دبي موطن لعشرات العلامات العالمية في القطاع

ثقافة الطعام.. مرآة للمجتمع ورافد للاقتصاد

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

الطعام مرآة للفرد والمجتمع، يسكن الفرح بين مكوناته ومن بينها تطل الذات، وبه ترسم الثقافات طريقاً نحو القلب، لتعرفها أكثر وتعشقها، وهي التي تعودت أن تغادر حدودها وأن تقطع طرقات البحر والبر وصولاً إلى قلوب الناس، لتستريح أمامهم على أطباق مزخرفة، تدعوهم لأن يتذوقوا نكهاتها بألسنتهم. 

لذا، كان الطعام سفيراً لثقافات الدنيا، يعكس شوارعها وألوان بيوتها لتؤكد بأن الطعام كان ولا يزال امتداداً لما تقوم به الأمهات بين جدران المطابخ، اللواتي تعودن إعداد الطعام بنكهات متبلة بالحب، في شوارع المدن كما دبي، تتسع نطاق هذه النكهات، وتتحول إلى ثقافة تذوق خاصة سكنت زوايا دبي التي تعودت منذ أن كانت تحمل اسم «الوصل» أن تمد خيوط الوصل بين الشعوب، وعديد الجنسيات التي باتت تتخذ من سمائها ظلاً تعيش تحته بسلام ووئام.

دبي مدينة عربية، ولسانها عربي، وجمالها عربي أيضاً ومن قاموس لغة الضاد، حيث العرب أثروه بتعابيرهم عن الطعام، اقتسبت شغفها نحو ثقافة الطعام، وقد سعت قوائمه، فلم تكتف فقط بالنكهات الإماراتية التي تفردت بتوابلها، وإنما فتحت أبوابها أمام مطابخ أخرى قادمة من أمريكا وآسيا وأوروبا والبلاد العربية الأخرى، دعتها لأن تمد موائدها أمام العالمين، لتصبح المدينة بين لحظة وأخرى عاصمة للنكهات، حيث تفوح من بين أزقتها وجنبات مطاعمها الفاخرة ومراكزها ومناطقها روائح زكية، تختلف في مسمياتها كما منابتها، ما جعل دبي مؤهلة لدخول «دليل ميشلان»، لتصبح بذلك أول مدينة في منطقة الشرق الأوسط تحمل على صدرها نجمات ميشلان العالمية، وذلك بفضل قدرتها على استقطاب الملايين من جنسيات الدنيا، والالآف من الطهاة المعروفين عالمياً وعربياً الذين حطوا رحالهم في المدينة.

ثقافة الطعام، عالمية، ولطالما أشبعت دولاً واقتصادات تحولت أطعمتها الخاصة ببلدانها إلى سفير يحمل ثقافتها، ومصدراً لمداخيل غير متوقعة.

ثراء التذوق

ثقافة التذوق في دبي ثرية ومتفردة، تشبه تماماً ثراء مشهدها الثقافي والاقتصادي الذي بات يستند عليها لتكون رافداً اقتصادياً يدر «دخلاً عالياً» على أولئك الذين اتخذوا من قطاع الأغذية في دبي مجالاً لاستثماراتهم، وقد أصبجوا في ظل الانفتاح أكثر ابتكاراً وإبداعاً في تقديم ما لذ وطاب من الأطباق، لتكون أكثر قدرة على تلبية أذواق أكثر من مئتي جنسية تعيش تحت ظلال «دانة الدنيا».

