«وجه روسيا» الإعلامي يقترب من عامه التسعين بذهن متقد وطاقة لا تنضب

فلاديمير بوزنر: الحوار مبارزة والقصص تشفينا

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يمكن اعتبار فلاديمير بوزنر صحافياً عابراً للأزمة؟ الأزمنة تتغير، والخرائط، والأفكار، لكن أمراً واحداً لم يتغيّر في عقلية الرجل الذي تصفه صحافة بلاده بلقب «وجه روسيا».. الإعلامي، على الأقل.

إنه العناد لطرح الأسئلة الصعبة، بوسعنا أن نطلق عليه لقب «لاري كينغ روسيا»، لكن ذلك قد يكون إجحافاً بحقّ رجل عاصر بنفسه زمن «كينغ» وعمل صحافياً في نيويورك بداية السبعينيات وكان الوجه الروسي المفضل للإعلام الأمريكي في حقبة «الحرب الباردة» ليشرح أفكار «الاتحاد السوفييتي» بطريقة أخضعها هو نفسه بعد عقود لنقد ذاتي واعتذر عن بعضها وصنفه ضمن خانة «إعلام البروباغندا»، لكن ذلك كله بات اليوم خلف ظهر الرجل الذي يقترب من عمر التسعين، بآلاف المقابلات والتقارير والندوات، وعشرات الكتب، ومئات الجولات بين نيويورك ولوس أنجليس وموسكو وباريس.. ودبي.

سحر القصص

من بروست، ابتدأ حوارنا في دبي، في تلك القاعة من «إكسبو 2020 دبي»، التي غصّت بمئات الحضور الروس ومن جنسيات أخرى، الذين توافدوا حشوداً للاستماع إلى سبعة علماء متخصصين بعلم أعصاب الدماغ. حوار أجاد بوزنر، كعادته إدارته، ولم تنقصه الأسئلة الصعبة.

يقول بروست، أحد ملهمي الإعلامي الروسي الشهير: «الناس يحبون رواية القصص لكي يشفوا آلامهم الداخلية»! فماذا يقول بدوره بوزنر على مدى أكثر من ستين عاماً من حياته، قام بعمل مكرر وحيد وهو دفع الناس على رواية قصصهم: «وظيفة المحاور أن يطرح الأسئلة الصعبة. والناس يحاولون حماية أنفسهم في بعض المرات، وقد يخترعون القصص، وقد يراوغون، وفي كثير من الأحيان يميلون الى إخفاء الحقائق. أفهم جيداً أن السؤال قد يكون فعلاً مؤلماً في بعض المرات، ولكن هذا ما يتوجّب عليّ فعله بحكم وظيفتي».

عبارة: لا أعرف

وظيفته كمحاور تجعله يواجه في بعض المرات ردود فعل غير متوقعة من الضيف، كإجابة مقتضبة مثل «لا أعرف» أو «لا يمكنني الآن التحدث عن هذا الأمر». ما وصفة بوزنر في هذه الحالة: ببساطة: أن تترك المتحدث يستمتع بهذه العبارة «لا أعرف»، وأن تقلب الوضع لكي تمسك مجدداً بطرف الخيط، وتسترد موقع السيطرة بأن تلقي نكتة على سبيل المثال حول هذه العبارة. في هذه اللحظة سوف تحرضه على التحدث بطريقة مريحة.

في مدار السياسة

من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نجمة السينما الإيطالية الشهيرة مونيكا بيلوتشي، حاور بوزنر أطيافاً كثيرة من الشخصيات، فهل يعتقد فعلاً، كما يشاع في أدبيات الحوارات الإعلامية، أن المشتغلين في السياسة هم في العادة الأكثر رغبة في إخفاء الحقائق؟ يجيب: «ربما يجعلنا هكذا سؤال نقع في فخ التعميمات، لكن السمات التي يتصف بها السياسي متعددة وربما يكون من ضمنها التمتع بالمقدرة على التملص من بعض الأسئلة. أجد من خلال تجربتي أن السياسيين من أكثر الشخصيات صعوبة في التعامل معهم لأن السياسي حين يقبل أن يحلّ ضيفاً على برنامجي يكون ذلك لرغبته في أن يصرح بما يريد هو أن يقوله. هنا يكون دوري بتنحية هذه النية جانباً لكي أظهر للجمهور بدلاً من ذلك من يكون هذا السياسي في واقع الأمر، إنها نوع من المبارزة، وفي هذا السياق، أجدها مبارزة ممتعة».

توهج عقلي

في اقترابه من هذا العمر، لم يفقد بوزنر توهجه العقلي ولا أناقته الفكرية والشخصية، ولا قدرته على محاورة أشرس العقول وأكثر الشخصيات جاذبية في روسيا والعالم وفي مجالات السياسة والعلم والمعرفة والفن والفكر، ولا قبل ذلك كله حسه الساخر الذكي، وأيضاً افتتانه بعالم الروائي الفرنسي الشهير مارسيل بروست.

Email