الحرف الدمشقية على حافة الاندثار

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

دمشق مدينة عريقة صدرت إبداعاتها إلى معظم دول العالم، تتوزع صناعاتها الإبداعية في كل شارع من شوارعها القديمة، لتشكل متحفاً متكاملاً، يبهر الأنظار بإبداعات أبنائها، فـ«البروكار» أحد أعرق الصناعات الدمشقية، اقتناه باباوات الفاتيكان، وصولاً إلى فستان زفاف الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، والغرف الدمشقية تتواجد في العديد من المتاحف العالمية، ناهيك عن الآلات الموسيقية الشرقية، وصناعة النحاسيات وغيرها.

وعلى الرغم من تعالي الأصوات عالمياً بالاهتمام بالاقتصاد الإبداعي، التي تشكل تلك الحرف إحدى مفرداته، تصارع تلك الحرف في دمشق للبقاء، بعد أزمة مدمرة تأثر بتداعياتها البشر والحجر.

أكد مؤسس مركز الفن الدمشقي محمد حاج قاب لـ«البيان»: إن «المواضيع الإبداعية في دمشق متعددة، كالإبداع الفني، الإبداع التطبيقي، الإبداع الزراعي كزراعة الوردة الشامية والياسمين والروائح العطرة وتخمير الورود واستخراج المادة العطرية أو المادة المفيدة، والصناعة عبر التاريخ كصناعة السيوف الدمشقية، والتجارة، إذ تميز التجار بدمشق بثقافة عالية تمكنوا من خلالها من جلب المواد واستقطابها عبر طرق التجارة القديمة كطريق البخور وطريق التوابل وطريق الحرير».

وأضاف حاج قاب، المدرس السابق في معهد الفنون التطبيقية، إن «أهمية هذه الحرف هي تحويل المواد الأولية الصماء إلى قطع إبداعية متقنة، فصدفة من البحر أو قطعة خشبية صماء، قد تتحول إلى قطعة فنية محفورة ومنقوشة بأنواع متعددة لها تاريخ، كالرسمة الأيوبية أو الفاطمية أو زخرفة تعود للعصر الأموي أو العباسي، أو خليط من هذه العصور، يتهافت عليها الذواقون في العالم لاقتنائها ووضعها في بيوتهم».

وتابع: إن «الكثير من المنتجات الإبداعية في دمشق يتفاخر العالم باقتنائها مثل «القاعة الدمشقية»، والتي تتزين جدرانها بفن العجمي (الفن الدمشقي) وهي موجودة في متاحف عالمية عدة، وينطبق ذلك على الصدف والنقش على النحاس والبروكار الدمشقي، الذي يسمى في أوروبا بـ«دامسكو» نسبة إلى دمشق».

سياحة

تأثرت الحرف الإبداعية الدمشقية بشكل كبير، واقترب البعض منها إلى الاندثار بسبب الأزمة من خلال غياب السياح العرب والأجانب، وارتفاع أسعار المواد بشكل جنوني، بسبب العقوبات الاقتصادية، وهجرة العمالة، وضعف القدرة الشرائية للسوريين، خاصة إذا علمنا أن المنتجات الحرفية الدمشقية باهظة الثمن.

ويقول معروف الخوري أحد العاملين في قطاع الشرقيات لـ«البيان»: إن «العديد من المنتجات الحرفية الدمشقية كانت تعتمد على السياح وخاصة البروكار والصدف وغيرها، وهذا أدى إلى توقف حرف منها صناعة البروكار، بسبب غلاء أسعارها حيث يتراوح سعر المتر بين 50 وإلى 150 دولاراً، وليس بمقدور السوريين في الأزمة اقتنائها وأصبحت كماليات الكماليات».

وكانت سوريا شهدت ازدهاراً كبيراً في القطاع السياحي قبل الأزمة، حيث وصل عدد السياح في عام 2010 إلى أكثر من 8.5 ملايين شخص سنوياً بارتفاع قدره 40% عن العام الذي قبله، وكان قطاع السياحة يسهم بـ 11.2% من الناتج الإجمالي المحلي في سوريا والبالغ في نفس العام 60 مليار دولار آنذاك، إلا أن السياحة كانت من أكثر القطاعات تضرراً بسبب الحرب التي شهدتها البلاد حيث انخفضت نسبة السياحة إلى أكثر من 98% في عام 2015 وفقاً لتصريحات رسمية.

