بدأت أول من أمس أولى فعاليات الجلسات النقاشية لــ«الطاولة الأدبية»، التي تستضيفها مكتبة محمد بن راشد تحت عنوان «النهوض بحضور الكاتب الإماراتي في الجوائز الأدبية»، بمشاركة الكاتب والروائي عبيد بوملحة، والكاتبة عائشة سلطان، والناقد الدكتور صالح هويدي، والكاتبة شهد الراوي ومن تقديم وإدارة الكاتبة الإماراتية الدكتورة بديعة الهاشمي.
وجاءت الجلسة في إطار دعم هيئة دبي للثقافة والفنون «دبي للثقافة» للحراك الثقافي، وتعزيز دور الأدب في الساحة المحلية بشتى أصنافه: الشعر، والرواية، والقصة القصيرة وغيرها، إلى جانب تفعيل التواصل بين الكتاب والأدباء والشعراء.
تفعيل التوصيات
تناولت الجلسة النقاشية، التي شهدها حضور كبير من المثقفين والأدباء الإماراتيين، وكذلك المواهب الناشئة في قطاع الآداب والفنون، العديد من المحاور الثرية لواقع الأدب والرواية الإماراتية المعاصرة وحيثيات النهوض بها، إلى جانب بحث حلول عملية ومحددة عبر أوراق عمل تدعم الحوار، وتقديم توصيات قابلة للتنفيذ يتم رفعها للجهات المعنية انطلاقاً من حضور الرواية الإماراتية الاستثنائي وتطورها وإنجازاتها النوعية والكمية، إلا أن أي منها لم يصل لجوائز عالمية حتى اليوم.
وعلى وجه التحديد، حتى منتصف 2018، الذي شهد وصول رواية إماراتية وحيدة للقائمة الطويلة لجائزة البوكر الأدبية.
وبما يتعلق بواقع الإبداع الإماراتي وتعزيز حضوره عربيّاً وعالميّاً، أكد الدكتور صالح هويدي: «إن حضور الكاتب الإماراتي بإبداعه في الجوائز العربية والعالمية على نحوٍ خاص، وهو موضوع نثمّن طرح هيئة دبي للثقافة والفنون له؛ لأنه ينطلق من واقع الحِرص الواضح على أن يحتل الإبداع الأدبي الإماراتي مكانته المرموقة التي تستحقها الدولة التي حققت إنجازات كبيرة».
المعادلة الصعبة
وأضاف الدكتور صالح: ابتداءً، لا بُدّ لنا ونحن نتحدّث عن السّبل والحلول المتّصلة بهذا الموضوع من أن نذكّر بحقيقتَين لا ينبغي لنا نسيانهما، الأولى: إنّه ليس ثمّة وسائل سحريّة يمكن أن يلجأ إليها الكتّاب ليحقّقوا كلُّهم نتائج واحدة.
ومن هنا فإنّ حديثنا سيشمل الكتّابَ أصحاب الموهبة الإبداعيّة الحقيقيّة، الذين لم يتوانوا عن تطوير ذواتهم والبحث عن الجديد، أما الحقيقةُ الثّانية، فتتّصل بهيئات التّحكيم التي تمثّل الطّرف الثاني من المعادلة، إذ إنّها لا يشكلون نسيجاً مُتجانساً، فأعضاؤها مختلفون غالباً في ذائقتهم وأحكامهم ونزعاتهم، وهذا الأمر بالذّات هو ما ينبغي للمبدع أن يَعيه كي لا يُصاب بالإحباط، وأن يتحلّى بالصّبر على الدّوام، ويدركَ أن النتائج التي تُعلَن من قبل هيئةٍ ما من هيئات التّحكيم تبقى تمثّل أحكاماً نسبيّةً وليست أحكاماً مُطلَقة.
