المقاهي الثقافية.. سيرة القاهرة ورموزها الإبداعية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

على مدار العقود الماضية، احتلت المقاهي الثقافية دوراً مركزياً في الحياة الثقافية بمصر، فمع اختلاف الظروف وتبدل الأحوال بقيت النقاشات هناك حاضرة، وكتاب وأدباء يخطون أعمالهم وسط صخب الحياة الذي يغمر هذا المكان، فكانت هذه المقاهي أحد المكونات التي حفظت نسيج المدينة.

المقاهي القاهرية التي أسهمت في تشكيل هوية المدينة في الماضي، تستمر في دورها لتشكل مستقبلها، حيث لا تزال مساحات رحبة تسع المثقفين من مختلف طبقات المجتمع المصري، ومن هنا تصحبكم «البيان» في رحلة إلى أهم هذه المقاهي، لنتعرف إليها عن قرب.

مقهى ريش

أسس المقهى، رجل الأعمال النمساوي بيرنارد ستينبرغ عام 1908، على أنقاض أحد قصور محمد علي باشا، ثم ما لبث أن باعه لرجل الأعمال الفرنسي هنري ريسن، الذي سمى المقهى باسم «ريش».

كان «الجرسونات» مزيجاً من اليونانيين والنوبيين، اليونانيون منهم يرتدون زياً أوروبياً (يونيفورم)، والنوبيون يرتدون زياً مزركشاً، بحسب ما ورد في كتاب «مقهى ريش.. عين على مصر»، للشاعرة ميسون صقر.

قدم هذا المقهى نموذجاً للقيمة التي تخلقها الأماكن، ففي كتابه «تاريخ مصر القومي 1914 ـ 1921» وصفه المؤرخ عبد الرحمن الرافعي بأنه ملتقى من طبقة الوسطى، كما يعرف بأنه مقر يجمع دعاة الثورة والمتحدثين بالشؤون العامة للبلد، وأيضاً كان للمقهى دور كبير في ثورة عام 1919.

واحتوى المقهى على قبو سري، كان يتم فيه طباعة المنشورات في أثناء ثورة 1919، وكانت تلتقي فيه منظمة اليد السوداء المسؤولة عن الجناح السري في حزب الوفد، ومن هذا المقهى انطلقت عديد من الاحتجاجات أبرزها عام 1972، حينما انطلقت ثورة الأدباء؛ احتجاجاً على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنفاني، كما كتب عنه الشاعر أحمد فؤاد نجم والروائي جمال الغيطاني.

وقد كان المقهى، وما زال، مع التغير في المساحة والموقع نسبياً ملتقى الأدباء والمثقفين، أمثال أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ ويوسف إدريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وصلاح جاهين وثروت أباظة ونجيب سرور وكمال الملاخ وغيرهم، ممن يحرصون على حضور ندوات محفوظ الأسبوعية التي كان يعقدها عصر يوم الجمعة منذ عام 1963 وحتى وفاته.

«الحرية»

يطل المقهى على ميدان الفلكي الشهير وسط القاهرة، افتتح عام 1936 باسمه الحالي، وفي بداية عهده كان المقهى مقصداً للضباط والجنود الإنجليز، ثم بدأ يتردد عليه فئات أخرى من المجتمع، مثل: الباشوات، والمثقفين، والضباط الأحرار، وبالأخص الرئيس السادات.

وارتبط مقهى الحرية بأسماء عدد من المشاهير، مثل الشيخ زكريا أحمد، والفنانين، أحمد رمزي، رشدي أباظة، وشكري سرحان، وزكريا الحجاوي، والمخرجين: فطين عبد الوهاب، وحسن الإمام، ومن لاعبي الكرة، عبد الكريم صقر، ومختار التتش.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح المقهى مكاناً مفضلاً لعدد كبير من الكتاب والأدباء والجماعات الثقافية الشبابية، التي تعقد جلساتها فيها، ساعد على ذلك المساحة الكبيرة التي يتمتع بها المقهى، كما أن ثمة ركناً خاصاً به مخصص للمشروبات الروحية.

