الاقتصاد الثقافي

«دبي للثقافة».. سحر الأرقام الخفي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت السنوات القليلة الماضية عدة مستجدات تصب في اتجاه تعزيز قطاع الاقتصاد الإبداعي. ومن هذه المستجدات اسناد مسؤولية «دبي للثقافة» إلى سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وإطلاق «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي». واليوم لدينا بعض الأرقام التي تتحدث عن الإنجازات في هذا المجال.

«نحن نتجه بالاتجاه الصحيح وفق استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، العام الماضي، وفي مقدمتها تحويل دبي إلى مركز عالمي مستقبلي للإبداع وموطن رئيسي للاقتصاد الإبداعي».

تقف وراء هذه الكلمات، التي دونتها سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة»، عضو مجلس دبي، في «تغريدة» على صفحتها الرسمية على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»، أرقام بالغة الدلالة، تحتاج إلى قراءة متأنية، واستنطاق يستخرج المعاني العملية، ويستشف الأثر الفعلي.

في الواقع، أتبعت سموها هذه «التغريدة» بنشر خلاصة رقمية لدراسة أجرتها هيئة الثقافة والفنون في دبي، «دبي للثقافة»، بالشراكة مع مركز دبي للإحصاء، وتناولت «تنامي تنافسية دبي على الساحة العالمية كعاصمة للاقتصاد الإبداعي».

وبهذا، فإن أول مواضع الأهمية، هنا، تتجاوز أهمية وإلحاحية الأرقام، إلى الأسلوب الذي انتهجته «دبي للثقافة»، والقائمين عليها، في تقييم جهدهم، وأثره، ونتائجه. وهو أسلوب يعكس (1) الالتزام بالمهنية، (2) الموضوعية والشفافية، (3) الجودة والتمسك بالمعايير، (4) روح المبادرة، (5) إرادة مراجعة الأداء.

وهذا باعتبار أنهم:

- اختاروا لغة الأرقام في تقييم ما حققوه لغاية اليوم. ولغة الأرقام دقيقة ومحايدة. وهو ما يعكس رغبة حقيقية في معرفة مستوى الإنجاز الفعلي.

- قاموا بذلك في سياق شراكة مع مؤسسة متخصصة رسمية ومرموقة، «مركز دبي للإحصاء»، مع ما يعنيه ذلك من موضوعية ونزاهة وشفافية.

- بادروا إلى إجراء عملية تقييم لجهودهم، وجنحوا إلى ذلك دون انتظار انتهاء المهلة الزمنية المحددة لهم. وهو ما يعكس رغبة حقيقية في مراجعة الأداء.

وبالعودة إلى تدوينة سموها، «نحن نتجه بالاتجاه الصحيح وفق استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، التي جاءت لتمثل خلاصة لتلك «الدراسة»، وما أفضت إليها من أرقام، يمكن الاطمئنان إلى أن العمل على تنفيذ «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، ووضعها حيز التطبيق، يجري على قدم وساق، وبسرعة تثير الإعجاب.

مقارنة ومقاربة

ومن، هنا، فإن ما يتبقى هو التمعن بتلك الأرقام، التي تؤكد ذلك، والبحث فيها. غير أن هذه الأرقام تقابلها في الواقع أرقام أخرى تضمنتها «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، بوصفها معدلات مستهدفة، منشود الوصول إليها، ضمن مدة زمنية محددة. وهذه وتلك، معطيات ضرورية لتقييم مستويات النجاح.

وهنا، تجدر الإشارة إلى تسلسل الأحداث المهمة في قطاع الاقتصاد الإبداعي في دبي:

- مطلع سبتمبر 2019، وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتعيين سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة لهيئة الثقافة والفنون بدبي.

- مطلع أبريل 2021، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي».

- تتناول «الدراسة»، المشار إليها، الإنجازات المتحققة في العام 2020. أي العام الأول الذي مر على تعيين سموها رئيسة لهيئة الثقافة والفنون بدبي، «دبي للثقافة». وحينها لم تكن «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، قد أطلقت بعد.

أي، من حيث المبدأ إن الأرقام التي خلصت إليها «الدراسة»، تؤشر تحديداً على إنجازات «دبي للثقافة»، خلال عام من قيادة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد لهذه لمؤسسة. ومع ذلك يلحظ القارئ أن هذه الأرقام وثيقة الصلة بما تضمنته وثيقة «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي» من أرقام وطموحات.

ولننظر تالياً إلى:

تهدف «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي» إلى تحويل الإمارة إلى وجهة مفضلة للمبدعين من كل أنحاء العالم، وعاصمة للاقتصاد الإبداعي بحلول 2025، بما يحقق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بما يتعلق باقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار.

وعملياً، تستهدف «الاستراتيجية» مضاعفة المعطيات خلال مدة خمس سنوات، ومثال ذلك: مضاعفة مساهمة القطاع الإبداعي في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، من 2.6 % في نهاية 2020، إلى 5 %، وعدد الشركات الإبداعية في مجالات المحتوى والتصميم والثقافة، من 8 آلاف شركة إلى 15 ألف شركة. وفي نفس السياق، مضاعفة عدد المبدعين من 70 ألفاً في دبي حالياً، إلى 140 ألفاً.

ومن هنا، يمكن مقارنة هذه الأرقام بمخرجات «الدراسة» المشار إليها، وهي تشير إلى ما يلي:

- 4.02 % نسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي.

- 12 % نسبة النمو في عدد الشركات الإبداعية في عام 2020 (14771 مؤسسة).

- 12.5 % نسبة زيادة عدد الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر العاملة في مجالات الصناعات الإبداعية (14500 شركة).

