي في غاليري «غرين آرت» لعرض مقاربات معاصرة لفن النسيج والألياف. ونشاهد من خلاله أعمال الأفغانية الكندية هاناغاما أميري، والفلبيني شيان دايرتي، والأمريكية مليسا جوزيف، والجنوب أفريقي ليبوهانغ كيغاني، والهندية جاغديب ريانا واللبناني رائد ياسين.
وعلى الرغم من اختلاف أعمالهم من ناحية الصور والتقنية، إلا أنها كلها أعمال للذاكرة، وتنخرط في أعمال إحياء الذكرى وتتعارض مع آنية التقاط الصور الفوتوغرافية، حيث يعيد العمل التراكمي لأعمال النسيج تقديم النسيج المعقد وغير المتوقع للذاكرة لإفساح المجال للخيال.
تجارب
وتتميز أعمال الجنوب أفريقية بيوهانج كغاني، باعتمادها على ألبوم العائلة، وهي تستخدم قصاصات فوتوغرافية مستمدة من الصور في تركيبات لتروي تاريخ العائلة الشخصي والجماعي. وأفيد أن هذا المعرض يقدم أول سلسلة نسيج من إبداعها تعرفنا من خلالها على أفراد عائلتها في مجموعة أعمال من القماش الأسود والأبيض والرمادي، لتظل وفية للصور الأصلية.
وفي المعرض، تستخدم الفنانة الأفغانية الكندية، هانغاما أميري، تقنية مماثلة ولكن على عكس كغاني، تستخدم اللون والنمط في سلسلة ذكرياتها المستندة إلى الصور المتبادلة مع والدها خلال انفصالها عنه. وبينما تنبض صورها بلحظات ضائعة من حياتهما معاً وبوحدة تنبض بالانفصال عن الأسرة والوطن، فإنها من خلال تكبيرها وتجميعها باستخدام قطع القماش، تستعيد العلاقات العائلية الحميمية التي فقدتها ويوفر تجاوز الصور الأصلية إحساساً بالعزاء ومساحة للشفاء.
ويوظف رائد ياسين الذي ينحدر من عائلة خياطين في لبنان ذكرياته التي وثقتها الصور لإحياء أرشيف العائلة الضائع بسب النزوح المتكرر. وفي مشاهد من التجمعات والاحتفالات المطرزة آلياً على أقمشة من المصنع يقصد جعلها شخصية وعالمية في الوقت نفسه، وحميمة ومنتجة بكميات كبيرة، وكأنه بهذه الازدواجية تتحدث أعماله عن استحالة استعادة الأصل المفقود، سواء أكان صورة فوتوغرافية أم ذاكرة. وهو يستخدم تقنية التطريز بخيوط الحرير على قماش حريري مطرز. أما مشاهد الخياطة لدى الفنانة مليسا جوزيف، فتم إنشاؤها عبر الضغط بدلاً من الغرز أو النسج. والحصيلة هي أشكال مسطحة وشبه سائلة وحواف ناعمة تحاكي عدم دقة الذاكرة، ما يترجم الصورة إلى انطباع شخصي.
تطريز
وتتميز أعمال الفنان «شيان دايريت» الجدارية، وهي جزء من سلسلة بعنوان «أحلام محمومة من التقدم» بصور أرشيفية يعود تاريخها إلى فترة الاستعمار الأمريكي للفلبين، تلك الصور تترسخ حرفياً في التاريخ ويزينها الفنان بتعليقه نصوصاً مطرزة ورسوماً توضيحية. فبأجساد الفلاحين في أحد الحقول ينتقد السياسة التنموية النيوليبرالية التي تفشل في الحفاظ على الأراضي الزراعية والغابات.
هذا وتتكيف تطريزات الفنان «جاجديب راينا» المعقدة والمعبرة مع الأسلوب التقليدي الذي يمارس في المنطقة والذي يسمى فولكاري. وكان يتم تصنيعه بشكل جماعي باستخدام مواد عضوية مصبوغة يدوياً فيما الأنماط في الفولكاري من غرز رتق متوازية وكثيراً ما تتضمن عينات من الزخارف التقليدية أحياناً مع نص إضافي في الجزء السفلي من العمل.