اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ينظم «نوافذ على القصة القصيرة في الإمارات»

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نظم اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، جلسة حوارية افتراضية، بعنوان «نوافذ على القصة القصيرة في الإمارات بين الكتابة النسوية والواقعية السحرية»، بمشاركة د. ناجية الخرجي، ود. ميثاء حمدان، والأستاذة سميرة الشحي، وحضور د. مريم الهاشمي، ولولوة المنصوري، ونخبة من المهتمين.

أدارت الندوة عائشة الحمادي، مشيرة إلى أن القصة ظهرت مع ظهور الصحافة في أوروبا منذ القرن التاسع عشر، وتساءلت ماذا عن واقع القصة الإماراتية.. كيف جاء ذلك السرد القصصي من فنيات وتجليات، وكيف جاءت تجليات الكتابة النسوية في الإمارات.

تشابه 

وأكدت د. ناجية الخرجي أستاذ مساعد في كليات التقنية العليا، وباحثة وناقدة، لها إسهامات ومؤلفات في مجال النقد، أن فنيات كتابة القصة القصيرة الإماراتية وتقنياتها، تبدو إلى حد كبير متشابهة في غالبية النصوص القصصية، غير أن هذا التشابه في التقنية والبنية، لا يصل إلى حد التماثل والتطابق.

ولعل ذلك راجع لما يمكن أن نسميه باختلاف المنطلق الفكري والفني لكل قاصّ عن الآخر، ولكل جيل عن غيره، تبعاً لاختلاف المنظومات الفكرية، والمرجعيات التي تتغير وتتبدل من مبدع إلى آخر، خاضعة في ذلك لطبيعة تكوينه النفسي والثقافي والاجتماعي.

وأضافت: لجيل النشأة دور بالغ في وضع الأسس والقواعد التي سار عليها هذا الجنس الأدبي الجديد، بل يرجع لهذا الجيل الفضل في محاولة وضع السياق الفني والجمالي، والنسق التقني لهذا الفن، في مرحلة متقدمة من عمر القصة في دولة الإمارات، وينبغي أولاً، وقبل أن نخوض في هذا الطرح التحليلي، أن نميز في التعريف بين مصطلحين نقديين هامين، هما (تقنيات القصة) و(فنيات الكتابة القصصية)، على اعتبار أن الفهم الصحيح لدلالة كل منهما، والتمييز الواضح بينهما، سوف يقودنا إلى رؤية واضحة لمعالم هذا الفن القصصي وتطوره في دولة الإمارات.

وإذا كنا قد قبلنا سلفاً أن نعرّف الفن القصصي بأنه صيغة أدبية حديثة، فإن هذه الصيغة لكي تتحقق وينتج عنها ما نسميه قصة، فلا بد لها من أدوات وآليات لتحقيق هذه النتيجة، ولعل أهم هذه الأدوات والآليات في الكتابة القصصية، هي السرد القصصي بمستوياته المتعددة، ومراحله المختلفة، التي تبدأ من استهلال القصة «المقدمة»، مروراً بالوصف، ورسم الشخصيات وإيقاع الأحداث، والخاتمة «النهاية»، وهذا كله ما نسميه بتقنيات كتابة القصة. أما فنياتها، فتتحدد في الكيفية التي يسير بها هذا السرد في تأدية الأغراض التي يفترض أن يقوم بها، ليكتمل العمل القصصي على خير وجه.

وحول مفهوم السرد القصصي، ذكرت د. ناجية أن للسرد مفاهيم مختلفة، تنطلق من أصله اللغوي. والسرد هو شكل المضمون «أو شكل الحكاية»، والقصة هي سرد قبل كل شيء، وذلك لأن القاص عندما يكتب قصته يقوم بإجراء قطْع واختيار للوقائع والأحداث التي يريد سردها، والقطع والاختيار لا يتعلقان أحياناً بالتسلسل الزمني للأحداث، التي قد تقع في أزمنة بعيدة أو قريبة، وإنما هو قطع واختيار تقتضيه الضرورة الفنية، فالقاص ينظم المادة الخام التي تتألف منها قصته، ليمنحها شكلاً فنياً ناجحاً ومؤثراً في نفس القارئ، وللسرد، بحسب مفهومه البنيوي، نمطان: سرد موضوعي وسرد ذاتي، ففي نظام السرد الموضوعي، يكون الكاتب مطلعاً على كل شيء، حتى الأفكار السردية للأبطال. أما في نظام السرد الذاتي، فإننا نتتبع الحكي من خلال عيني الراوي.

