خليل مطران 2-2

«أصدق شعراء القومية العربية»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لم نستطع أن ننهي حوارنا مع الشاعر خليل مطران رغم طول الوقت الذي منحنا إياه، ولذلك قرعنا باب قبره لنوقظه ونكمل معه هذا الحوار الافتراضي.

قلت: أيها الشاعر الحي الميت.. خليل مطران، سلام عليك.

قال: وعليك السلام.. ولكن لماذا لا تقول الميت الحي

قلت: ما الفرق؟

قال: أن أكون ميتاً حياً أفضل من أن أكون حياً ميتاً.. أنا أحب الحياة.

قلت: كما تشاء.. وعلى ذكر الحب.. هل أحببت؟ وهل جسدت حبك شعراً؟

قال: الحب والشعر توأمان.. لقد عشت قصة حب مأساوية.. ولعلني لم أعش غيرها.

قلت: ولماذا كانت مأساوية؟

قال: لأنني اكتشفت أن من أحببتها تعاني مرضاً في الرئتين.. ولم تعش طويلاً بسبب هذا المرض ولكنني عشت بعد وفاتها متسربلاً بالحزن، ذارفاً للدموع.

قلت: ألم يزر قلبك غيرها بعد موتها؟

قال: عندما يكون الحب حقيقياً لا يمكن محوه حتى ولو توافدت إلى قلبك عشرات العاشقات.

قلت: ولكنك رغم ذلك تزوجت وصار لديك أولاد.

قال: نعم.. هذا صحيح.. ولكن الحب الأول لا ينسى خصوصاً عندما ينتهي بمأساة.

قلت: هاجرت إلى باريس بسبب التهديدات التي تلقيتها بعد قصائدك الوطنية، فهل توقفت عنها في فرنسا؟

قال: مشاعري الوطنية والقومية هي التي صنعت مني شاعراً فكان من المستحيل أن أصمت في فرنسا، بل استمرت قصائدي الوطنية وحتى عملي الوطني لم يتوقف.

قلت: لم تستقر في فرنسا طويلاً.. وكانت مصر هي الوطن الثاني لك بعد لبنان، فماذا دفعك للاستقرار هناك؟

قال: في مصر، كانت النهضة الفكرية قد بدأت وكانت الحركات الوطنية قد حققت الكثير من الإنجازات، وقد أنشأت بعد تركي جريدة الأهرام وتوقف «المجلة المصرية» التي أصدرتها، أنشأت جريدة الجوانب المصرية اليومية والتي ناصرت فيها المناضل المصري مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية.

قلت: كم استمرت هذه الجريدة؟

قال: أربع سنوات.

قلت: هل يمكن أن نستمع إلى مثال لشعرك الوطني آنذاك؟

قال: قلت:

شرِّدُوا أَخْيَـارَهَـا بَحْرًا وَبَرّا

وَاقْتُلُـوا أَحْـرَارهَا حُـرًّا فَحُـرَّا

إِنَّما الصَّـالِحُ يَبْقَى صَـالِحـاً

آخِرَ الدَّهْــرِ وَيَبْقَى الشَّرُّ شَرَّا

كَسرُوا الأَقْلامَ هَلْ تَكْسِيرُهَا

يَمْنَعُ الأَيْدي أَنْ تَنْقُشَ صَخْرَا

قَطِّعُوا الأَيْــديَ هَلْ تَقْطِيعُها

يَمنَعُ الأَعْيُنَ أَنْ تَنْظُــرَ شَزْرَا

أَطْفِئُوا الأَعْيُنَ هَلْ إِطْفَاؤُهَا

يَمْنَعُ الأَنْفَاسَ أَنْ تصْعَدَ زَفْرَا

أَخْمِدُوا الأَنْفَاسَ هَذَا جُهْدُكمْ

وَبِه مَنْجَـاتُنَـــا مِنْكُـــمْ فَشكْرَا

قلت: عشت في مصر وكأنك مصري لا لبناني فكيف كان ينظر إليك من الجهات الرسمية؟

قال: الجميع كان ينظر إلي كمواطن مصري، حتى وزارة المعارف المصرية كلفتني مع الشاعر حافظ إبراهيم ترجمة كتاب الموجز في علم الاقتصاد.

قلت: وما علاقتك أنت وحافظ إبراهيم بالاقتصاد؟

قال: كان ذلك العلم جديداً، وكنا نتوق لدراسته ومعرفته فعملت مع حافظ إبراهيم في هذا المجال وقتاً طويلاً.

قلت: والشعر؟

قال: لم أتخل عنه.

