«القاعة الدمشقية» .. فن سوري خالص في طريقه للاندثار

ت + ت - الحجم الطبيعي

في القصور والبيوت العريقة في دمشق، تجد قاعات ذات أسقف وجدران خشبية مزخرفة وموشحة غاية في الجمال والأناقة، تعرف في كثير من الأحيان بـ «القاعة الدمشقية»، حيث تعتبر تلك الزخارف فناً دمشقياً خالصاً، تتميز به المدينة منذ مئات السنين.

وعلى الرغم من تأثر هذا الفن داخل سوريا، باعتباره كماليات الكماليات، بسبب تكلفته العالية، فإنه بدأ في الآونة الأخيرة انتشاره إلى الخارج، إلا أن هناك مخاوف من اندثاره، بسبب قلة العاملين فيه، والذي لا يتجاوز عددهم في العالم حالياً 40 شخصاً. وتتعدد التسميات التي تطلق على فن الزخرفة على الجدران والأسقف واللوحات الصغيرة، ما بين العجمي، النباتي والدهان الدمشقي، حيث هناك دلالات مغلوطة، قد تتسبب فيها تلك التسميات.

ذوق رفيع

في دمشق القديمة، ينكب محمد حاج قاب في ورشته، بالإضافة إلى 4 فنانين آخرين، بإبداع لوحات خشبية برسومات وآيات قرآنية وزخارف غاية في الجمال والأناقة، وتتسم بذوق رفيع. ويقول حاج قاب لـ «البيان»، إن هناك العديد من التسميات، ومنها العجمي، معتبراً أن هذا الاسم ليس مغلوطاً، ولكن فهمه يتم بشكل مغلوط. وأوضح أن «إطلاق تسمية العجمي، ليس علاقة بالبقعة الجغرافية، مثل ما يشاع بين الناس، فيقولون عجمي نسبة لإيران مثلاً، ولكن بالنسبة لمهنتنا، حتى في إيران أو أي دولة في العالم، لا يوجد مثيل لها، فإذا كان المقصود فيها أعجمية الجغرافيا، فهو مغلوط».

وتابع حاج قاب أن «كلمة أعجمي لهذه المهنة، جاءت لأن في الزخرفة لا يوجد قاعدة ثابتة، وإنما إبداع عقلي، وفي الزخرفة كل ما كان لدى الفنان سعة إبداعية، استطاع استقطاع أنواع الزخرفة من الفارسي والإغريقي وباقي الحضارات، ويتم إسقاطهم على اللوحة، وهنا، يتم إسقاط شيء أعجمي من الشرق والغرب، ولهذا السبب، تمت تسمية هذه الحرفة بالعجمي، وفي النهاية، هي تقليد للطبيعة بكل حالاتها».

زخرفة نباتية

وفي ما يخص إطلاق تسمية النباتي على هذا الفن، قال حاج قاب، إن تسمية النباتي ليست مغلوطة أيضاً، لأن الزخرفة هي زخرفة نباتية، وإن وضع هذه الفن بين الفنون الجميلة، وكان للفنان حرية اختيار اسم لهذا الفن، فيمكن تصنيفه بالمدرسة التجريدية، فنحن نجرد النبات من خصوصيته، ونحاول إسقاطه على اللوحة بأشكال مختلفة.

وبالنسبة لتسميتها بـ «الدهان دمشقي»، اعتبر حاج قاب أن هذا الاسم يسيء لكل العاملين في هذا الفن، وبعض الباحثين والدارسين دونوه تحت مسمى الدهان الدمشقي، علماً بأن أكبر ريشة يستخدمها الفنان في هذه الحرفة، لا يتجاوز مقياسها 0.1، فإذن هي لا تمت للدهان بصلة، وحتى نعتبره اسماً خطأ، تمت تسمية هذا الفن به، على خلاف الأسماء السابقة، التي لا تسيء لهذه الحرفة، فتسمية هذه المهنة بالدهان، يحول هذا الفن إلى مهنة لا تحتاج إلى إبداع.

واعتبر أن تسمية هذا الفن بـ «الفن الدمشقي»، دقيقة، باعتبار أن صانع أي لوحات أو أسقف أو جدران في جميع البيوت الأثرية والقصور في أي محافظة سورية أو دولة في العالم، إما دمشقي أو تعلم الحرفة في دمشق، فهو إذن فن دمشقي بحت، تتميز به دمشق عن باقي المناطق». وأشار حاج قاب إلى إن «عمر هذه المهنة يعود إلى مئات السنين، وأنه قام بترميم سقف أحد الغرف في بيت دمشقي مؤرخ بحدود 1600 م»، لافتاً إلى أن «العديد من متاحف العالم في الولايات المتحدة واليابان وألمانيا، تحتوي على الغرفة الدمشقية».

الزخرفة والألوان

وفي ما يخص الزخرفة المستخدمة في هذا الفن، قال حاج قاب، إن «هناك من يميل للفن الفارسي، وآخر يميل للبيزنطي، وثالث للهندسة الإسلامية، وهناك العديد من المدارس، وللفنان حرية الخيار، للانتقاء منها، بحسب ميوله وإبداعه، والفكرة التي يريد أن يقدمها عبر اللوحة».

وأضاف «أحياناً الزبون هو من يفرض نوع الزخرفة التي يفضلها، فعندما يكون العمل على لوحة ستعرض في كنيسة، فنستخدم البيزنطي، وإذا كانت ستعرض في جامع، فنستخدم الهندسة الإسلامية، حيث إن الزبون هو من يختار نوع الزخرفة».

وتابع «في الزخرفة، لا يوجد لدينا رسمة ثابتة، فلا يمكن رسم الزخرفة بناء على طب الزبون، وإنما هي حالة إبداعية يختص بها الفنان، أما بالنسبة للكتابة، يمكن تصويرها كما هي».

وبالنسبة للألوان، قال حاج قاب، إن «الألوان تنقسم إلى نوعين، الأول الألوان الباردة (الأخضر – الأزرق – البني – العفني)، والثاني الألوان الحارة (الأحمر - الأصفر – البرتقالي)»، مشيراً إلى أن «سكان الأماكن الحارة ميالون للألوان الباردة، وسكان المناطق الباردة ميالون للألوان الحارة».

Email