«بيمارستان النوري».. أقدم مدرسة لتدريس الطب في الشرق

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين مساجدها وكنائسها القديمة، مدارسها ومكتباتها العريقة، أسواقها وخاناتها وحماماتها، كان "بيمارستان النوري" في دمشق القديمة شاهداً إضافياً على تقدم وتطور تلك البلاد منذ مئات السنين علمياً وفكرياً ليصبح إحدى أهم الكليات التي تخرج الأطباء في الشرق بمفاهيم طبية وعلاجية كانت آنذاك تعد ثورة في العلم كالعلاج بالموسيقى والسياحة الطبية وبخدمات مجانية للأغنياء والفقراء ولكل الأعراق من دون استثناء.

استمر عمل البيمارستان حتى عام 1899 الميلادي إذ تحول إلى مدرسة للبنات، وفي أواخر السبعينيات حول إلى متحف للطب والعلوم.

بيمارستان بعناصر معمارية قديمة

في مكان يشعرك بالسلام الداخلي والطاقة الإيجابية، هدوء وسكينة رغم الحركة الكبيرة للناس في محيطه، بني البيمارستان بأيدٍ سورية.

وتقول أمينة متحف الطب والعلوم ورود إبراهيم لـ«البيان» إن «نور الدين زنكي هو من أسس بيمارستان النوري الذي سمي باسمه عام 1154م، ولكن هذا البناء كان موجوداً سابقاً، بسبب وجود عناصر معمارية سابقة لذلك التاريخ بكثير.

حيث توجد نوافذ حجرية تعود للعصر الأموي، وعناصر معمارية رومانية وهي المحارب، وعناصر معمارية هلنستية في المدخل»، مضيفة إنه يمكننا القول إن تاريخ البناء يعود إلى ما قبل ذلك وإن ما قام به نور الدين زنكي هو تجديد لهذا المكان.

وأشارت إبراهيم إلى أن نور الدين زنكي اتخذ شعار الزنبقة الموجودة على جدران البيمارستان، لما لهذه النبتة من فوائد طبية تزيد على ألف فائدة، لافتة إلى أن الزنبق البلدي اشتهرت به دمشق، وكان أهلها يجلبونه معهم في الأفراح والأتراح، كما أنه عشبة الحياة في أسطورة جلجامش، والزهرة التي أكلتها الأفعى وبعدها اتخذت الأفعى شعاراً للصيدلة دولياً.

وتابعت إبراهيم: إن البيمارستان كان يضم عناصر من المعتقدات الإسلامية كالهلال والنجمة، نجدها أيضاً في عمارة البناء وترمز إلى القمر ونجمة عشتار (وهي عبارة عن مثلثين متداخلين أنثويين، الأول متجه للأرض والآخر للسماء).

فضلاً عن استخدام الأسطرلاب وموجودة نسخة منه في المتحف، وكان له استخدامات فلكية وطبية لقياس بعد الشمس أو القمر عن الأرض، وتحديد أوقات الزراعة وطبياً لتحديد أفضل الأوقات للحجامة.

وأضافت إبراهيم «يقال إنه عند اختيار مكان البيمارستان جاؤوا بقطعة لحم وبحثوا عن مكان تبقى فيه هذه القطعة من دون أن تتعفن ويخرج منها الدود بسرعة، إذ إن الجرح يحتاج من 10 إلى 15 يوماً حتى يلتئم وعلى هذا القياس تم اختياره، كما قاموا بعزل الجدران للحفاظ على الهدوء في المكان كونه يجاور أسواقاً شعبية».

معمارياً

بدورها قالت، أمينة المتحف: «إن بناء البيمارستان كان على شكل البيوت السورية القديمة، إذ يحتوي كل بيت على فسحة سماوية توفر الشمس التي تمد جسم الإنسان بالفيتامينات، والبحرة في المنتصف التي توفر الماء الذي يشكل الجزء الأكبر من تركيبة جسم الإنسان، والأشجار التي تؤمن هواء نقياً، والتراب الذي يعالج الكثير من الأمراض»، لافتة إلى أن بناء البيمارستان يوفر هذه العناصر الاستشفائية الأربعة، بالإضافة إلى الراحة التي توفرها للمريض.

علاج بالموسيقى

وفي هذا الشأن، قالت ورود إبراهيم إن أهم ما يميز بيمارستان النوري أنه كان مدرسة لتدريس الطب من جهة، مع احتوائه على طرائق لمعالجة المرضى مثل العلاج بالموسيقى، فضلاً عن أنه كان يعد مكاناً للسياحة الطبية بخدمات هائلة ومجانية يقدمها للمرضى أياً كان عرقهم وتوجههم ومعتقدهم.

وأضافت إبراهيم: في الإيوان الرئيس في صدر البيمارستان كانت تعزف الموسيقى، وقد تم تصميمه لتوزيع الصوت في أرجاء المبنى من دون الحاجة إلى تقنيات أو أجهزة تكبير للصوت.

لافتة إلى أنه عند جلوس المريض في الإيوانات الثلاثة في البيمارستان تتوافر له ناحيتان، الأولى الجلوس تحت أشعة الشمس من دون أن تكون حارقة في الصيف، والاستمتاع بدفئها، والثانية الجلوس في الشتاء لاستنشاق الهواء العليل من دون أن يتبلل كونها مسقوفة.

 
Email