أصول تراثية

ثقافة الطعام في دبي محفزة، ومستفزة للحواس، لا تعتمد في عملية الترويج لها على «المذاق» فقط، وإنما على أصالة وتقاليد الثقافات القادمة منها، وهو ما ميز سينوغرافيا المشهد في عديد المطاعم الفاخرة التي تطرز جنبات دبي، ففي الوقت الذي يستعيد فيه مطعم «أوبا» اليوناني تقليداً يونانياً قديماً يتمثل في «تكسير الاطباق» تعبيراً عن السعادة، يطل مطعم الشيف إياد أبو الحسن بفقرة «الدحية» التي يستمدها من أصول التراث الفلسطيني ليقدم لزواره لحماً مدخناً وقد مزج مع العسل بعد أن ترك طويلاً على النار، يطعمه لزواره برفقه جملته المشهوره «بوس النعمة»، بينما يتوسد مطعم «لاكاسا ديل تانغو» رقصة التانغو، ويتزين بألوان التراث الموسيقي الأرجنتيني المختلف، في وقت تتميز به منطقة لاست اكزيت الخوانيج بمجموعة من عربات الطعام التي تتنافس فيما بينها بتقديم أشكال وأنواع مختلفة من الوجبات السريعة القادمة من ثقافات مختلفة، ليكشف المطبخ التركي عن وجهه في دبي، فيما يبوح المطبخ الهندي بأسرار التوابل التي سافرت الثقافات قديماً نحو الهند لأجل الحصول عليها، وهو ما انسحب أيضاً على المطابخ العربية من دون استثناء، التي ترجمت عبر أطباقها الأصالة التي غلف طريقة الأمهات وربات البيوت في اعداد الطعام.

في دبي، لم يكن كرم ثقافة الطعام اقتصادياً أقل في مستواه عن جودة التذوق، فقد اتسع نطاقها وتحول إلى مردود اقتصادي، صانعاً من دبي محطة رئيسية، تتوقف عندها معظم العلامات التجارية والمطاعم العالمية، بغض النظر عن طبيعة المطبخ الذي تنتمي إليه، ونوعية الطعام الذي تقدمه، وذلك لا يبدو غريباً عندما نعاين التوقعات التي تشير إلى أن قطاع خدمات الوجبات السريعة في دبي مثلاً سيرتفع بنسبة 5.8% سنويا إلى 4.51 مليار دولار (16.5 مليار درهم) خلال العام الجاري، وفق تقرير صدر حديثاً عن Statista.com التي بينت أيضاً بأن حجم قطاع الوجبات السريعة كان يساوي 3.66 مليار دولار في عام 2018، وبناءً على هذه الإحصائية، يمكن معرفة مدى تأثير ثقافة الطعام ومعها قطاع الوجبات السريعة في الاقتصاد المحلي لدبي، في حين توقع التقرير ذاته بأن تصل إيرادات المطاعم كاملة الخدمات في الإمارات إلى 2.34 مليار دولار (8.5 مليار درهم) في عام 2022، ارتفاعا من 1.94 مليار دولار مسجلة في عام 2018.

قطاع واعد

المطاعم ومعها المقاهي باتت تشكل جزءاً كبيراً من الثقافة الاجتماعية في دبي، ما جعل «قطاع الأغذية في دبي واعداً وواسعاً في الوقت نفسه»، بحسب تعبير علام زيد واصف، الرئيس التنفيذي لشركة سموك ميت لإدارة المطاعم لـ«البيان»، حيث قال: «فرص استثمارية عالية يوفرها قطاع الأغذية والمطاعم في دبي، وهو ما يجعل منها وجهة تقصدها الشركات العاملة في هذا القطاع، بوصفها مدينة عالمية قادرة على استقطاب الكثير من العلامات التجارية المعروفة على الساحة العالمية».

وتابع: لقد أثبتت دبي إنها نموذج جيد يحتذى به في عمليات نشوء العلامات التجارية وتسويقها وكذلك قدرتها على استقطاب علامات تجارية أخرى جديدة، في ظل انتشار مفهوم «المطابخ السحابية»، وتوسع نطاق «توصيل الوجبات» بغض النظر عن المكان والزمان، فضلاً عن الانفتاح الذي تعيشه دبي والإمارات على الثقافات الأخرى، ما ساهم في توسيع نطاق المطاعم الفاخرة التي تتوسد العلامات التجارية العالمية، وتمكين قطاع الأغذية فيها، والذي يمتاز بتنوعه وعدم اقتصاره على ثقافة واحدة.

