منطقة الخليج العربي في المجلة المصرية للعلوم السياسية

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في حلقات سابقة من «جذور» تطرقنا لعدد من المجلات العربية، التي صدرت في عقود من القرن العشرين سبقت عام 1971، وتصفحنا موضوعات من هذه المجلات، التي تحدثت عن منطقة الخليج العربي تأريخاً ولغة وأدباً وجغرافيا وسياسة واقتصاداً، وهي دراسات أردنا من خلالها توجيه الأنظار إلى مدى تمتع منطقة الخليج العربي باهتمام مثقفي وسياسيي وأدباء وكتاب العالم العربي قبل نشوء الدولة الاتحادية، وبقية دول الخليج العربية، لنتعرف على نوعية ذلك الاهتمام في فترة زمنية، كانت خلالها المنطقة ترزح تحت الإدارة البريطانية المهيمنة على مقدرات الأمور فيها.

وحديثنا حول مقالات تلك الفترة يكشف لنا مدى عمق الاهتمام العربي بالمنطقة في زمن، عز فيها التواصل بين جناحي الوطن العربي، وصعب فيها الوصول إليها دون إجراءات معقدة فرضتها السلطات البريطانية آنذاك، بالإضافة إلى ما شهده العالم العربي من تقلبات في السياسة والفكر صاحبت أحلام الوحدة العربية الشاملة أو الجزئية، وكانت فيها الأمة تتطلع إلى تلك الوحدة عبر كثيرٍ من الشعارات والأقاويل والأفعال، التي لم تتعد أعمار حامليها، ثم سرعان ما تبخر كثير منها مع مرور الوقت، وتغير الأحوال.

المجلة السياسية

في هذه الحلقة سوف نطلع القارئ الكريم على مقالات من المجلة المصرية للعلوم السياسية التي كان اسمها حين صدور العدد الأول منها: مجلة العلوم السياسية في سبتمبر 1956، وظل هذا العنوان ملازماً لها إلى حين صدور العدد العاشر في يناير 1962، إذ أصبح: المجلة المصرية للعلوم السياسية، ولم أجد في افتتاحية هذا العدد ما يشير إلى هذا التغيير، وكان يصدرها حين بداياتها: اتحاد خريجي العلوم السياسية، وفي استهلال العدد الأول رسالة من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر يحيي اتحاد خريجي العلوم السياسية، ولا يختلف هذا الخطاب عن أفكار تلك الحقبة من تبيان لمكانة الأمة العربية، وانتصاراتها على كل الصعد، وفي ختام الخطاب يقول الرئيس: إن من حسن الطالع أن تصدر هذه المجلة ونحن نستقبل العام الخامس للثورة، وقد صرنا أصلب عوداً، وأشد عزماً، وأكثر قوة وإيماناً.

ويضيف: إننا ننتظر الكثير من أولئك الشبان والباحثين، الذين يكونون هذا الاتحاد، ويصدرون هذه المجلة. ننتظر منهم إشاعة الوعي العلمي والثقافة السياسية بين الأمة العربية، ومن حسن الحظ أن مكتبة جامعة الإمارات العربية المتحدة تمتلك أغلب الأعداد الأولى من المجلة.

الافتتاحية

ويعقب ذلك الخطاب أربع فقرات تكاد تكون بمثابة افتتاحية رسمية للمجلة، تحمل في ثناياها الوعود بالتزام التنوع في الطروحات مهما اختلفت الآراء، وأن تكون جذابة، مشوقة، غزيرة المعاني، صادقة، معبرة، مطلة على الرأي الآخر.

وبطبيعة الحال لم تكن كل الكتابات والآراء تخرج عن الإطار المحدد لتلك الحقبة الثائرة، والمستعجلة، وفي العدد نفسه ظهرت شخصية الرئيس جمال عبد الناصر الناطقة والمعبرة عن تلك الفترة لكونه أحد أعظم شخصيات القرن العشرين، كما هو مدون في المقال عنه الذي دبجه محب الحجري. (ص. 52-60).

المقال الأول

وفي العدد الثاني الصادر في شهر مارس 1957 كتب اللواء محمد كمال عبد الحميد مقالاً بعنوان: «أهداف بريطانيا من عدوانها على اليمن»، (ص. 81-90)، ألمح فيه إلى الدور البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية، بما فيه من خطط وبرامج وأعمال، وفي المقالة لفتة إلى أسواق بريطانيا في جنوب شبه الجزيرة العربية، وفي منطقة الخليج العربي أمام منافسة الهند واليابان.

المقال الثاني

وفي العدد الثالث ديسمبر 1957 من المجلة أصبح مصدرها الجمعية المصرية للعلوم السياسية، وظهر اسم مديرها العام وهو: محمد عبد القادر حاتم، الذي كان حينها أحد أعمدة السلطة في مصر، وتوفي عام 2015، وضم مجلس تحرير المجلة شخصيات أشهرها: بطرس بطرس غالي.

وعلى غلاف العدد الرابع (يناير – مارس 1959) خريطة للوطن العربي، ومن ضمنها منطقة الخليج، وعليه أعلام تلك الدول والإمارات، ومن ضمنها علم الكويت القديم.

المقال الثالث

وأول مقال ذكر صراحة بلدان الخليج العربية، بعنوان: «الموقف البترولي في البلاد العربية» للمهندس محمود صادق، في العدد التاسع (يناير – فبراير 1961)، (ص. 69-76)، وفيه حديث عن أهمية النفط في اقتصادات العالم آنذاك، وتصريح على الدول العربية المنتجة للنفط حينئذ، وهي: السعودية، وإمارات: الكويت، وقطر، والبحرين.

