اللؤلؤ فى التاريخ.. بريق وأساطير وقصص

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

للؤلؤ الطبيعي بريق توغَّل في جنبات التاريخ فأضاءها، ورسم صورها ونشر علومها، حتى حارت الألباب أمام هذا المخلوق العجيب الذي شعَّ بريقه منذ فجر التاريخ، وسيستمر إلى ما شاء الله. وما زالت أسرار هذا الكائن الضعيف المنتِج لأفخر أنواع اللآلئ يعتريها الغموض والحيرة من جهة العلماء وأهل الاختصاص فضلاً عن غيرهم في سبر أغوارها ومعرفة كنهها. 

وقد مكثت الأساطير تتخبط في سرِّ تكوينها، ولم تزل الشعوب على تنوُّعها واختلافها تتوارث قصصها، وتتناقل أخبارها، وتحكي مغامراتها؛ لتستمد الأجيال قوتها وثقافتها من بريق هذه اللآلئ المكنونة في أعماق البحار المظلمة، فتتصل مسيرة الأحفاد بالأجداد. 

نظرية تكوين اللؤلؤ

 أما تكوُّن اللؤلؤ فهناك نظريات عدة مختلفة حول ذلك وجل اعتمادها على الأساطير والخرافات التي تعود إلى العصور القديمة وانتقلت إلينا عبر ثقافات الشعوب، وهي تحاول جاهدة تفسير تكوّن اللؤلؤ، وسنعرض لذكر شيء من ذلك.

منها ما ظهر في الحضارة الصينية القديمة؛ وهي أسطورة سقوط المطر، وقد شاعت في بلاد الهند والوطن العربي، وتقول تلك الأسطورة: إن الأصداف في شهر نيسان (أبريل) تصعد إلى سطح الماء لتلقح من قطرة المطر، ثم تعود إلى القاع وتتشكل اللؤلؤة بعد ذلك.

ومن المعروف أن نيسان هو بداية السنة البابلية، وهو عيدها المعروف بـ(الأكيتو). انتشرت هذه النظرية انتشار النار في الهشيم، وقيل فيها الكثير من القصص والحكايات والشعر لتثبيتها في أذهان الناس، ومن ذلك ما قاله الشاعر العربي:

أرى الإحسان في الأحرار دينا..... وفي الأنذال منقصة وذما

كقطر الماء في الأصداف دراً...... وفي جوف الأفاعي صار سما


أما في سنة 2300 ق.م فكان الملوك في الحضارات الصينية القديمة يتبادلون اللؤلؤ فيما بينهم، ويقدمونه كهدية شكر وتقدير، وفيه دلالة ضمناً على القوة التي تتمثل في التنين؛ حيث ترمز التنانين الصينية قديماً إلى السلطان والقوة المبشّرة بالخير والحظ السعيد، وخصوصاً: التحكم في المياه والأمطار والأعاصير والفيضانات، واعتاد إمبراطور الصين استخدام التنين بهذا المعنى؛ ليرمز إلى سلطاته الإمبراطورية، وقوته البالغة. 

وتُظهر العديد من صور التنين الصيني لؤلؤة مشتعلة تحت ذقنها أو في مخالبها، وترتبط اللؤلؤة بالطاقة الروحية، أو الحكمة، أو الرخاء، أو السلطة، أو الخلود، أو الرعد أو القمر. 

يصور الفن الصيني غالباً زوجاً من التنانين يتلاحقان، أو يتشاجران على اللؤلؤة المشتعلة. 

 أما في الحضارتين اليونانية والرومانية فإنهم يعتقدون أن دموع الآلهة تحل محل قطرة المطر، وعند الإغريق – وهم قدامى اليونانيين فيعتقدون أن ارتطام الصاعقة بالبحر ينتج عنها تلقيح الصدفة.

اللؤلؤ في الأساطير القديمة

 أسطورة اللؤلؤة (أفروديت) جاءت في الحضارات الثلاث: في الأساطير اليونانية؛ وهي آلهة الحب والجمال والإنجاب كما يزعمون، وفي الحضارة الرومانية وتسمى (فينوس) وفي حضارة ما بين النهرين تسمى (عشتار) وهي المعادل الموضوعي لتلك الصدفة الكبيرة التي ترمز إلى الحب والجمال والإنجاب، ومن دلالاتها المشعة أيضاً: إطلاق نجم الزهرة عليها، حيث يظهر في كبد السماء مشعاً ومتوهّجاً، ومن عشتار جاءت كلمة (ستار star) الدالة على النجم.

 أما النظرية العلمية المتداولة بين الناس فمفادها: أن اللؤلؤة تتكوَّن عندما يدخل جسم غريب أو حبة رمل إلى الصدفة، ويبدأ الحيوان الرخوي بإفراز المادة اللؤلؤية للتخلُّص من هذا الجسم الغريب، فتبدأ اللؤلؤة بالتّكون حول هذا الجسم. وتبقى هذه مجرد نظريات وتوقعات، وما زالت الحقيقة في تكوين اللؤلؤ في موضع دراسة وبحث وتلفها أسرار لم تكشف بعد... 

