الكاريكاتير العربي إبداع يتلاشى

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد سنوات من التوهج، كانت فيها الرسوم الكاريكاتيرية، هي روح الصحف، ومدخلها إلى قلوب القراء، بهت أخيراً نجم رسامي الكاريكاتير في عالمنا العربي، وبات الكاريكاتير هامشاً صحفياً، بعدما كان فناً محضاً، تأسست بفضله مدارس صحفية ذائعة الصيت. وخلال الأعوام الأخيرة، تقلصت مساحات نشر الكاريكاتير في الصحف العربية، وتداعت أوضاع رسامي الكاريكاتير، فبعدما كانوا نجوم مهنة الصحافة لسنوات طويلة، تراجعت أوضاعهم المهنية أخيراً، ليهجر معها كثيرون، عالم الصحافة بأكمله، فمتى بدأ الازدهار؟ ولماذا التراجع الآن؟

 

جاءت بداية ظهور فن الكاريكاتير من مصر، ويعود الفضل في ذلك إلى وجود معامل الزنكغراف والطباعة ونخبة جيدة من رسامي الفكاهة، بالإضافة إلى التسامح الديني في مسألة تحريم الفن، بحسب ما يقول كاظم شمهود طاهر في كتابه «فن الكاريكاتير».

وكانت أول صحيفة عربية مختصة بالكاريكاتير ظهرت في القاهرة عام 1877 تحت اسم «أبو نضارة زرقا»، وأصدرها يعقوب صنوع، وكانت سبباً في ظهور عديد من رسامي الكاريكاتير فيما بعد، مثل: رخا، وصاروخان، وعبد السميع، وصلاح الليثي، وزهير، ورفقي التركي، وزهدي العدوي، وجورج بهجوري، وصلاح جاهين، وغيرهم الكثير.

وفي سوريا، صدرت أول صحيفة كاريكاتيرية هزلية باسم «حُطْ بالخُرْج»، عام 1909، لصاحبها محمد عارف الهبل، وقد اشتغل بها عدد من الرسامين الأوائل بالشام، مثل: توفيق طارق، وعلي الأرناؤوط، وعبد الوهاب أبو السعود وخالد العسلي.

وفي لبنان أصدر نجيب جانا، وشوسكيري أول صحيفة هزلية عام 1910، تحمل اسم «حمارة بلدنا»، رغم أن ثمة من يقول إن خليل كامل أصدر أول صحيفة لبنانية هزلية عام 1908، وهي «هبت»، أمَّا في العراق فكانت أول صحيفة تهتم بالكاريكاتير قد ظهرت عام 1931، وأصدرها نوري ثابت، وشهدت منطقة الخليج، بداية ظهور الكاريكاتير في جريدة «الأخبار البحرينية» في ستينيات القرن الماضي.

مدرسة الطرح المعارض

في محاولة لتأصيل أزمة الكاريكاتير العربي المعاصر، يقول الخبير الإعلامي، الدكتور ياسر عبد العزيز، إنَّ الكاريكاتير، يعدّ أحد الفنون الصحفية المهمة والمؤثرة والجذابة، ويقع ضمن مواد الرأي، لما ينطوي عليه من قدرة لطرح الأفكار العميقة، والمواقف من خلال المقاربة الفنية، التي قد تجزم بين الرسم والتعليق، أو تكتفي بالصورة فقط.

ويضيف عبد العزيز لـ «البيان» أنّ الكاريكاتير العالمي والعربي، شهدا مراحل ازدهار وتأثير عظيمة، ففي مصر والدول العربية، أفرز مدارس صحفية، ظلت قادرة على أن تتقاطع مع المجالين السياسي والاجتماعي بقدرة كبيرة. ويتابع: «في مراحل كثيرة، مثل حقبة الستينيات والسبعينيات، حيث كان يتم اعتبار الكاريكاتير، مدرسة الطرح المعارض الرئيسية، خصوصاً في أوقات تقييد الحريات؛ بسبب قدرته التأثيرية، واقترابه غير المباشر من القضايا». «ونذكر في هذا الصدد، ناجي العلي، وشخصيته الشهيرة حنظلة، وصلاح جاهين، وحجازي، وصاروخان، واللباد، فضلاً عن عشرات الأسماء التي منحت هذا الفن موقعه الفريد في المنطقة العربية».