وعلى الرغم من أرقام المكتب المركزي للإحصاء، أظهرت ازدياد عدد السياح القادمين إلى سوريا في عام 2018 نحو مليون و800 ألف شخص، كما وصل عددهم في عام 2019 إلى مليونين و400 ألف شخص، إلا أنه تبين أن 70% منهم من اللبنانيين والعراقيين لا يدخلون بالضرورة بغرض السياحة الفعلية، وقد يكون لهم في سوريا إما أعمال تجارية وإما عائلات يدخلون بهدف زيارتها.

يقول حاج قاب: إن الاقتصاد الإبداعي ومنها هذه الحرف تأثرت بشكل كبير من الأزمة من ناحية الأسعار، أو هجرة ونزوح العمالة، أو حتى نزوح هذه الحرف إلى مناطق أخرى داخل البلد، بسبب الحرب والعقوبات، أو في ما يتعلق بالمواد الأولية مثل إنتاج الحرير الطبيعي في البلاد، وظهور مواد مقلدة أو في محاولة لتزوير بعض المواد بسبب غلاء سعر المواد الأصلية.

وتابع: إن أحد الأسباب لتأثر هذه الحرف هو صعوبة اقتناء المواطن السوري العادي لمنتجاتها،بسبب ارتفاع سعرها من جهة وانخفاض الدخل بسبب الأزمة والعقوبات الاقتصادية من جهة أخرى.

وشهدت الفترة الأخيرة ارتفاعاً في أسعار المواد الأولية بسبب العقوبات الاقتصادية والتضخم، فعلى سبيل المثال يبلغ سعر المتر المكعب من خشب الجوز المحلي، الذي يدخل في الصناعات الخشبية وخاصة المطعمة بالصدف 13 مليون ليرة (5.148 دولاراً وفقاً للسعر الرسمي في سوريا الدولار = 2525 ليرة)، فيما يتجاوز سعر الكرسي الواحد المصنوع من خشب الزوج، وتم تطعيمه في الصدف أكثر من 3 ملايين ليرة سوريا، في حين يرزح 90% من السوريين وفقاً لإحصاءات رسمية وأممية تحت خط الفقر، فيما لا يتجاوز سقف أعلى أجر للعاملين في الدولة 160 ألف ليرة سورية.

غياب الإحصاءات

في ظل غياب الإحصاءات الرسمية لمساهمة الاقتصاد الإبداعي في الناتج الإجمالي المحلي من جهة، وأخرى تتعلق بطبيعة الحرف اليدوية وتأثرها من جهة أخرى، تبين من خلال أصحاب الحرف التقليدية، التي استطلعت «البيان» آراءهم أن هذا الحرف تأثرت بشكل كبير وصل في بعض منها إلى حافة الاندثار فعلاً، حيث لم يبق إلا نول واحد في دمشق أو نولان لصنع البروكار، في حين كانت بعض المحلات تحوي عشرات الأنوال، التي يتم العمل بها قبل الأزمة، فيما تبين أن عدد ورش النقش والحفر على النحاس تبلغ 4 فقط، بعد أن كانت قبل الأزمة تزيد على 200 ورشة.

وفي حرفة العجمي (الفن الدمشقي) يبلغ عدد العاملين في هذه الحرفة حالياً يصل إلى 40 شخصاً فقط وموزعين على 12 ورشة، بعد أن كان هناك أكثر من 20 ورشة و120 عاملاً مع توقعات باندثار هذه المهنة بعد سنوات، فيما أغلقت مئات الورش العاملة في الصدف والموزاييك، وغيرها من المهن.

مبادرات

وفي ما يخص ظهور عدد من المبادرات المجتمعية للحفاظ على الحرف التقليدية من الاندثار، قال حاج قاب: إننا «نسمع عن هذا الأمر، وإقامة دورات تدريبية للحفاظ على مهنة ما غير مجدية، لافتاً إلى أنه للحفاظ على هذه المهن من الاندثار من وجهة نظري هو أدراجها كمواد نظرية في مناهج المدارس ثم تدرس عملياً في كلياتنا مع فتح باب التسهيلات المالية للحرفيين في هذا المجال».

 

Email