كسر النمطية
وأشار الدكتور صالح في مداخلته الى إنّ الحديث عن الوسائل والإجراءات التي تصبّ في بلورة موضوعة حضور الكتّاب في الجوائز يمكن له أن يندرج في مستويَين، الأوّل: المستوى الشخصيّ، وهو يتّصل بالكاتب نفسه، والثاني: المستوى الموضوعيّ المتصل بمؤسّسات الدولة الثقافيّة والحركة النّقدية معاً، لا شكّ في أنّ التّميز في الأعمال الأدبيّة يحتاج إلى توافر عوامل عدّة، يقفُ على رأسها التّجويد في العمل الأدبيّ، والسّعي إلى التّجديد بكسر النّمطية ومخالفة السّائد وسنن الكتابة المهيمنة، على مستوى الأدوات أو الأساليب الفنيّة والتّنويع في الأجواء والمضامين، على أن يتمّ ذلك من خلال هضم الاتجاهات السّائدة، وإدراك شروط تجديد ما تآكل واستنفد حضوره منها، وليس بناءً على الرّغبات والقرارات المجانيّة، فبمقدار مساحة التّجديد ومفارقة أفق توقّع القارئ يحقّق العمل الإبداعيّ التّميز والقبول.
دعم سطحي
وعن أهم أسباب غياب الكاتب الإماراتيّ في الجوائز الأدبيّة العربيّة عربيّاً وعالمياً يقول: لا نلحظُ اهتماماً كبيراً بالرّوائيّ الإماراتيّ في وسائل الإعلام أو بالمنتجِ الرّوائي الإماراتيّ.
ويقول الكاتب عبيد بوملحة إن ذلك يخضع للعديد من العوامل، وهي مرتبطة أولاً ضعف التواصل والدعم الذي تقدمه وسائل الإعلام حيث نلمسُ اهتماماً قد يكون ملحوظاً في معارض الكتب المقامة في دولة الإمارات، وهناك بعض المذيعين الذين يتحلّون بالثقافة ويُشاد بهم، ولكن يتمّ إيفادُ بعض المذيعين الذين لا ناقةَ لهم ولا جمل في مجال الثقافة، فنرى أحدهم يقتربُ من كاتبٍ يجلس أمام شاشةٍ بطولِ جدارٍ وقد كُتبَ عليها اسمهُ وغلاف روايته ليسألهُ: هل أنتَ كاتب؟ ما اسمكَ لو سمحت؟ و(اسمُ) كِتابك!!!
غياب الأبحاث
ويضيف بوملحة: الصّحفُ المحليّةُ تهتمّ بالكتبِ الأكثر مبيعاً في الدّول الأخرى -لا مانع من ذلك- ولكن أين الكتبُ الأكثر مبيعاً في مكتباتِ الدّولة؟ الأخبارُ الثقافيّة (كوبي بيست) من الصّحف العربيّة والعالمية. أمّا الأخبار الثقافيّة المحليّة فتشهد غياباً وتغييباً.
المجلاتُ الثقافيّة التي تصدرُ في الدّولة نادراً ما تهتمُّ بالأخبار الثقافيّة المحليّة. ومن جانب آخر على صعيد البحث العلمي فنحن نادراً ما نشاهد أبحاثاً في (الدّكتوراه أو الماجستير) عن الرّوايات الإماراتيّة. تنحصرُ الأبحاث في شخصّياتٍ مُعيّنةٍ وغالباً ما تكون تاريخيّةً في غياب قد يكون تامًاً للكتّاب الجُدُد.
حرق الفرص
وعن التحديات الأخرى التي تواجه مسيرة الرواية والأدب الإماراتي يقول إن عدم وجود خطّة متكاملة تدعمُ صناعة (روائيٍّ إماراتيّ). يعد من أهم الأسباب الرئيسية إلى جانب تهميش الاستفادة من تواجد النقّاد والكتّاب العرب في دعم الرّوايات الإماراتيّة عن طريق النّقد والكتابة وتدريب الرّوائي الإماراتيّ.
وحرقُ الفرص التي توفّرها الفعاليات الثقافيّة وتُفيد في احتكاك الكاتب المحليّ بالكتّاب العرب الكبار والنقّاد، بما يدعم تواجدها في الجوائز العربيّة فباستطاعة تلك المؤسسات أن تضع كاتباً إماراتياً في ورشةٍ أو محاضرةٍ إلى جوار أحد الكتّاب الكبار.