وأكدت أن ما رصدته في كتابها القصة النسائية القصيرة، يظهر تعدد العلاقات بين الاستهلال والخاتمة في مجموعة «الرحيل» لشيخة الناخي، وهذا لا يجب أن يؤخذ على أنه إطار وتقعيد ملزم لكل ما يمكن أن نتناوله من القصص الأخرى، فهو لا يعدو أن يكون رصداً لطبيعة السرد القصصي عند كاتبة، وفي أكثر الأحوال تفاؤلاً، يمكن أن نعتبره ملمحاً عاماً لمجموعة محدودة من الكاتبات، وحتى داخل هذا الإطار الأخير، فإننا نجد اختلافات كبيرة بين كاتبة وأخرى في كيفية استخدام السرد.

تأثير كبير

وذكرت د. ميثاء حمدان ناقدة وباحثة وكاتبة مقال، أن القصة الإماراتية الجديدة، هي قصة قامت ونشأت نتاج عوامل متعددة، اجتماعية واقتصادية، وسياسية، وثقافية، وهي ذاتها العوامل التي أدت لنشأة القصة في الإمارات بشكل عام، وهي ذات تأثير كبير في نشأة القصة الجديدة بشكل خاص.

وأضافت: من هذه العوامل، العامل الاجتماعي، المرتبط بالعلاقات الاجتماعية، وصور التكافل الاجتماعي الموجودة في ذلك المكان، وضرورة المحافظة عليه، والعامل الاقتصادي، الذي يعبّر عن مجتمع عانى من ظروف اقتصادية صعبة، مثل بقية المجتمعات الخليجية، من فقر، وتدني المستوى المعيشي، وصعوبة الحياة، تبعها بعد ذلك طفرة اقتصادية، نتجت عن ظهور البترول، وأدت لتغيرات اقتصادية، وظهور مستويات متعددة، أثرت بشكل أو بآخر على ظهور القصة القصيرة الجديدة في الإمارات، إضافة للعوامل السياسية الناتجة عن تغيرات سياسية.

وأكدت أن القصة الإماراتية الجديدة، لم تتخلَ عن جذورها الأصلية، وظلت مرتبطة بالموروث الثقافي الأصيل، وإن تنوع هذا الموروث وتعدد، فظهر في صورة أسطورة أحياناً، وشعر شعبي، وأحياناً أخرى تحدث عن عالم الجن، وحكاية شعبية في أحيان أخرى.

كما أن ارتباط القصة الإماراتية الجديدة بالموروث الثقافي، لم يفرق حقيقةً بين كاتب رجل، أو كاتبة امرأة، فالجميع في ذلك سواء، وإن برز وظهر في كتابات البعض منهم، واختفى لدى الآخرين، الذين اهتموا بمعالجة مواضيع أخرى متنوعة.

ورأت أن القصة الإماراتية الجديدة، احتفت بالموروث الثقافي، شكلاً ومضموناً، وعبّرت عن قضاياه، ومشاكله، وحياته، وشخصياته، وجعلت الموروث مادة أولية، استطاع القاص تحليلها، وتحويلها لمواقف ومشاهد روائية، أسهمت في بناء الحدث والشخصية.

ورأت أن الصوت الجديد في القصّة الإماراتيّة، هو امتدادٌ في النهاية لأصواتٍ أخرى سبقته، لكنّه امتاز عنها بجملةٍ من الخصائص والملامح، أهّلته لأن يعدّ بدايةً لمرحلةٍ جديدة، من شأنها أن تعزّز الحضور القويّ للقصّة الإماراتيّة، وتجعله أقرب إلى واقع الحياة المعاصرة، بما تحمله في أحشائها من متغيّراتٍ عنيفة، يفترض بالأدب أن يتمثّلها في صيغةٍ أو أخرى، لكنّها، مع ذلك، فرضت نفسها، وحقّقت وجوداً فاعلاً ومؤثّراً، من خلال عددٍ من الأصوات التي تمثّل جيل المؤسّسين ومن تلاهم.