لماذا التراجع؟

وعن أسباب التراجع يقول عبد العزيز: «في الآونة الأخيرة، حدثت تغيرات اتصالية عالمية، وألقت بظلالها على الإعلام العربي، كما أدخلت الوسائط الجديدة أنماطاً تتشابه مع فن الكاريكاتير مثل «الكوميكس» و«الميمز»، وغيرها، وبالتالي أصبح لدينا قطاع من الجمهور يستطيع ممارسة هذا الفن».

«مع تقلص مساحة هوامش الحريات المتاحة، تتعزز الضغوط على رسامي الكاريكاتير، وبالتالي تتراجع مساحات النقد، التي هي العماد الأساسي لهذا الفن، ولذا أصبحنا نجتهد كثيراً، حتى نجد اسم فنان كاريكاتير معروف، ومع ذلك ثمة أسماء كبيرة معروفة ولديها وعي وقدرة فنية، مثل: عمرو سليم، ودعاء العدل، وعمرو فهمي».

ويستطرد قائلاً إنّ ثمة ضغوطاً على فن الكاريكاتير، يمكن أن تقوّض وجوده، وتتمثل في أن طبيعة المنتجين، ومساحة التعرض للكاريكاتير، قد تغيرت، ومعنى مفهوم «التعرض»، أنّ الصحفيين ينتجون المادة الصحفية، لكن كيف وأين يتم التعرض لها، والآن يتزود حوالي 80 في المئة من الجمهور بالأخبار والتحليلات عن طريق الهواتف الذكية والمنصات الاجتماعية، وبالتالي قلص هذا النمط الاستهلاكي للإعلام فرص رسامي الكاريكاتير في الصحف، وأدخل معه عدداً كبيراً من المنافسين، غير محترفين بالضرورة.

ويضيف: «لم يعد الكاريكاتير جزءاً من عوائد الصحيفة على صعيد التعرض، إذ تستثمر المؤسسات الإعلامية في المنتج الذي يجلب لها أكبر قدر من العوائد، لذا أصبحنا الآن في حاجة ماسة؛ لتعزيز الوعي بهذا الفن وأهميته».

أوضاع مهنية

من جهته يرصد، رسام الكاريكاتير بمجلة روز اليوسف، عماد عبد المقصود، أهم العقبات التي تواجه رسامي الكاريكاتير هذه الأيّام، فيقول إن السياسة التحريرية تقيد رسامي الكاريكاتير، كونها تحدد موضوعات بعينها للتناول وتحجب أخرى.

ويضيف عبد المقصود لـ «البيان»: «في بعض الفترات كانت هناك مساحة لتناول قضايا حساسة، وفي إحدى الفترات، دشن صلاح جاهين باباً في مجلة صباح الخير تحت اسم «مجموعة نادي العراة»، يقوم برسم شخصيات عارية تمثل الظواهر الاجتماعية، لكن الآن لم تعد هذه المساحة متوفرة، وزادت المحاذير، في وقت نحتاج فيه لقدر أكبر من الحرية».

وعن الأوضاع المادية لرسامي الكاريكاتير، يشير إلى أنها باتت سيئة للغاية، فبعدما كان راتب رسام كاريكاتير مساوياً لراتب رئيس مجلس إدارة المؤسسة في الستينيات والسبعينيات، لم يعد يستطيع تحقيق دخل جيد ولا يمكن أن يكفي راتبه احتياجاته، فيضطر للعمل في أكثر من صحيفة، في وقت تتراجع فيه الفرص داخل المؤسسات الصحفية.

ويعزو عبد المقصود أحد أسباب تراجع فن الكاريكاتير إلى طبيعة هذا الفن الذي يعد مزعجاً ومربكاً ويخلق حالة من البلبلة، فهو بمثابة إلقاء حجر في الماء الراكد بهدف تصحيح الأوضاع، لكن هذا الفعل يتسبب في إزعاج المسؤول، ونحن كبشر في النهاية نميل إلى الراحة والسكون، وبالتالي تتراجع مساحات الكاريكاتير.

Email