أصبحت دولة الإمارات نموذجاً عالمياً يحتذى في التنوع الثقافي والإبداع، إذ تحتضن مختلف الرؤى الحضارية وتجعلها في صيغ حوار تتناغم مع صون خصوصياتها، وبذا فإنها خير دولة تسهم في تعزيز التنوع الفكري العالمي والاحتفاء به وتكريسه نهجاً وشعاراً عالمياً..

وتبرز في هذا السياق، فعاليات وبرامج دبي، التي نجحت في أن تصبح واحة للتنوع الثقافي العالمي، وتكريس الإبداع والتناغم الحضاري صيغ حياة مشتركة بين الجنسيات المتنوعة.

وجعل الثقافة رافعة لاحترام الاختلاف والتعاون في سبيل خير الإنسامية ورفاهيتها، وهو ما يتجلى في فعالياتها ومرافقها الترفيهية المتنوعة، مثل: فعاليات وسط المدينة بجانب نافورة دبي وسوى ذلك من الأمكنة، «مهرجان سكة»، آرت دبي»..وغير ذلك الكثير.

«البيان» في مناسبة احتفاء المعمورة بـ«اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية» الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة في 21 مايو من كل عام بهدف تشجيع الحوار بين جميع الحضارات والثقافات على أسس الاحترام والتفاهم المتبادل، تضيء على مفاعيل التنوع الثقافي وسياقاته وتجلياته في الدولة، عبر آراء مجموعة من الكتاب البارزين.

وخصوصاً أن هذه المناسبة تمثل فرصة للاحتفال بأشكال الثقافة المتعددة وحقولها ومن ذلك التراث الثقافي المادي وغير المادي والصناعات الإبداعية ومختلف أشكال التعبير الثقافي، إضافة إلى التأمل في كيفية إشراك هذا التنوع الثري في تعزيز أواصر الحوار والتفاهم المتبادلين وسبل نقل التنمية الاجتماعية والبيئية والاقتصادية المستدامة.

يقول الكاتب والإعلامي علي عبيد الهاملي نائب رئيس مجلس إدارة ندوة الثقافة والعلوم في دبي: يؤكد الخبراء أن لثلاثة أرباع الصراعات الكبرى في العالم أبعاداً ثقافية، ولهذا فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة حين أعلنت سنة 2002 قرارها باحتساب يوم 21 مايو من كل عام يوماً عالمياً للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، بعدما اعتمدت يونسكو سنة 2001 الإعلان العالمي للتنوع الثقافي، كانت تهدف إلى إشراك الثقافة في إطفاء نار الصراعات...

ويتابع علي عبيد الهاملي: لا شك في أن الحوار الثقافي البديل الأنسب والأصوب لحوار الطائرات والدبابات والمدافع والبنادق، هذا الحوار الذي كبد البشرية ملايين القتلى والجرحى والمشردين عبر السنين الماضية من عمر البشرية، والذي يظهر لنا جلياً في عصرنا هذا. وإذا كان التنوع الثقافي مطلباً مهماً ورئيساً في مجتمعات اليوم.

فإن مجتمع الإمارات أفضل نموذج يمكن أن نقدمه لهذا التنوع، إذ يعيش على أرض الإمارات أكثر من مئتي جنسية، ينتمون إلى ثقافات متعددة ومختلفة، بعضها يتصارع في وطنه الأصلي، ومع هذا يجتمعون على أرض الإمارات في ود وانسجام وتآلف، لا تفرق بينهم هذه الثقافات، وإنما تدفعهم إلى الاندماج في مجتمع واحد، يحققون فيه أمنياتهم وطموحاتهم التي لم يستطيعوا تحقيقها في أوطانهم الأصلية.

إننا حين نحتفل كل عام بهذا اليوم، فنحن إنما نحتفل بتحقيق نموذجنا الخاص والفريد للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية.

تراث الشعوب

وقال الشاعر عادل خزام: شكلت التعددية الثقافية الأساس الأول لنهوض الحضارات عبر التاريخ كله. ولنا في تراثنا العربي والإسلامي خير مثال على ذلك فحينما اتسعت الفتوحات واختلطت الثقافة العربية والإسلامية بتراث الشعوب والأقوام الأخرى بما أسفر عن تلاقح فكري وثقافي مذهل أنتج هذه الحضارة الزاهية التي لا يزال نورها يشع علينا حتى اليوم.

ويواصل خزام: من وجهة نظر فلسفية، فإن التعددية أصبحت اليوم هوية بحد ذاتها، وفي مضمونها العميق تعني أن الشخص الذي يحافظ على جذوره وأصالته ويكون منفتحاً على ثقافات الشعوب ويقبل الحوار مع الآخرين، هو الذي يمتلك مقومات الاستمرار والإبداع والتطور الجميل، على عكس المنغلقين وأصحاب الفكر الضيق والأحادي الذين ينتهي بهم المطاف إلى التصادم والرجعية والركون إلى الخوف.

لقاء

و في هذا الخصوص تقول الأديبة عائشة مصبح العاجل: إن التقاء الثقافات والحضارات والأديان والانفتاح العالمي شكّل صورة التحضر والتمدن والارتقاء في شتى المجالات وعلى جميع الصعد، وعبره أُثريت المحافل والمعارض والحوارات الفكرية والثقافية وشكلت بنى الفكر المعاصر والحديث المشتغل على انعطافات التحرر والتمدن والحداثة والمرتبط بالأصالة والهوية والقيم الإنسانية.

وهي الركائز النوعية التي تسعى قيادة الإمارات لترسيخها وتعزيزها، حيث تحرص على تكريس النهج الفكري العالمي المنفتح على الآخر من دون تجاوز قيم المجتمعيات وأعرافها وعاداتها وهويتها.

وتضيف عائشة: أنجزت معاول التنمية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية مقاصدها في البناءات المختلفة إثر هذا الانفتاح والتمازج والاستفادة من أفضل الخبرات والممارسات والمهارات العالمية وتمكينها في الواقع من أجل نهضة تنموية شاملة ومستدامة وإنسانية، في عالمنا ولأن الثقافة هي الشمولية في التفكر والتحول والتمكن.

كان الانفتاح فرصة للتماهي العالمي والتموضع في مقدمة الدول التنموية المناهضة للفكر الإنساني المتطور والتي تفوقت على نفسها عبر الاستعداد والاستلهام والقدرات والتنبؤ المستقبلي لنتائج هذا الانفتاح على الفرد والمجتمع والالتقاء بالآخر.

قاموس وإنجازات

يرى الشاعر الإماراتي عادل خزام أن الكثير من البلدان تذهب اليوم إلى احتساب التعددية الثقافية أسلوباً وشرطاً للحياة المعاصرة مع انفتاح العالم على بعضه بعضاً، وخير مثال على ذلك دولة الإمارات التي عدّت التعددية منهج عمل في الكثير من المؤسسات الحكومية والوطنية حتى أصبحت قيم التسامح والتعايش والحوار البنّاء مع الآخرين مفردات أساسية في قاموس الدولة الفكري والسياسي والاجتماعي.

والتعددية الثقافية هي التي أفرزت لنا معارض الفنون الضخمة التي نراها في الإمارات، وهي التي جذبت المواهب العالمية للمجيء للدولة والإقامة فيها.