 أسلوب حداثي

وعرفت سميرة الشحي، فنانة تشكيلية وباحثة، الواقعية السحرية، بأنها اتجاه يُبنى على أساس ثنائية الواقع والخيال، والمعقول واللامعقول، بأسلوب حداثي، بعيداً عن النسج التقليدي في بناء القصة.

ومكونات هذا الخطاب، تشابه مكونات وأساليب أي خطاب سردي حديث، كتقنية الاسترجاع والتناص، وتداخل السرد ورمزية الأسماء، لكن ما يميزها عن غيرها من التيارات، عملية تشكيله وتفاعله مع العناصر الأخرى.

حيث يسعى الكاتب إلى استعمال الأدوات والأساليب الحديثة بصورة مكثفة، فيُنتج نصوصاً متداخلة، وأزمنة متضاربة، وشخوصاً من عوالم أخرى، مع تضمين عنصر الخيال، ما يضفي مسحة سحرية في أعماله السردية. وهناك شرط أساسي لتمييزه عن الخطابات الأخرى، وهي في عدم تضمين الكاتب تبريرات وتفسيرات في أحداثه وشخصياته السحرية.

وأكدت أن الأسباب التي تدفع الكاتب إلى تبني أسلوب الواقعية السحرية، تكاد تكون مشتركة في كل المجتمعات. حيث تتعرض المجتمعات عامة، والمجتمع الإماراتي خاصة، لتحولات مستجدة بين الحين والآخر. تصطدم مع نمط تفكير الأفراد وسلوكاتهم، فيلجأ بعض أفرادها، كالأدباء، إلى التسلح بالكتابة، لمقاومتها ورفضها، تعبيراً عن ذلك، بأساليب غير مباشرة، كما نجد في الواقعية السحرية. 

وأضافت من المسوغات الأخرى، الانفتاح الثقافي، خاصة في عقد التسعينيات، فلم تكن الإمارات قبل تلك الفترة تحظى بانفتاح ثقافي وفكري بصورة واسعة، فأراد بعض كتابها خوض غمار التجريب، وتطوير أدواتهم إلى حد بعيد، تلاؤماً مع الأوضاع الجديدة، وبذلك يسهم في إثراء المرد القصصي الإماراتي، ويضيف إليه ملامح جديدة، عن طريق رصد مظاهر التحول في جميع جوانبها، سواء في ما يتعلق بالفرد أو المجتمع ككل.

وفي ما يتعلق بتحولات المجتمع، رأت أن هناك تعقيداً في مختلف مناحٍ عدة، فالعلاقات بين الأفراد أصبحت أكثر تعقيدّاً، بعد أن اتسمت بالبساطة، فانعكس ذلك على الأدب، خاصة في تيار الواقعية السحرية، الذي راح يترجم تلك التغييرات بأسلوب أكثر تعقيداً.

وأشارت إلى أن الواقعيّة السحرية، ظهرت كاتجاه واضح المعالم في بداية التسعينيات، في القصة القصيرة الإماراتية، فانعكس ذلك بدوره على الأدب، فخاض بعض كتابها، خاصة الكاتبان عبد الحميد أحمد وسلمى مطر سيف، تجربة الكتابة بأسلوب حداثي.

فقد سعى هذان الكاتبان إلى نسج قصص تحت مسمى التجريب، فتلك القصص، تمكن الباحث من دراستها، لما تزخر فيها من عناصر سحرية، على الرغم من ظهور مجموعات قصصية لكليهما قبل التسعينيات، وهو ما يؤكد وجود انفتاح ثقافي مختلف في هذا العقد، لكن لا نستطيع القول بأن الواقعية السحرية امتلكت خصوصية ثقافية في الإمارات، ويظهر ذلك من قلة النتاجات القصصية، حيث تعود معظمها إلى هذين الكاتبين تحديداً في هذه المرحلة.

Email