للحوار مع الروائي العراقي أزهر جرجيس، المتأهل بروايته «حجر السعادة» للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، طابع خاص، حيث تأخذنا التفاصيل للحديث عن واقعه وحنينه بعد عشرين سنة عاشها بعيداً عن وطنه، واستطاع من خلال غنى المتخيل وموهبته، وذاكرته التي يحتفظ بها عن بغداد المتعبة، أن يؤسس مشروعه الروائي ويكتب أعماله المتميزة، ماضياً بعدسته الجوالة وقلمه المُنَقب، ليجدد خرائط الأوطان بالإنسان المنفي عن وطنه، ويوثق تاريخاً بقلبه وعينه عن أدب الشتات، واليوم تحاوره صحيفة «البيان» حول عوالمه وسيرته:

بوصفك روائياً يعيش في النرويج الآمنة، هل ما زلت تشعر بالمنفى، أم هناك تشكل الوعي والأفكار والأعمال؟

بعد عشرين عاماً قضيتها بعيداً عن العراق، لم يعد هاجس المنفى مخيفاً بالنسبة لي، لا سيما أن طوفان «التواصل الاجتماعي» قد بعثر خريطة الأمكنة وقرب المسافات. لحسن الحظ أنني هاجرت شاباً، الأمر الذي وفّر لي شريط ذاكرة ممتلئاً كان بمنزلة زوّادة خلف منضدة الكتابة ههنا.

روايتك «حجر السعادة» التي تأهلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، تُعد كوميديا سوداء، فهل كتبتها بتقنية مؤلف ذكي؟ أم أنها تدريب المخيلة لديك على واقع يئستَ منه؟

كان الشاعر والروائي الأمريكي تشارلز ويلفورد يقول: «فقط أخبرهم بالحقيقة وسيتهمونك بكتابة الكوميديا السوداء»، وهذا ما حصل معي حين كتبت «حجر السعادة»، لقد غزلت من المخيلة قصة تحاكي الواقع «المرّ»، فأمسيت الآن متهماً بالكوميديا السوداء، لا بأس بذلك، إنها تهمة لذيذة.

بطل روايتك مصور وصاحب عدسة، يتورط أثناء تصويره.. كيف تجلت لك هذه الفكرة الخلاقة بأبعادها المتجددة؟

لطالما أسرتني فكرة حمل الكاميرا والتجوال في الأزقة، وكان أول ما فعلته عند زيارتي الأولى لبغداد أن ذهبت برفقة بعض الأصدقاء في جولة تصوير لأزقة الحيدر خانة ومقاربات شارع الرشيد، والتقطت الكثير من الصور. صحيح أن الأزقة لم تعد هي الأزقة، والمدينة بدت متعبة، إلا أنني خرجت في النهاية محمّلاً بفكرة اغتيال الشاهد بغية طمس الحقيقة، فالمصور شاهد يدوّن تاريخ المدن وما يجري على أهلها، بعينه وقلبه، وهو إذ ذاك لن يكون في مأمن من يد القتلة.

نعلم جميعاً أن الرواية تتغذى من الأمكنة، ومنها تؤسس لعبورها، برأيك هل من الضرورة على الروائي ترويض لغة هذا المكان؟

على الرغم من الاختلاف الكبير في الأمكنة فإنني أرى ضرورة أن يتحدث أبطال الرواية لغة الروي ذاتها، وأعني العربية بالطبع، فليس من المنطق أن نقدم للقارئ العربي نصاً حواراته موغلة بالمحلية يحتاج بعضها إلى قاموس من أجل فك شفرتها، ثم نطالبه بالتفاعل. نعم، قد يرد لفظ غريب هنا وهناك مما يمكن الاستعانة عليه بهامش أسفل الصفحة، لكن أن تسوّد صفحات الرواية بالعُجمة بداعي بث الروح في شخصيات الرواية، فهذا ما لا أفهمه واقعاً!

كيف ترى اليوم الوضع الاعتباري للروائي في مجتمعاتنا العربية؟

بعد تراجع الشعر وتقدم السرد إلى الواجهة، صار القارئ العربي يحفظ ويتداول الاقتباسات الروائية بدلاً من القصائد، وهذا بطبيعة الحال قد انعكس إيجاباً على الوضع الاعتباري للروائي، فلم يعد صوته خافتاً في خريطة المشهد الأدبي.

ما القضية الأولى لأزهر جرجيس في هذه الحياة؟

الضعفاء والمهمشون قضيتي الأولى، تلك الأرواح المنكسرة التي تحتاج إلى المزيد من المداواة والتطبيب. أشعر بأن الكتابة عن هؤلاء واجبة كالصلاة.

حدثنا عن طفولتك، هل تذكر تلك الشرارة التي انطلقت كرسالة بأنك روائي لا محالة؟

في طفولتي حلمت أن أكون لاعب كرة قدم وفشلت، ثم حلمت أن أكون عازف كمان وفشلت، ثم ممثلاً وفشلت، لقد فشلت في تحقيق الكثير من الأحلام آنذاك، لكنني نجحت في الكتابة عنها. في تلك اللحظة التي كتبت فيها قصة عن بطل فاشل، راودني شعور بأنني سأكون روائياً ذات يوم.

كيف هي طقوسك في الكتابة؟

الكثير من القهوة والموسيقى، والجلوس في زاوية المقهى، هذا كل ما أفعله لاستدرار الكتابة. لا أظن أنها طقوس خاصة، فلربما يفعلها الكثير، غير أنني مواظب عليها بشكل يومي.

حدثنا عن أحلامك كروائي؟ وعملك المقبل؟

أحلم ببناء بيت لإيواء الأطفال المشردين في بغداد، شرط أن يقرأوا كل ليلة قصة، سأوفر لهم الخبز والقصص، ومن لا يجيد القراءة والكتابة منهم أحرص على تعليمه.. سأموت سعيداً لو تحقق هذا الحلم. أما القادم، فهنالك مسودة رواية لم تكتمل بعد.