كيف تروى حكايات الوجع والحرية.. بكاحل القدم؟

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نصف وجه. نصف طريق. ابتسامة تجاور عينين تائهتين. قدم تريد المضي وأخرى تطمئن إلى البقاء. الجمهور ليس على مقاعد المسرح هذه المرة، بل هو المسرح ذاته. يحدث ذلك كله حين تتلاقى تونس مع سوريا.

منى بن الحاج الذكري وإبراهيم جمعة ممثلان شابان ينتميان إلى المسرح. هي تربت في مدرسة المخرج الفاضل الجعايبي حيث "الممثل لا يتقمص الآخر، بل الممثل هو الآخر". هو مخرج ودراماتورج (الحلقة بين النص والتجسيد على الخشبة) اعتاد أن يكون خلف الستار، لكن ليس هذه المرة، مع عرض "النقطة العمياء" أحد هدايا "أيام قرطاج الكوريغرافية" التي احتفت على مدى أسبوع بمعاني وقيم الرقص المعاصر في العاصمة التونسية.

النقطة العمياء

تلك النقطة التي نتوقف عندها عن الرؤية. نقارب مناطق الخطر. نصبح سجناء عزلتنا وألمنا، أراد كل منهما تجاوزها. التقيا قبل شهور في صدفة مهنية. افترقا. مثلما يفعل الأصدقاء تبادلا الكثير من الرسائل. بين تونس ودمشق. تحدثا فيها عن كل شيء: المسرح والوطن. الرحيل والبقاء. الموت والحياة. الأمل والألم. ثم قررا تحويل تلك الرسائل إلى عرض قدم على خشبة "مسرح الحمرا" العريق وقبله في بيت عتيق في المدينة القديمة هو "قشلة العطارين".

الكتابة شفاء للروح والمسرح

هو إطلاق للروح في فضاء الفضول والاكتشاف. نعود أطفالا"، تقول منى. على الخشبة، كما لملامح مهرج السيرك الباكي الضاحك، تلون وجهها، وتدوّر حول كاحلها خيط يمتد بعيدا عن إطار تعزل نفسها في داخله. تدوّر القدم على أطراف أصابعها. يلتف الخيط. ينسحب شيء ما يشده الخيط لجهة قلبها وقلوب خمسين متفرجا يجلسون مع الممثلين على الخشبة. يظهر أن طرف الخيط متصل بكتلة قماش. لباس شخص لم يعد موجود. تحتضنها. تعصر قلبها:" فقدت أبي ومعلمتي في فترة واحدة. كتبت هذا المشهد من وحي هذا الفقدان. في كل مرة أحتضن اللباس. أشعر بأبي يحوم حولي"، تقول من دون أن تخفي دموعا تبين خجولة مثل شخصيتها.

الطريق

تلك الدموع ذرفت كثيرا في وعلى دمشق. وهي التي جعلت إبراهيم يفكر مرارا بالرحيل طوال السنوات الماضية:" لكنني حسمت أمري. تحايلت على الحياة وعلى الموت وبقيت"، يقول. وها هو طوال الدقائق الافتتاحية في العرض، يختبئ تحت كاهل أفكاره وصراعاته الداخلية تحت مظلة، تثقل كاهله، ولا يظهر للمتفرج إلا قدمين. كما منى، نعرف المأساة من الكاحل. لا يدور هنا بل يتلوى. مرة للداخل ومرة للخارج. مرة يعز على ابن سوريا الرحيل ومرة يناديه الطريق الى الخارج.

ثم يرسمان طريقا. خارج العزلة. يحتضنان بعضهما البعض. يتفاقزان مثل طفلين. يلعبان كما في دهشة البراءة الأولى حين نكون خارج الإطار الزمني للوعي بالهزائم الشخصية والشاملة المتراكمة. تلك التي تحفر في أرواحنا ووجوهنا. نحن نشيخ في بلادنا بإيقاع أسرع وتحف الخطوط جبهاتنا، حتى يستحيل علينا طلاؤها بالكامل بضحكة مهرج. قلوبنا مثل أرواحنا مثل وجوهنا مقسومة على صراع أبدي: نحب ولا نطيق!.

يستعد "النقطة العمياء" للبحث عن فضاءات أخرى للعرض في مهرجانات ثقافية مقبلة، في تونس وخارجها، مضيفا إلى سيرة منى اللامعة بأعمال مثل " بيس" (سنية زرق) و"نافذة على"(الراحلة رجاء بن عمار) و"شدوني لا" (آسية الجعايبي)، وتجربة إبراهيم التي تشمل أعمال مثل "ليست أنا" و"دراما" (أسامة غنم) و"معلّق" (ميار ألكسان).

Email