«زهرة البستان»

أحد أكثر المقاهي الثقافية شهرة، ويقع على بعد خطوات قليلة من ميدان طلعت حرب، ولا يفصل بينه وبين مقهى ريش سوى ممر قصير، ذاع صيت هذا المقهى طويلاً على مدار نحو 80 عاماً منذ تأسيسه.

ازدادت أهمية هذا المقهى في خلال الفترة المؤقتة التي تم إغلاق مقهى ريش، إذ انتقل كثير من المثقفين إلى الجانب الداخلي منه، حيث يتسم بفضاء واسع لا يحده سقف، وأسعاره في متناول الجميع.

كما تنتشر مقاعد المقهى وكراسيه على الأرصفة الموازية والمقابلة للمقهى، وتسمح بلعب الطاولة، ويجتمع فيها المثقفون صباحاً ومساءً، يتابعون أحداث الحياة الثقافية، ما جعل كثيراً من الكتاب وشباب المثقفين من رواده، وفيما بعد أصبح كثير منهم من مشاهير الكتاب في العالم العربي، بحسب ما ورد في كتاب مقهى ريش، لميسون صقر.

ومن بين رواد المقهى الدائمين، الراحلون: سعيد الكفراوي، ومحمد عفيفي مصر، ويحيى الطاهر عبد الله، وجمال الغيطاني، وأحمد فؤاد نجم، ومكاوي سعيد، الذي يعد إحدى علامات وسط البلد، ومن بين الرواد الحاليين للمقهى: إبراهيم عبد المجيد، ووحيد الطويلة وسعدني السلاموني، ومدحت طه، وناجي شعيب، وصابر رشدي، وصبح موسى، وتوفي الحاج حمادة عبد اللطيف صاحب المقهى في فبراير 2019.

« الندوة الثقافية»

يقع هذا المقهى على بعد خطوات من مقهى ريش وزهرة البستان، وقريب من مقهى الحرية، إذ يطل على ميدان الفلكي في باب اللوق، وأنشئ في ستينيات القرن العشرين، وخلال هذا التاريخ، كان ملتقى لكبار المثقفين.

كان يشهد هذا المقهى ندوة ثقافية أسبوعياً، كان يحضرها نجيب محفوظ، وفاروق عبد القادر، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد، والفنان أحمد زكي، والفنان يحيى الفخراني، وكان يعرف المقهى بهدوئه، فلم يكن به تلفاز أو يسمح بلعب الطاولة أو الدومينو. كما كان يمنع تناول الطعام فيه، فقط كان به جهاز راديو صغير، يبث القرآن الكريم في الصباح، وطوال اليوم يختار الرواد ما يودون سماعه، لذا كان يعد المقهى مكاناً مناسباً لمن يبحثون عن العمل أو القراءة في هدوء.

« سوق الحميدية»

عند ذكر اسم «سوق الحميدية» الكائن بوسط القاهرة، يقفز إلى ذهنك أحد أكبر وأعرق أسواق دمشق، كما يستدعي الاسم أيضاً سنوات الوحدة بين مصر وسوريا، عندما تم تأسيس هذا المقهى في أثناء سنوات الوحدة، على يد السوري طلال النحاس، الذي توفي عام 2020 في جائحة كورونا، ومازال أبناؤه يديرون المقهى حتى الآن.

والمقهى مكون من طابقين ويفتح أبوابه على ميدان الفلكي، وقد حاز سوق الحميدية قبول الأدباء والفنانين، فكان يتجاور فيه الفنان محمد الدفراوي، والشاعر أمل دنقل، ويلتقي فيه الشاعر فاروق شوشة مع بعض أصدقائه، وفيه يتناول الصحفي المعروف عبد الوهاب مطاوع قهوته.

كما ظل الناقد الراحل فاروق عبد القادر يواظب على ندوته في سوق الحميدية، التي يطرح فيها آراءه النقدية المؤثرة في ركنه الذي يتغير حتى رحيله 2010.

 

Email