الشغف بالفنون.. تجارة خارج «الصندوق»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يشهد نشاط تجارة الأعمال الفنية في دبي، نمواً متسارعاً، في إطار نمو الصناعات الإبداعية محلياً وعالمياً. وبات يتصدر المشهد في الحراك الإبداعي، سواء بوصفه حقلاً استثمارياً أم نشاطاً ثقافياً. وهو يسهم على نحو فاعل في تعزيز رصيد الإمارة، وترسيخ مكانتها، مركزاً فنياً على المستويين الإقليمي والعالمي.

من جهة ثانية، يمثل القطاع الفني، في دبي، حقلاً للممارسات الإبداعية، وميداناً حيوياً تختبر فيه أساليب العمل الجديدة، ومجالاً ابتكارياً يقوم على التفكير خارج الصندوق. وهو يعد، بهذا، واحداً من أكثر القطاعات تأثيراً في أنمطة الأعمال، في حقول ومجالات أخرى، ربما تبدو بعيدة عن عالم الألوان، والتجسيم، والتركيب.

انطلاقة جديدة

وبدأت رحلة الإمارات عموماً، ودبي خصوصاً، منذ وقت طويل، إذ تؤكد دراسة بحثية نشرها «معهد دول الخليج العربية في واشنطن»، أن الإمارات ساهمت، منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي، «في كل النقاشات الإقليمية والدولية حول الفن المعاصر». و«بحكم موقعها كحلقة وصل بين الشرق والغرب، أصبحت مركز نقل تجاريّاً ومالياً. وبرزت كمركز إقليمي للفنون ذي بعد عالمي».

وبذلك، فإن هذه الدراسة البحثية ترى أن تطور القطاع الفني، في الإمارات ودبي، جاء في سياق نظرة شاملة، تسعى إلى تطوير الاقتصاد وتحديثه، وتحديث منظومة الحياة وتعزيزها. وذلك عبر استيعاب التجارب العالمية وتوطينها، واحتضان أنشطة الاقتصاد الجديد، و«الاقتصاد الإبداعي» على وجه الخصوص.

وفي هذا السياق، تبرز تجربة المدير الإقليمي لمعرض «آرت دبي»، هالة خياط، التي شغلت سابقاً منصب مديرة إدارة الفنون الشرق أوسطية وكبيرة الاختصاصيين لدى دار «كريستيز دبي للمزادات»، التي اختارت «البيان» محاورتها حول تجارة الأعمال الفنية في دبي، بالنظر إلى خبرتها الكبيرة في هذا المجال.

تجزم خياط أن «دبي أثبتت جدارتها في التحول إلى قائدة في مجال الصناعات الفنية على مستوى المنطقة ككل. وهي تحتل، اليوم، مكانة هامة جداً كمركز نشاط الحركة التجارية الفنية وصناعة الحركة الفنية»، وتلفت إلى أن دبي حققت طفرة في هذا القطاع منذ أكثر من 15 عاماً باستقطاب دور المزادات العالمية.

ما شجع على ظهور صالات العرض الفني، التي تمركزت في دبي بعدة مناطق مثل منطقة السركال والمركز المالي التجاري العالمي والقوز. إضافة إلى البرنامج العالمي المكثّف للأعمال الفنية في الشارقة، وكذلك مشروع المتاحف في أبوظبي.

وبالنتيجة، بحسب خياط، تمكنت دبي، بعد 15 عاماً، من إنشاء سوق فني، قوي ومتين، مبني على أسس عالمية. وأصبحت فعاليات دبي الفنية أرضاً، معترفاً بها عالمياً، لاستكشاف التوجهات الفنية الجديدة والاحتفاء بها.

مزادات

الأرقام المتعلقة بمؤسسة مرموقة تستحوذ على أكثر من 70 % من حصة السوق، مثل «دار كريستيز دبي»، تكشف عن ازدهار القطاع، فقد أقامت في 15 عاماً نحو 50 مزاداً، تمثل قيمتها 10.6 مليارات درهم.

وتحمل الرقم القياسي لأغلى مجموعة أعمال فنية خاصة في الشرق الأوسط تُباع بالمزاد؛ مجموعة د.محمد سعيد فارسي، التي بيعت بسعر بلغ 15.4 مليون دولار. والرقم القياسي لأغلى عمل فني يُباع في الشرق الأوسط بالمزاد وهو منحوتة «الجدار» للفنان الإيراني برويز تنافولي، التي بيعت بمبلغ 2841000 دولار.

ومن جهة ثانية، يقدم تقرير للأرقام التجارية صادر عن الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء (2020)، فكرة عن إجمالي واردات الإمارات من الأعمال الفنية في عام 2019 ويحددها بحوالي 7.3 مليارات درهم، مقارنة بـ 4.6 مليارات درهم في عام 2018.

أبعاد الاقتناء

من القضايا التي لا تزال تثير الفضول، تلك المتعلقة بنوعية الأعمال الفنية المعروضة في دبي، وغايات وأسباب اقتنائها، والعوامل التي تحرك «المستهلكين» في هذا السوق غير التقليدي. وهذه الأخيرة تبدو أكثر تعقيداً.

وفي هذا، تقول خياط: تختلف غايات الأفراد من اقتناء الأعمال الفنية؛ هناك من تؤول إليهم أعمال فنية كجزء من تركة عائلية أو ميراث، فيصبحون مؤتمنين عليها، وهناك من يقتنونها بسبب تمتعهم بحس تقدير قيمة الفنون. وهناك من يحركهم شغف معين بنوع معين من الفنون أو الثقافات.