كل هذه الاعتقادات والأساطير التي جاءت بها الحضارات تشير إلى غموض نشأة هذه الجوهرة العضوية، التي تخرج من جوف كائن حيّ وكأنه منحها بعضاً من حياته، والتي حار العلماء والفلاسفة منذ القدم في تفسير مكنوناتها. 

 ومن جهة أخرى أسهمت الحضارات الثلاث قديماً، المتمثِّلة بحضارة وادي الرافدين؛ وموقعها في العراق الحالي، والحضارة الصيهدية في اليمن، ثم حضارة ماجان في شمال الخليج العربي في تبلور ورسم ملامح هذا الخليج وطريقة الحياة فيه، ونرى مثالاً لذلك في نشأة حضارة (دلمون) التي امتدت من البصرة إلى عُمان، وبقيت آثارها الاجتماعية والتجارية إلى يومنا هذا. 

ريادة وتميز

لقد حافظ سكان الخليج على عالم الغوص والبحث عن اللؤلؤ بصور رائعة وفي شتى الميادين منها الاقتصادية والأدبية والفنية وتبيان مكنوناته بألوان زاهية رسمت طريق الإصرار والتحدي، فإن من حق سكان الخليج أن يفتخروا بكونهم صارعوا من أجل البقاء منذ أن وجد على هذه الأرض الشحيحة في الموارد الطبيعية حتى سنين قليلة خلت، وجاهدوا لأجل أن يبقوا ويحافظوا على وجودهم بين الأمم.

وحيث إن الإمارات العربية المتحدة قد أخذت على عاتقها أن تكون في موقع الريادة والتميُّز؛ فإن استحضار التاريخ والهوية التاريخية أصبح من الأولويات التي منحتها الحكومة أهمية قصوى؛ لما لها من عوائد معنوية ومادية في دعم الاقتصاد والثقافة.

 تميزت الإمارات السبع بجزرها وسواحلها المطلَّة على الخليج العربي وبحر العرب بموقع فريد على الخارطة السياسية والثقافية والاقتصادية؛ باعتبارها مدناً وقرى وموانئ بحرية أثَّرت وتأثَّرت فيما حولها، وكانت معبراً وحلقة وصل بين الشرق والغرب؛ لأنها امتازت بالنقل البري والبحري وامتهن أهلها حرفة الغوص وتجارة اللؤلؤ وصيد السمك التي عرفها العالم منذ أكثر من سبعة آلاف سنة؛ حيث أدى هذا المثلث دوراً مهماً وحاسماً في استدامة الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في دولة الإمارات العربية المتحدة. 

وقد أماطت التنقيبات والحفريات التي قامت بها الدوائر الحكومية المختصة في كل إمارةٍ على حِدَةٍ اللثام عن اكتشافات تُنير للباحث مكامن العمق التاريخي للدولة؛ إذ أظهرت المكتشفَات الأثرية في ربوع دولتنا الحبيبة آثاراً لفترات تاريخية قديمة؛ مثل: (أم النار، وحفيت، ووادي سوق) التي ازدهرت رَدَحاً من الزمن؛ فلقد عُثِر على مجموعة أدلَّةٍ أكَّدت وجود تجمُّعاتٍ سكانية كانت أفرادها تعيش وتتنقَّل بين هذه المناطق، وإلى جانب ذلك تم اكتشاف آثارٍ لجماعاتٍ بدائيَّة عاشت على الصيد بأنواعه، وكانوا يقومون أيضاً بتجميع النباتات للاستفادة منها، إضافة إلى اكتشاف مقابر جماعية عدَّة في جبل (البحيص) بالشارقة، واكتشاف أدواتٍ ورؤوس حرابٍ في جزيرتَي (دلما) و(مروّح) بـ(أبوظبي). 

أما في جزيرة (مروح) فقد عُثِر على أقدم لؤلؤةٍ في التاريخ، وسُمِّيت بـ(لؤلؤة أبوظبي)، وأخرى في (أم القيوين) تعود إلى الفترة الزمنية ما بين سنتي 5300 و5000 قبل الميلاد. كما تم العثور على مجموعة أخرى من اللآلئ في دبي والشارقة، إضافة إلى اكتشاف أسواقٍ لتجارة اللؤلؤ في مليحة ودبا الفجيرة والدور. 

ومن خلال تلك الاكتشافات لهذه اللآلئ وما يلحق بها، فُتِح الباب على مصراعيه للتّعرف على تلك الشعوب والحضارات التي عاشت في هذه المناطق، وعملت على الغوص والتجارة. والحديث تحديداً على أهل الإمارات في الماضي لننير الطريق لأجيال المستقبل، ولا سيَّما في الجانب البحري، وهي شهادة على البدايات الأولى لمهنة الغوص ومسيرته العالمية، وتأثيراته في حياة المجتمع الإماراتي والإقليمي، ودوره في صياغة المنظومة السياسية والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية؛ وهو الذي مهَّد بدوره للانتقال إلى حقبة ما بعد اللؤلؤ الأبيض، ألا وهو الذهب الأسود.

Email