- 108444 وظيفة ضمن القطاع في عام 2020.

- 4.1 نسبة الزيادة في مساهمة القطاع الإبداعي في العمالة بالإمارة.

- 47.6 % نسبة مساهمة قطاع الخدمات التصميمية والإبداعية في القيمة المضافة في عام 2020.

قراءة واستنطاق

يستطيع المرء من خلال عملية ربط ومقارنة بين الأرقام الواردة في «الدراسة» و«استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، أن يتبين حجم الإنجاز المتحقق في عام واحد؛ فالهدف الذي تنشده «الاستراتيجية» بما يتعلق بنسبة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية في الناتج المحلي هو 5 %، وما تحقق من ذلك في عام واحد، بحسب «الدراسة»، هو 4.02 %.

وتطمح «الاستراتيجية» إلى مضاعفة عدد الشركات الإبداعية في مجالات المحتوى والتصميم والثقافة، من 8 آلاف شركة إلى 15 ألف شركة. وما تحقق من ذلك في عام واحد، بحسب «الدراسة»، هو 12 %، أي ما يصل إلى 14771 مؤسسة.

وتطمح «الاستراتيجية» إلى مضاعفة عدد المبدعين من 70 ألفاً في دبي حالياً، إلى 140 ألفاً. وما تحقق من ذلك في عام واحد، بحسب «الدراسة»، هو رفع عدد الوظائف في القطاع إلى 108444 وظيفة.

من الملاحظ أن هذه الأرقام المتحققة في عام 2020، وهو العام الأول من قيادة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد لـ«دبي للثقافة»، قريبة للغاية من الأرقام المستهدفة في «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي»، التي أطلقت في أبريل العام التالي (2021).

بطبيعة الحال، يؤشر ذلك على أهمية متابعة الجهود وقياس الإنجازات بأدوات متخصصة، مثل هذه «الدراسة» المشار إليها، التي أعطت على أقل تقدير فكرة عن طاقة العمل ومردود الجهد في «دبي للثقافة» خلال عام واحد. ومن المؤكد أن هذه «الدراسة» لو كانت متاحة في مطلع العام الماضي لجاءت مستهدفات «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي» مختلفة بعض الشيء.

خلاصات

يمكن بمعونة مخرجات، «الدراسة» المشار إليها، الجزم ببضعة معطيات رئيسة، منها على سبيل المثال أن بيئة الأعمال في دبي مرنة، وقابلة للنمو، ويمكنها أن تسجل معدلات سريعة وقياسية. وبالتالي، يمكن القول إن المستهدفات التي تضمنتها «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي» هي واقعية تماماً، وقابلة للتحقق في زمن قياسي، وقبل انتهاء المدة المحددة (خمس سنوات).

الأمر الثاني، الذي يبدو واضحاً من مخرجات هذه «الدراسة»، هي أن الجسم الأساسي الغالب على القطاع الإبداعي في دبي الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر العاملة (14500 من أصل 14771 شركة). وهذا يعطي صورة واضحة عن الجهة التي يرتبط ازدهار قطاع الاقتصاد الإبداعي في دبي بها؛ وبالتالي، تصبح الجهة التي يجب أن توجه إليها الحوافز والتسهيلات واضحة.

الأمر الثالث، بارتفاع عدد الوظائف التي يوفرها القطاع الإبداعي من سبعين ألف وظيفة إلى 108444، خلال عام واحد، إنما يؤكد القدرة التشغيلية الهائلة للاقتصاد الإبداعي عموماً. والأمر المهم هنا، هو أن واحدة من مؤشرات هذا القطاع هو طاقته التي لا تنضب في (1) خلق الوظائف، و(2) النمو المتواصل. وتكون عافيته، بالعادة، مقترنة بما يحققه من نسب في هذا الاتجاه.

وما تظهره أرقام «الدراسة» تؤكد أن هذا القطاع يعيش شباباً نشطاً، ويتمتع بالصحة والعافية.

الأمر الرابع، إن حقلي التصميم والخدمات الإبداعية يمثلان ما نسبته 47.6 % من قيمة قطاع الاقتصاد الإبداعي. أي، ما يعادل النصف تقريباً. غير أنه في الوقت الذي يؤشر فيه هذا الرقم على الصحة والعافية التي يعيشها هذان الحقلان، «التصميم» و«الخدمات الإبداعية»، إلا أنه يؤشر بالمقابل على إمكانيات نمو مطلوبة في الحقول الأخرى من هذا القطاع.

وهنا، علينا أن نتذكر قطاع الاقتصاد الإبداعي، وفق «استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي» يتكون من عشرة حقول؛ وبالتالي، فإن من أكبر التحديات الماثلة في المرحلة المقبلة هي تعزيز هذا النجاح وتعظيمه من خلال خلق توازن بين إسهامات مختلف حقول هذا القطاع. ويبدو هذا، أمراً مهماً وملحاً، على نحو خاص، لأنه يتعلق بازدهار الجسم الأساسي الغالب على «الاقتصاد الإبداعي» في دبي؛ أي، الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر العاملة في القطاع.

سحر

في الواقع، حينما تشير الأرقام إلى النجاح، وتعبر عن جهد دؤوب وعمل منتظم، وعندما تؤشر على معطيات مهمة، وتكشف عن مسارات ممكنة وضرورية، تصبح لها تلك الهالة المحفزة والإيجابية. ذلك هو سحر الأرقام الخفي.

لا يبقى إلا أن نكرر مع سموها كلماتها، التي قالت فيها: «شكراً لكل جهد استثنائي ساهم في تحقيق هذه الأرقام القطاعية».

Email