من اختطف "الزيتونة"؟ تسعة راقصين وراقصات يبحثون عنها!

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

"الزيتونة". ربما تكون هذه الكلمة هي من الأكثر تردادا في فضاء المدينة القديمة في العاصمة تونس. مرد ذلك الى الجامع العريق الذي يعود تاريخه الى ما يقترب من 1300 عاما. تدلل الحشود الوافدة الى الأسواق في داخل المدينة، الصاخبة بحركة التجارة والسواح، على هذا الجامع من أجل الوصول الى عنوان محدد، تماما كما درج الأسلاف على فعل ذلك طوال مئات السنين. لا شيء تغير إذا؟ في تلك "المتاهات" الساحرة التي يطلق عليها اهل تونس اسم "الأنهجة"، ربما لم يتغير الكثير، باستثناء أن "الزيتونة" غير موجودة، كما أن آلاف الزيتون في تونس مهدد بالتلاشي بسبب ظاهرة التبدل المناخي!

انسحاب خاسر
على بعد 30 دقيقة مشيا على الأقدام، من صحن الجامع، خروجا عبر شارعي "بو رقيبة" و"محمد الخامس"، بالإمكان الوصول الى "مدينة الثقافة". على مسرحها، سيدة، تجر جذع زيتون ذابل. تجره برقبتها. تتسحب ببطء كما يفعل الخاسرون في أيام الخراب، حين لا يبقى شيء لنا، الا غصن شجرة تذكرنا بالحياة، نجره وراءنا، ونترك مسرح الدنيا خاسرين.

ألم وتصفيق
أراد عماد جمعة، مصمم الرقصات التونسي، وصاحب العمل، مع تسعة راقصين وراقصات من مجموعة "باليه تونس" أن يجسدوا صورا قاسية لذبول طبيعتنا بسبب التعديات الأنانية والجشعة على مصادرها ومظاهرها.

حمل العمل، الذي أنتجه "مسرح أوبرا تونس"، اسم "سلام"، في رسالة واضحة الى التعطش لحالة سلام بين الكائن البشري وبين كوكب الأرض. هدنة من الجور الدائم والافناء الممنهج للموارد والمساحات. كانت النتيجة الكثير من الألم ثم التصفيق. لم يخل الأمر في بعض المرات من الضحك.. المر!

الألم مرده مشاهدة الجمهور لمستقبل قد يكون قد حدث فعلا. لقد ابتلعتنا النفايات الى حد أنها طغت على انجاز البشر وحضارتهم المديدة لآلاف السنوات، وأصبحت هي السمة التي يوصم بها الانسان الحديث خلال النصف قرن الماضي، الى درجة أن المتاحف ستضم قريبا ذلك كله باعتباره "منجزا" بشريا.

شاهد الجمهور ذلك بتحسر، ولم يمنع نفسه من الضحك بعفوية، حين هبط ما بين مقاعد الفرجة فجأة، رجل مكسو ببذة بيضاء، نعرفه جيدا. لكأنه فرد من عائلاتنا. عشنا معه لأيام طوال خلال أكثر من سنتين. حاصرنا في كل وقت. مثل أخ أو اب أو صديق نعرفه جيدا، تفاجأنا بوجوده بين المقاعد على المسرح، وضحكنا للمفاجأة. هو الرجل في البذة البيضاء: "معقم كورونا الشهير".

نقد ذاتي
تقول أميمة مناعي، احدى المشاركات في العمل لـ"البيان":" سلام ليس عملا تقليديا. الكثير من الطاقة المتواترة والمتوترة تحكم عمل الراقصين لستين دقيقة. يعبرون، بالجسد، رعبه وانكماشاته، تمدده وتسلطه وتعدياته، هيجانه واستكاناته، عن ذلك الأتون المستعر الذي يغلي. ان لم نتوقف حالا، سوف نؤدي الى انقراض جنسنا البشري".

يوافقها مواطنها وائل مرغني الذي ارتدى في أحد مشاهد العرض بذة راقصة باليه، مع جزمة تذكر بأحذية الروك اند رول، في صورة تعبيرية تختصر المؤسسة الفنية الكلاسيكية والمعاصرة. في واحدة من أجرأ المقاربات، وجد الجمهور نفسه شاهدا على ادانة عمل راقص لمؤسسات الرقص نفسها أو "بعض المؤسسات الثقافية ومنتجي الفنون الذين لا يولون اهتماما الى قضايا البيئة في أعمالهم".

الثقافة أيضا، مع المجتمع ومتخذي القرار، في وجه المحاسبة. " أين ذهب زيتوننا؟". نكاد نستمع الى همس أميمة وهي تجر العروق الذابلة.

يعطي تقرير محلي أصدرته "زارة البيئة التونسية" بعض الإجابات الصادمة: بعد 30 عاما من اليوم سيزيد ارتفاع منسوب مياه البحر، تضطرب المواسم، ينتشر الجفاف، وستخسر تونس ما لا يقل عن 215 مليون دولار أمريكي من صادرات زيتونها.

لن يتوقف الامر عند هذا الحد، وبحسب تقرير "الآثار الاقتصادية لتغير المناخ في تونس"، فإن انتاج الحبوب سيتعرض لنكسة مع هجر 30% من اليد العاملة لهذا القطاع بسبب عدم الجدوى الاقتصادية والاضرار البيئية، ناهيك عن انخفاض كبير في الصيد البحري.

في "سلام" عماد جمعة، الذي عرض ضمن افتتاحية "أيام قرطاج الكوريغرافية"، والذي ومض بصور ممسرحة وراقصة عن الأثر المدمر للتغير المناخي، بقي الأمل منصوبا ولم يتبدد. عند المشهد الأخير، الذي تضامنت فيه المجموعة وتكاتفت حول مجسم ضخم لكوكب الأرض، كان على الجمهور أن يصفق. كثيرا.

 

 

Email