قلت: هل حاولت التجديد في شعرك؟

قال: أُعتبر واحداً من رواد حركة التجديد.

قلت: انتشرت في أيامنا حركة تسمى قصيدة النثر أو الشعر المنثور.. فهل كان هناك في زمانك حركة تجديد للشعر؟

قال: بل إنني كنت واحداً من الذين بادروا إلى ما سميناه في زماننا بالشعر المنثور.

قلت: (مستغرباً) عجباً.. هل نظمت قصيدة النثر؟

قال: بل لعلني أول من نظم هذا النوع من الشعر.

قلت: كيف؟

قال: في حفل تأبين المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي ألقيت قصيدة نثرية قلت فيها:

أطْلِقْ عَبَرَاتِكَ مِنْ حُكْمِ الوَزْنِ وَقَيْد القافيةْ

وَصَعِّدْ زَفَرَاتِكَ غَيْرَ مُقطَّعةٍ عَرُوْضًا

وَلا مَحْبُوسَةً في نِظامْ

قُلْ وَقَدْ نَظَرتَ إلى المَوْتِ وَهُوَ قاتلٌ عَامِدْ

لا عَتْبَ على الحِمَامِ

هُوَ الظُّلمةُ

وَالحَيَاةُ النُّورْ

هُوَ الأصْلُ الأزَليُّ الأبَديُّ

وَالنُّورُ حَادِثٌ زَائلْ

المَائتُ وَرَاءَ المَيِّتِ

أتَبْكِي مَيْتًا وَأنْتَ مَائِتْ؟

لَئِنْ مَاتَ اليَازجيُّ

فَقَدْ مَاتَ مِنْ قبلِهِ النَّبيُّونْ

وَمَاتَتْ أُمَمٌ أهَانَ الرَّدَى أعِزَّاءَهَا

وَصَغَّرَ كُبَرَاءَها

فَلِمَ تبكُونَ رَاحِلاً أيُّهَا الرَّاحِلونَ؟

قلت: ولماذا سميت هذا النثر شعراً؟

قال: لأنه ليس كالنثر.

قلت: وليس كالشعر أيضاً.

قال: لا أريد الدخول معك في نقاش حول هذا النوع من الشعر.. فأنا لم أنظم في حياتي من الشعر المنثور غير هذا الرثاء.

قلت: أليس الشعر هو شكل أدبي له إيقاع أي وزن وله قافية؟

قال: لعلني في ذلك الوقت ضقت ذرعاً بالقيود.

قلت: ما يشفع لك أن جميع شعرك كان عمودياً.

قال: أنا لم أتخل عن الشعر العمودي ولكنني جددت فيه.

قلت: هل توافق أنك شاعر رومانسي.

قال: طبعاً أوافق.. والمدرسة الرومانسية التي ينتمي إليها شعري، دفعتني إليها ثقافتي الفرنسية.

قلت: هل نستمع إلى بعض أبيات من شعرك الرومانسي.

قال: قلت:

يَا مُنَى الْقَلْبِ وَنُورَ العَيْـنِ مُذْ كُنْــتُ وَكُنْــتِ

لَمْ أَشَـأْ أَنْ يَعْـلَمَ النَّــاسُ بِمَا صُنْتُ وَصُنْــتِ

وَلِمَـا حَـــاذَرْتُ مِــنْ فِطْنَتِهِــمْ فِينَــا فَطِـنْـتِ

إِنَّ لَيْــــلَايَ وَهِنْــدِي وَسُعَـــادِي مَنْ ظَنَنْتِ

تَكْثــــرُ الأَسْمَــــاءُ لَكِــنَّ المُسَمَّى هُــوَ أَنْتِ

قلت: هل أتاك ما قاله بعض النقاد عنك؟

قال: وماذا قالوا؟

قلت: اسمع أيها الشاعر الكبير ما قاله الدكتور ميشال جحا الأديب اللبناني الذي قام بنشر دراسة عنك.

قال: كلي آذان صاغية.

قلت: قال: إن شوقي وحافظ ومطران يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكرنا بالثالوث الأموي: الأخطل وجرير والفرزدق.

قال: لم يخطئ.

قلت: الشاعر صالح جودت قال: إنك أصدق شعراء العرب تمثيلاً للقومية العربية.

قال: أصاب.

قلت: أما طه حسين، فقد خاطبك قائلاً: إنك زعيم الشعر العربي المعاصر وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين.

قال: ألا تشعر أنك أرهقتني.

قلت: لا يمكن أن ننهي هذا اللقاء من دون الاستماع إلى شيء من شعرك.

قال: حاضر.

 

Email