وغيرهم يقوده اهتمامه بدعم المواهب الشابة إلى الشغف بالفنون واقتنائها. وهناك من يستثمر بالأعمال الفنية، فيما يراها آخرون وعاء مالياً مناسباً. وفي العموم تختلف الأسباب وتتعدد، ولكن الشغف نفسه يبقى عاملاً سحرياً لا يمكن فهمه إلا بقوة التأثير، التي يتمتع بها الفن على الإنسان.

تقرير ومعطيات

وهذا ما أكده تقرير لغرفة تجارة وصناعة دبي عن نمو تجارة الأعمال الفنية في دبي (2016)، حيث لفت إلى أن الأعمال الفنية تجذب مزيداً من اهتمام مؤسسات عالمية ومستثمرين أفراداً ينظرون إلى الأعمال الفنية، باعتبارها سلعاً تحافظ على قيمتها العالية، وتمثل في بعض البلدان ملاذاً من الضرائب.

وتؤكد خياط أن اقتناء الأعمال الفنية يبقى واحداً من سمات العصر، وجزءاً من المنظومة الحياتية العصرية والاقتصادية، التي يتحرك فيها الأفراد اليوم.

وتضيف: لقد برهن الفن اليوم، بعد مرور أكثر من خمسة قرون على تبلور حركة التجارة في الفنون، أهمية الاستثمار في الفنون وجدواه. وهذا النوع من الاستثمار يحتاج الموثوقية والخبرة الفنية. ولذلك، يلجأ المقتنون إلى بيوت خبرة مرموقة، موثوق بها، لاختيار الأعمال الفنية التي يستثمرون بها.

وحول المصادر التي تعتمد عليها تجارة الأعمال الفنية في دولة الإمارات، بشكل عام، تقول خياط، الحاصلة على الماجستير في دراسات التصميم من جامعة «سنترال سان مارتين» في لندن: تعتمد المعارض و«الغاليريهات» في الإمارات، بنسبة تقترب من 50 %، على المصادر الداخلية في توفير معروضاتها من الأعمال والقطع الفنية. ويساعدها في ذلك وجود حركة فنية نشطة في الدولة. لذا، تلجأ منصات البيع المحلية إلى دعوة كبار المقتنين العالميين لزيارة دبي لتعريفهم بأهم الظواهر والتجارب الفنية.

عامل السرية

وعن أشهر وأهم مقتنيي الأعمال الفنية في دبي، تلفت خياط إلى أن منصات بيع الأعمال الفنية تعتمد سياسة حماية سرية كبار مقتنيي الأعمال الفنية؛ لذا، في الغالب، تمتنع عن كشف أسماء المتعاملين معها، وحجم ما ينفقونه في هذا السياق.

وبالطبع من المؤكد أن هذا يشجع الكثيرين على الاستثمار في الفنون. ولكن هل هذا يتواءم مع الحوكمة والشفافية والحفاظ على القوانين فاعلة، لا سيما قوانين الضرائب وسواها؟ هذه أسئلة تبقى خارج نطاق الإجابة، لأنها تتعلق بوضع علمي يحيط بتجارة الأعمال الفنية.

وتؤكد خياط أن ظاهرة اقتناء الأعمال الفنية في تصاعد، إذ ينشط في سوق الأعمال الفنية في دبي أفراد وعائلات وشركات من المهتمين باقتناء الفنون. إضافة إلى أن هذا سوق العمال الفنية، متنام، ويجتذب المزيد من المقتنين يوماً بعد يوم.

وتشير خياط إلى أن «اقتناء الفنون» قيمة بحد ذاته، ولا يهم إن كان العمل بسيطاً أو باهظ الثمن: فـ«اقتناء الفنون» لا يمثل فقط مستوى معيناً من الذائقة وتقدير الفنون، بل يشير كذلك إلى مستوى التطور الحضاري، ومواكبة العصر، على المستويات كافة، الاجتماعية والاقتصادية. ومن المهم، هنا، أن الشغف بالفنون يمثل سوقاً تنقل العقل إلى التفكير خارج صندوق الأفكار المعتادة.

ووفق تقرير «غرفة دبي»، الآنف الذكر، فإن فوائد تجارة الأعمال الفنية لا تقتصر على تنشيط حركة وسطاء البيع فحسب، بل وتخلق الفرص لمجموعة واسعة من الشركات المتخصصة والعاملة في مجالات الحفظ، والترميم، والتغليف، والشحن، والتأمين، والسياحة، إضافة إلى الإعلان والتسويق.

أسواق ومشاركات

وفيما يتعلق بحجم الإقبال على الأعمال الفنية خارج المزادات العالمية في دبي تقول خياط: إن سوق الأعمال الفنية في دبي، ليست سوقاً محلية مغلقة. فهناك مزادان فنيان يتم تنسيقهما على الانترنت، ويكون الاقتناء على مستوى العالم، بمعنى أنه ليس شرطاً أن يتم الاقتناء حصراً في دبي. وهناك نحو 40 غاليري تعرض أعمالها طوال العام، على منصات كبيرة وهامة، وعلى الانترنت.

معايير عالمية

وتشير خياط: إن تقييم المعارض المحلية يتم بواسطة لجان مختصة تجتمع على مدار شهر كامل، وتخطط وتقرر ما هو الأهم وما يستحق العرض. ونحن في منصة «آرت دبي» نهتم بالقيمة الفنية للأعمال وليس المادية.

وحول كيفية تقييم الأعمال الفنية من الناحية التسويقية ضمن معرض «آرت دبي»، وما هي المعايير التي تستند عليها لجنة القيمين الفنيين في قبول أو رفض الأعمال المشاركة، تقول هالة خياط: إننا نقوم باعتماد المعايير العالمية في عمليات ضبط الأسعار والتقييم، حيث يتم تقييمها بناء على حوار مع صالات العرض حول أهم الفنانين الذين قد يكونون الأنسب لسوق دبي ومعرض «آرت دبي».

 

Email