القصة القصيرة في دبي.. نسيج لتناغم الثقافات والقيم الإنسانية

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تتنوع تأثيرات دبي الفاعلة والإيجابية على شتى صنوف الأدب والإبداع، حيث يستلهم الكتاب قصة نجاح هذه المدينة الساحرة، وجمعها بين التراث والحداثة، مجسدين ذلك في نتاجاتهم الأدبية، ومن بين ذلك القصة القصيرة، التي تجمع بين الحداثة وأنماط الحياة العصرية والسنع والخير والآداب العامة، وتسهم في صون التراث المحلي والإنساني العالمي أيضاً، هذا ما أكده عدد من المتخصصين في حديثهم لـ«البيان»، مشيرين إلى الدور الكبير الذي تلعبه دبي في نشر رسالة القصة القصيرة الموجهة صوب توحيد اللغة الإنسانية، وجعلها لغة عالمية للسلام والتسامح والتعايش بين مختلف ثقافات العالم.

وفي هذا السياق، قالت الكاتبة الإماراتية د. باسمة يونس، المستشار الثقافي في وزارة الثقافة والشباب: على الرغم من كل ما قد يقال عن انحسار القصة القصيرة عن شواطئ الأدب، مقابل الرواية الممتدة بسرعة هائلة، لكنها لا تزال تعني الكثير للكاتب المحترف والموهوب، وللقراء المتذوقين للأدب.

حضور مميز

وتابعت يونس: لا تزال القصة القصيرة في دبي، تحظى بحضور مميز، إن لم يكن كثيفاً، لكنه حضور نخبوي مدرك تماماً لمعنى القصة القصيرة، ورسالتها النابضة بقيم الإنسانية، ودورها الأساسي في بناء قلعة السرد، ونوعية حراكها الثقافي من النقد، إلى الكاتب والقارئ. وكانت القصة القصيرة حاضرة في سبتمبر الماضي على مائدة ملتقى القصة القصيرة، الذي أقيم من قبل مؤسسة سلطان العويس الثقافية في دبي، بالتعاون مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.

وأشارت إلى أن القصة القصيرة لا تزال تسير في إطار رسالتها الموجهة نحو توحيد اللغة الإنسانية، وجعلها لغة عالمية للتسامح والتعايش، ولدبي كبير الدور في نشر هذه الرسالة، وهو الفكر والهدف الذي قامت وتقوم عليه طموحات الإمارات، ويبدأ هذا التعايش بين أجيال الكتاب، ممتداً على ساحل يزداد توغلاً في بحر الأدب وصنوفه.

وأضافت يونس: اختلفت مواضيع القصص القصيرة بين الأجيال، لكنها، ورغم كل الاختلافات التي يفرضها العصر وتحولاته، لم تخرج عن إطار صون التراث، ليس المحلي فقط، بل التراث الإنساني العالمي، بمكونه الكلي العام، والحفاظ على معنى الأدب في الكتابة، فالسرد الذي يخرج عن أطر الأدب، أو يتجرأ على خوض التجريب، يجب ألا يتجاوز الكثير من الإشارات الحمراء بذريعة الحرية، فهو لا يعد سرداً، إن لم يحافظ على علاقته الأدبية مع قرائه، ويحفظ نوعية القصة التي يرغب القراء في إعادة قراءتها، أو في تأمين وصولها إلى الأجيال التي تليهم، بصفتها قصة قصيرة، تتكامل فيها فنيات وعناصر وشخصية القصة القصيرة المكتوبة في دبي، وتتميز بذلك.

دور بارز

بدوره، قال الناقد الأدبي، سامح كعوش: «لعب السرد عامةً، والقصة القصيرة على وجه الخصوص، دوراً بارزاً في توثيق أنماط الحياة المعاصرة في العالم كله، وفي دبي والإمارات بشكل خاص، لما اتسمت به حياة هذه المدينة من تسارع وتطوّر مذهل في العمران والبنيان، كما في العلاقات المجتمعية والإنسانية، وصولاً إلى النمو الكبير في كم الإنتاج الأدبي النثري في الرواية والقصة القصيرة».

وتابع كعوش: «من الملاحظ، أنّ سمةً فريدةً ميّزت هذا النتاج الأدبي، الأقرب إلى وتيرة الحياة المتسارعة والنمط الحداثي، الذي تميزت به دبي خلال العقدين الأخيرين، حيث يرى القارئ في هذا النتاج، أنه لم ينسلخ عن موروثه الأخلاقي الإنساني، ولم يقع في ظاهرة الاغتراب الثقافي، والاستلاب لنماذج الحضارة الغربية، التي غلبت على كل ما في دبي من تقنية ونقل وعمران»، مؤكداً أن السرد القصصي في دبي، ظل متمحوراً حول القيم الفاضلة، والمثل العليا للأسرة والدين والوطن في أغلبه، كما مال إلى الحكمة والتناول الفلسفي، رغم ضيق القصة القصيرة، وعدم طواعيتها للأفكار التأملية الكبرى، مشيراً إلى أنّ القصة القصيرة في دبي والإمارات، وعت أولوية التعبير عن معجزة الاتحاد، ومنظومة الولاء والانتماء، وأهمية التمسك بهما، والتعبير عنهما أدبياً وإبداعياً، مشيراً إلى دور القصة القصيرة الكبير في بث الألفة والمحبة بين مختلف الشعوب والثقافات.

مراحل طويلة

من جانبه، قال الكاتب المصري عبد الفتاح صبري: إن القصة القصيرة الإماراتية، قطعت مراحل طويلة من التأصيل والتطور، فعمرها خمسة عقود، وبدأت قوية وممتلكة فنياتها، وعناصر البناء، وكانت البدايات تتساوق والقصة العربية، وعاينت القصة القصيرة الإماراتية، الهم الإنساني، واهتمت باستشراف المستقبل، خوفاً من القيم الوافدة الجديدة بعد النفط، وإطلال الغريب الوافد بسلوكه وعاداته، وتباكت على الماضي، خوفاً على القيم وتقاليد المجتمع وسلوك الإنسان الإماراتي، وعلاقات المجتمع المرتبطة بالتراث وبالسنع، وسلوك أهل المكان المترابطين في الملمات والظروف الاجتماعية الموحدة، حين الفرح وحين الحزن، وفي مظاهر الوداع، وحفلات الاستقبال للعائدين من رحلات الغوص، أو حين المقيظ».

Email