«التجربة الألمانية».. قصة نجاح ملهمة برؤية إماراتية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع قهوة الصباح في برلين، وتحديداً في مخبز السيد هيلمان، تأتي بدايات حديث علي الأحمد، سفير دولة الإمارات السابق في ألمانيا، حول قصة النجاح الألماني الذي ألهم العالم، من خلال كتابه «التجربة الألمانية» الصادر عن دار «روايات» التابعة لمجموعة كلمات، والذي يستعرض في فصوله أسرار الصعود الاستثنائي الألماني، على الرغم من خروجها خاسرة في حربين كونيتين، وحقبة مريرة من الحكم النازي الذي أنهكها والعالم أجمع.

 

محطات مختارة

يتجول الكتاب في متاحف ألمانيا، وينقل آراء فلاسفتها، ويستمع القارئ فيه إلى معزوفات فنانيها، من خلال محطات مختارة من الواقع والتاريخ والثقافة الألمانية، إضافة إلى بعض الشواهد التاريخية للحرب العالمية الثانية، وعوامل النهوض وإعادة البناء والانطلاق الصناعي الباهر الذي حققته ألمانيا في فترة قياسية.

الشباب، كما يؤكد مؤلف الكتاب، هم جذوة الأمل التي انطلقت من خلالها ألمانيا عبر «مكتب الشباب الفرنسي الألماني» الذي تأسس بموجب معاهدة الإليزيه بين الزعيمين الفرنسي شارل ديجول، والمستشار الأول لألمانيا الغربية كونراد أديناور، حيث يتحدث عن «التكامل والاندماج» الذي نجح المكتب في تحقيقه، وإسهامه في تعميق العلاقات الألمانية الفرنسية، وخلق كفاءات أثرت سوق العمل الأوروبي، وأسهمت في تعزيز التقارب الثقافي بين البلدين، وطي صفحات من الحروب والصراعات التي سادت علاقاتهما.

 

نموذج

أما الخباز الذي تحدث عنه الكتاب، فإنه يبرز نموذجاً لأسلوب الحياة التنظيمي للمهن في ألمانيا، إذ يمتلك السيد هيلمان مخبز «بروكهايم»، ويحتاج ولده يورجن، ذو العشرين عاماً، إلى دراسة تمتد أربع سنوات لينال لقب «خباز مبتدئ» ويسمح له بالعمل في المهنة. وهنا يؤكد الكاتب أهمية تنظيم الأدوار بين القطاعات الاقتصادية لتكون مساهماً في تطور البلاد، وذلك من خلال تسليطه الضوء على «برنامج التدريب» الذي أنشأته الحكومة الاتحادية الألمانية عام 1969، لضمان بناء مهارات محددة لكل حرفة، وبذلك يصبح الخريجون على مستويات عالية من التأهيل لإمداد سوق العمل بالكفاءات التي أسهمت في الترويج لجودة المنتج الألماني العالي السمعة عالمياً.

مع قهوة الصباح بدأ علي الأحمد حديثه عن التجربة الألمانية، وعلى ضفاف نهر الراين يختتمها مع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، حيث يتحدث عن العلاقة التي تربط سموه بالكتاب، وحرصه على زيارة تلك المنطقة التي تحتضن معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

تتضح الرسالة التي يبعثها سموه من تلك الزيارات من خلال تتبع لقاءاته مع العارضين من دور النشر العربية، الذين تجمعهم به صداقات تمتد لسنوات، حيث يتحدث معهم عن آمالهم وتحدياتهم في مجالي النشر والتوزيع، وهم يشاطرونه إيمانه بأهمية الكتاب والمعرفة في بناء الأمم.

لم تكن قراءة الأحمد للتجربة الألمانية في إطارها العام إلا رؤية تنطلق من تجربة لها ارتباط عميق الصلة بالنموذج الألماني، إنها التجربة الاتحادية الإماراتية، التي برزت كنموذج عالمي استطاع أن يؤسس لنهضة تنموية شاملة، ولئن كانت ألمانيا قد نجحت في تجاوز التحديات التي أفرزتها سنوات الحرب العجاف، فإن الإمارات نجحت في تجربتها ببناء دولة وتوحيد كلمة وخلق منجز حضاري ملهم.

Email