نكهات مختلفة تقدمها المطاعم في دبي، تتجاوز في ذلك حدود الوجبات السريعة، لتصل إلى أنواع أخرى، كما اللحم المدخن المجبول بالعسل وأنواع شتى من التوابل والبهارات، ليفتح شهية عشاق الطعام ومذاقاته في دبي التي اتخذ منها الشيف إياد أبو الحسن موطناً لتدشين علامته التجارية، محرراً إياها من حدود بلدته الفلسطينية كفر قاسم، مستفيداً بذلك من «سمعة دبي الطيبة» ومكانتها العالمية، لتكون المدينة نقطة انطلاق لعلامة «الشيف إياد» التجارية التي فتحت أبوابها حديثاً في دبي، وبحسب علام واصف، التي تمتلك شركته علامة مطعم الشيف إياد التجارية، فإن دبي ستكون على موعد مع 4 فروع أخرى خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى جملة فروع ستفتح أبوابها في الامارات الأخرى، وقال: «اختيار دبي لتكون مركز انطلاق للعلامة لما تتمتع به من مكانة وتنوع مجتمعي»، قائلاً: «من خلال دبي أعتقد إنه بالإمكان لمس قلوب الناس أجمعين، حيث المدينة تتمتع بسمعة عالمية، وموقع استراتيجي يصل العالم أجمع».

وواصل: «بحكم طبيعة تخصصنا في بيع وتسويق العلامات التجارية وسلاسل المطاعم، فوجودنا في دبي يختصر علينا الطريق كثيراً، فالمدينة توفر كل ما نطمح إليه من تسهيلات وقوانين تحفظ لنا حقوقنا، لا سيما في كل ما يتعلق بحقوق وخدمات ما بعد البيع».

مفاهيم جديدة

«مكانة دبي وتنوع مجتمعها» يمثل سبباً مقنعاً لأي مستثمر في قطاع المطاعم، ليبدأ خطوته الأولى في دبي، ويؤكد علام واصف بأن دبي تمثل الواجهة الصحيحة التي يمكن من خلالها التوسع في بيع وتسويق سلاسل المطاعم والعلامات التجاريةالعاملة في هذا القطاع، قائلاً: «بتقديري أن دبي والسوق الإماراتية لا تزال قادرة على استيعاب علامات تجارية جديدة، وهو ما نتوقعه خلال العامين المقبلين على الأقل، في ظل الإجراءات والتسهيلات التي تقدمها دبي لقطاع الاستثمار، كما نتوقع أيضاً نشوء مفاهيم جديدة في قطاع المطاعم سواء الفاخرة أو السريعة»، مفيداً بأن «مفهوم تقديم اللحوم المدخنة مع العسل والنكهات الأخرى، لا يزال جديداً على السوق المحلية»، مشيراً إلى أن هذا المفهوم قابل للتطوير، قائلاً: «خلال الفترة المقبلة سنقدم برغر الشيف إياد، ليكون امتداداً لمفهوم اللحم المدخن، ليساهم في إثراء تنوع ثقافة الطعام في دبي».

تأصل ثقافة الطعام في دبي، صنع منها عاصمة للنكهات والمفاهيم الجديدة، ويبين علام واصف، بأن تميز علامة مطعم الشيف إياد التجارية بما تقدمه في دبي، مكنه من التوسع نحو دول أخرى.

وقال: «حتى الآن تم بيع علامة»الشيف إياد«التجارية إلى نحو 40 دولة، واستطاعت انطلاقاً من دبي، الوصول إلى الصين وماليزيا واليابان وسنغافورة واسبانيا وألمانيا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، ونطمح خلال العامين المقبلين إلى ان يكون لدينا نحو 200 فرع على مستوى العالم».

حصة وازنة

ويبدو أثر ثقافة الطعام واضحاً في القطاع الفندقي، حيث تشير إحصاءات رسمية صادرة من «الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء» إن قطاع الطعام والشراب يحتفظ بحصة وازنة من الإيرادات، حيث أن متوسط مشاركة القطاع في الفنادق بلغ 37 % من إجمالي إيرادات الفنادق الإجمالية خلال ثلاث سنوات (2018 - 2020).

ومثال ذلك، بلغت إيرادات الفنادق في الدولة من الطعام والشراب، في العام 2020، نحو 5.96 مليار درهم وبنسبة 36% من إجمالي إيرادات الفنادق الإجمالية البالغة 16.63 مليار درهم.

Email