وفيه حديث حول تأريخ إنتاج النفط في هذه البلدان، وطرق تصديره، وتكريره، وآباره، والشركات الأجنبية العاملة في ميدانه، وفيه إحصاءات مفيدة تؤرخ لتلك الفترة، وخرائط وجداول جميلة، وهو مقال مفيد يعطي فكرة حول إنتاج النفط إلى عام 1961.

المقال الرابع

وفي العدد السادس والثلاثين (مارس 1964)، يتجلى الدكتور سيد نوفل في شرح أوضاع عمان في مقالٍ بعنوان: «قضية عمان في الأمم المتحدة»، (ص. 23-34)، وهو مقال يجسد الأحداث السياسية والأوضاع الاجتماعية، والمسائل القانونية، التي كانت تمر به سلطنة مسقط وعمان، كما كانت تُعرف آنذاك، ويتحدث الدكتور نوفل حول ما كان يجري في عمان من تنازع بين السلطنة والإمامة، وكيف وصل الحال إلى التدخل البريطاني السافر، والأعمال العدائية التي قام بها، والتي راح ضحيتها كثير من المدنيين، ثم يتطرق إلى موقف الأمم المتحدة من هذا النزاع المسلح، ويبلغ الحماس بالكاتب إلى أن يقول: «لقد كان أول اتصال لعمان بالعالم الخارجي، بل بالعالَم العربي، صدى لثورة مصر العربية الكبرى ودعوتها الصادقة لتحرير العالم العربي من قيود السيطرة الأجنبية والتخلف الداخلي والأنانية الحاكمة»، ويشير إلى تواصل الإمام محمد بن عبدالله الخليلي بالرئيس جمال عبد الناصر، ثم ترديد إذاعة صوت العرب على مسمع العالَم اسم عمان، ثم يتتبع القضية العمانية في مجلس الجامعة العربية، ثم في الأمم المتحدة، وهو مقال يؤرخ لأحداث تكاد تنسى، ولو أنه كتب بلغة ذلك العصر.

المقال الخامس

وفي العدد السابع والثلاثين (أبريل 1964)، مقال بعنوان: «مشاكل الخليج العربي وجنوب الجزيرة العربية» للدكتور عبد العزيز رفاعي، الأستاذ بالكلية الفنية العسكرية، استهله بقوله: تعتبر منقطة الخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية قطاعاً عربياً يحتل من العالم اليوم أهمية كبرى، ومكاناً مرموقاً لإمكانياته المادية، وموقعه الاستراتيجي، وبعده يمضي للحديث عن النفط، والطبيعة والبيئة في المنطقة، ويشير إلى إمارات الساحل السبع، وإلى سلطنة مسقط وعمان، بما فيها من إمامة وأحداث، وتواصل مع العالم العربي كما يقول.

ويتحدث عن المناخ، ويسهب في الدور البريطاني، وتغلغله في مفاصل السياسة والاقتصاد، ويركز على الإدارة البريطانية، ثم التنافس مع الولايات المتحدة على المنطقة، وبلا شك فإن الكاتب يؤرخ لأحداث كانت محط اهتمام العرب آنذاك، وفي الوقت نفسه يقدم وجهة نظر للكتاب العرب حول المنطقة.

المقال السابع

وفي العدد الذي يليه (مايو 1964) مقال بعنوان: «كلمة التحرير: دور السياسة البريطانية في تمزيق الوطن العربي»، (ص. 5-20)، وهو مقال يدل عنوانه على مضمونه، وتأتي ضمنه منطقة الخليج العربي، منذ تغلغل الإدارة البريطانية فيه، وما أعدته من اتفاقيات مكبلة لإمارات الخليج العربية، والمقال فيه استعراض عام للدور البريطاني خلال قرون.

المقال الثامن

وفي العدد الثامن والخمسين (أغسطس 1964)، يستعرض الدكتور عبد العزيز رفاعي: «المطامع الأمريكية في الشرق الأوسط» (ص. 19-26)، ملخصاً الخلفية التاريخية للتواصل الأمريكي مع الشرق الأوسط، مشيراً إلى بدايات ذلك التواصل مع سلطان عمان سعيد بن سلطان البوسعيدي، في القرن التاسع عشر، ثم يشير كذلك إلى تطور التدخل الأمريكي في منطقة الخليج العربي مع الإعلان عن الاكتشافات النفطية الهائلة فيها، ويلمح إلى تمكن الشركات الأمريكية من الحصول على امتيازات التنقيب في المنطقة.

المقال التاسع

وفي العدد التاسع والخمسين (مايو ويونيو 1966) يتحدث بإيجاز مركز عبد الرحمن هندام عن: «أضواء على مؤامرات الاستعمار في الخليج العربي» (ص. 39-46)، مستهلاً مقاله: يتابع الرأي العام العربي باهتمام بالغ الأحداث، التي تجري في منطقة الخليج العربي، ويناقش المشكلات التي تعانيها إمارات الخليج العربية، وأشار إلى الصراع الدولي في الخليج، والمؤامرات البريطانية فيه، وألمح إلى المطامع الإيرانية، ثم تطرق إلى المشكلات الاقتصادية في بلدان الخليج العربية، وختم مقاله بتفاؤل بمستقبل المنطقة، التي سوف تنال حريتها واستقلالها قريباً.

في الختام

هكذا تقدم لنا المجلات القديمة روح العصر، الذي صدرت فيه، فتكون بالتالي مرآة عاكسة للأوضاع السياسية، التي أحاطت بها، ومن يطلع على مقالاتها المتنوعة من الباحثين سيجد كماً وافراً من المعلومات.

Email