الكاتبة الإبداعية
وحول المتطلبات اللازمة لتحقيق معادلة وصول الرواية الإماراتية إلى الجوائز الأدبية المرموقة محلياً وعالمياً تقول الكاتبة والروائية شهد الراوي إن حضور الكتابة الإبداعيّةُ كمادّةً دراسيّةً من أولى الوسائل لتحقيق هذا الهدف فمن المعروف أن تخصّص الكتابة الإبداعيّة يعدّ من التخصّصات الشائعة في الجامعات العالمية والمؤسّسات الأكاديميّة التي تهتمّ بالكاتب المبدع.
وهذا التّخصص -على حدّ علمي- ليس مُتاحاً في الجامعات العربيّة؛ ذلك لأننا لم ندرك التّعقيد التّقنيّ لهذا الفن، مثله مثل الفن التّشكيليّ والعمارة وغيرها من الفنون.
وهذا باعتقادي له علاقةٌ بحداثة الفن الرّوائي في بلداننا، لأنّنا لم نكتب الرواية إلّا في مرحلةٍ ما من القرن الماضي. وكانت في بدايتها لا تعدّ من الفنون المعتَبَرة، بل عُدّت ممارسةً كتابيّةً أقلّ أهميّةً من الشّعر. لكن الحقيقة ليست كذلك؛ فالرواية فنٌّ يزداد تعقيدًا كلّما تعقّدت الحياة، لذلك فهي ملحمة المدينة كما يُطلق عليها، أو الصّورة التّعبيرية الملائمة لحالة الوعي في المجتمع الحديث.
معوقات النشر
وحول تأثير صناعة الكِتاب في وصول الرواية الإماراتية إلى قوائم الجوائز العالمية تقول الراوي: الكِتاب صناعةٌ تمرّ بمراحل إنتاجٍ متعدّدة ومنها الوكيل الأدبي، وهي مهنة للأسف الشّديد لم تتطور لدينا على الرغم أنها حلقةٌ مهمّةٌ وضروريّةٌ في نجاح العمل الأدبيّ، وكذلك في الترجمة إلى اللّغات الأخرى.
وبغيابِ هذه الحلقة، بقيَ الكاتب العربي أعزلَ يبذلُ جهوداً مُضنيةً في سبيل نشر عمله، أو التّرويج له، ومن ثمّ السّعي إلى ترجمته.
بالتوازي مع دور المحرّر الأدبيّ: هذا العنصر المهمّ هو الآخر يكاد يكون غائباً عن صناعة الكتاب العربيّ. وهو يعبّر عن عمليةٍ مُلتبسةٍ تتعلّق بالطّرفين؛ فالكاتب العربي يأنفُ من مراجعة محرّرٍ مُتخصّصٍ يشيرهُ إلى نقاط القوّة والضّعف في عمله، ويمتلك صلاحية العمل والمراجعة على النّص.
والمحرّر العربيُّ غائبٌ بدَوره لأنه يعتقدُ أنّه مُسلّحٌ بأدواتٍ لا يمتلكها الكاتب، فلماذا لا يكون هو المؤلّف بدورِه؟ ومن هنا نعثرُ على الكثير من الأعمال التي كُتِبَت بتقنيةٍ عالية، ولكنها بلا روح، كما نعثر على أعمالٍ تعاني من مشاكل تحريريّة، لكنها تنطوي على قوّةٍ إبداعيّة في الخيال والمشاعر.
مواهب الجيل
ومن جانب آخر ناقشت الكاتبة الصحفية عائشة سلطان أهمية الإبداع وتبني الموهوبين من الجيل الجديد للكتّاب الإماراتيين، مؤكدة أن الحديث عن الحياة الأدبيّة في الإمارات: يطولُ ولا يتوقّف في الحقيقة؛ لأن لدينا من مقوّمات هذا الحياة الأدبيّة والإبداعية الكثير والكثير جداً.
حيث لم تدّخر الدولة جهداً ولا مالاً إضافة للقوانين والتشريعات والقرارات للنهوض بالحياة الأدبيّة والإسهام في المشاريع والتوجّهات التي من شأنها النهوض بالكاتب الإماراتيّ والحياة الأدبيّة الإماراتيّة، فقدّمت الكثير الكثير، على سبيل المثال لا الحصر هناك 55 جائزة تمثّل أكبر عددٍ من الجوائز على مستوى الوطن العربي، حراك فعال للمهرجانات ومعارض الكتب الدولية إلى جانب حضور المبادرات الثقافية كتحدي القراءة، وعام القراءة، وقانون القراءة، وترجمة النّتاج الأدبيّ الإماراتيّ.
