البزورية.. سوق يحافظ على هوية سوريا التاريخية والأثرية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ما إن تتجه جنوباً من الجامع الأموي في دمشق، حتى تدخل سوق البزورية الشهير، والذي يعتبر من أقدم الأسواق المتخصصة في العالم، ستجد متعة بصرية لألوان التوابل والأعشاب الطبية والسكاكر، مع رائحة زكية تنعش الأبدان، تمتزج بعبق تاريخ هذا السوق، الذي يعود بناؤه إلى العهد المملوكي قبل 850 عاماً.

وعلى الرغم من مرور قرون على بناء هذا السوق، إلا أنه لا يزال يحافظ على هويته التجارية والمعمارية القديمة، كما أن أغلبية محلاته متوارثة منذ عقود، رغم تأثر الحركة التجارية في السوق، بسبب الأحداث التي تشهدها البلاد منذ أكثر من 10 سنوات.

سوق أثري

على مسافة تصل إلى قرابة 1000 متر، يمتد سوق البزورية بين قصر العظم وسوق الصاغة القديم شمالاً، إلى سوق مدحت باشا، مقابل فتحة حارة مئذنة الشحم جنوباً، ومن ثم ينعطف شرقاً، ليضم إليه قسماً من الشارع المستقيم، وسوق مدحت باشا.

ويقول مدير دائرة التوثيق في مديرية مدينة دمشق القديمة، المهندس نعيم زابيطة لـ «البيان»، إن سوق البزورية هو من أهم الأسواق الأثرية في دمشق، ولا يزال يحافظ على هويته التاريخية، لافتاً إلى أن «أسواق دمشق، ومنها البزورية، هي ميزة المدن الإسلامية التي تحتوي على أسواق متخصصة».

وأضاف زابيطة أن «السوق يتميز من الناحية الإنشائية، بأنه أحد الطرز التقليدية، حيث بنيت جدران المحلات من حجر البازلت، ووجود المندلونات (القناطر) في المحلات، فضلاً عن شوارع السوق المرصوفة بحجر اللبون (البازلت)، والمغطاة بألواح التوتياء»، لافتاً إلى أنه «تم ترميم أجزاء من السوق عدة مرات، مع الحفاظ على هويته التاريخية والأثرية».

خانات تجارية

ويتميز السوق، بوجود الخانات التجارية، والتي هي سوق مصغر، كانت تستقبل التجار للمبيت، وكان يتم فيها تبادل البضائع. وأشار زابيطة إلى أن «معظم مواد السوق، كالتوابل، هي من المواد المستوردة، التي لها نكهة خاصة، وهذا يسهم بتأثر الناس بثقافة البلدان التي يتم الاستيراد منها».

ويعتبر خان أسعد باشا، من أهم الخانات في السوق، كما يضم السوق حمام نور الدين الشهيد، أقدم حمام في دمشق.

وقال طارق العوف عطار وتجار في سوق البزورية، لـ «البيان»، «إن عائلته بدأت العمل في السوق في عام 1760 م، حيث كانت المهنة الأساسية لها، العمل بتجارة التوابل والبهارات والسكاكر»، مضيفاً أنه «ورث هذه المهنة عن آبائه وأجداده، وأن العائلة حافظت على استمرار مهنتها».

وأضاف العوف أن «سوق البزورية، من أقدم الأسواق المختصة في العالم، ويعود تاريخ إنشائه للعهد المملوكي، أي قبل حوالي 850 عاماً»، مضيفاً أنه «لم يكن يوجد تجار أغراب في البزورية، وإنما كل المحال التجارية متوارثة أباً عن جد».

وأشار العوف إلى أنه يوجد في السوق 160 محلاً تجارياً، حيث تتنوع أصناف التجارة فيه، ما بين التوابل والبهارات والسكاكر والشوكولا والأعشاب الطبية والمكسرات، وهي مملوكة لنحو 50 عائلة، لافتاً إلى أن «أشهر العائلات الموجودة في السوق، هي العلبي، الخطيب، البزرة، دركل».

سلوكيات

ويحظى سوق البزورية بأهمية كبرى لدى السوريين عموماً، والدمشقيين خصوصاً، والتي جاءت من تقاليد البيع والشراء، وأخلاقيات المهنة عند التجار الذين يوصفون بالتقوى والتجارة الحلال.

ويقول العوف: «هناك تكافل اجتماعي بين تجار البزورية، حيث إنهم يجمعون الأموال لأي تاجر يقع بضائقة مادية، دون أن يعلم أو يطلب، كما أنه سابقاً عندما يستفتح التاجر (أي يدخل لمتجره أول زبون في يوم العمل)، وفي حال دخول زبون ثانٍ قبل أن يستفتح جاره، فإنه يرسله إلى جاره، ويمدح ببضائعه ومنتجاته».

وأضاف العوف أن الأمانة هي ما يميز هذا السوق، حيث عندما يريد أحد التجار أن يذهب إلى الجامع أو إلى مكان قريب، لم يكن يغلق متجره، بل يضع كرسي أو ستارة رقيقة على الباب، وهذه الأخلاق مستمدة من العادات الدمشقية.

وأشار العوف إلى أن «كلمة تاجر في قاموس التجار، تعني التقوى والأمانة والجرأة والتخطيط».

السوق يتأثر بالأزمة

وعن تأثر السوق بالأزمة أجمع العديد من التجار الذين التقتهم البيان، على تأثر السوق، كما كل القطاعات الاقتصادية، بتداعيات الأزمة.

Email