اكتشاف القدرات
وتوضح عائشة سلطان: إن الأدب هو أحد الطّرق المؤثّرة جدًّا للتعبير عن هويّتنا وثقافتنا وصورتنا المجتمعيّة؛ من حيث تقديمها لشبابنا القارئ ولطلّابنا في المدارس، ومن ناحيةٍ أخرى تقديمها للخارج لإثبات صوتنا الأدبيّ وصورتنا بشكلٍ عامٍّ عبر إنتاجنا من الروايات والقصص والكتابات المختلفة.
أما عن كيفية الاهتمام بالكتاب المتميزين والدّفع بهم نحو مزيدٍ من الإبداع والمنافسة داخليًّا وخارجيًّا، فإن البداية الصحيحة لا بدّ تبدأ بالبحث الدائم والمنهجيّ للكشف عن المواهب بين الشّباب في المدارس أولّا، عن طريق مناهج وأنشطة ومختصّين في جانب تربية الإبداع والعناية به، ووضع قواعد وأسس لاختبارات وقياسات ذكاء معتمدة لاكتشاف الأذكياء والموهوبين في المدارس منذ الصّغر.
ثقافة الاستثمار
وترى عائشة سلطان: لا بد من توفير فرص تربوية تتناسبُ مع مواهبهم. التعامل معهم في مجالات الأدب والفكر والفن والموسيقى بنفس العقليّة والثّقافة التي نتعامل بها مع لاعبي كرة القدم؛ أي ثقافة الاستثمار في قدرات الموهوبين؛ لأن كلّ موهوبٍ هو قوّةٌ حقيقيّةٌ لمستقبل بلده.
وليس علينا ترك الموهوبين من الكتاب الإماراتيّين دون دعمٍ ودون اهتمام، وجعلهم عُرضةً لمبادراتٍ ينظّمها أصحابها وفقًا لمنطق المزاجيّة والعلاقات الشّخصية أو بالاعتماد على شهرة وسائل التواصل الاجتماعي وعدد المتابعين، تعدّ كلها واحدة من كوارث المؤسّسات الثقافيّة للأسف في تعاملها مع الكتّاب والموهوبين الإماراتيّين (كتاب الرواية، والقصة، والتلفزيون، والمسرح، والصحافة..).
دور الناقد
وأشارت عائشة سلطان إلى أن اللّهجة العاميّة مكانها ليس في الكتابة الإبداعيّة، ونحن لن نحافظ على هويتنا بهذه الطريقة.
إذن؛ لنصل إلى منصات التّتويج في الجوائز العالمية أو الخارجية يتوجّب أولاً بالضّرورة أن نشارك في المسابقات والبرامج والجوائز المحليّة، وأن يسلّط الضّوء وتُعرض الأفلام عن نِتاجاتنا في القصة والرّواية والقصيدة و... إلخ، وهذا بالتأكيد هو دور النّقاد، ثم يلي ذلك الاحتفاء بالكاتب ومنحه الفرص ليتحدّث ويعرض أفكاره ويناقش كُتبه ويواجه الجمهور ويناقشه ويتعرّف إليه، ومن ثم يصل إلى نيل الجوائز المحليّة كخطوةٍ أساسٍ ليتمكّن من حوض التجربة ومعرفة آفاق التّحدي ومتطلّباته، ليتمكّن من منافسة عشرات الكتّاب والمبدعين المشاركين من مختلف دول العالم العربي.
مع الانتباه إلى أن الأمور لا علاقة لها بتفضيلات معيّنة ومواضيع خاصّة عند لجان التحكيم فيما يخصّ الرواية والقصة؛ فالمطلوب أوّلاً تقديمُ نصٍّ بمواصفاتٍ احترافيّةٍ عاليةٍ من حيث اللغة والأصالة وأساليب وتقنيات السّرد، بعيداً عن موضوع القصة أو شكلها، سواء كانت كلاسيكية أو تجريبية أو غير ذلك.