وسم الإبل تقليد عريق وأغراض متنوعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كان العرب قديماً، يقيّمون القبيلة وقوتها بعدد الإبل التي تمتلكها، فكلما كثر عددها، ازداد شأن القبيلة وكبر، وكانت بالنسبة لهم عنوان القوة والمنعة والجاه، ويستمدون منها اللحم والحليب، ومن أوبارها يصنعون خيامهم، كما أنها تُعد وسيلة رئيسة للتنقل والمواصلات، إضافة لكونها جزءاً من عتادهم للحروب، ومن أهم ما كان يُميز الإبل وانتماءها لأي قبيلة، كان الناس قديماً يلجؤون لِكَيْ جمالهم (العزل)، وذلك لتمييزها عن غيرها من الجمال، خاصة وأنها كانت في الماضي تُترك في الصحراء للرعي، وتقطع عشرات الكيلومترات في اليوم بحثاً عن المرعى، ما يُعرض بعضها للضياع أو الاختلاط مع غيرها من الجمال.

ويعد العزل بالنسبة لأبناء الجزيرة العربية من أصحاب الإبل والمواشي، الوسيلة المتفق عليها لتمييز الأملاك عن بعضها، وهو تقليد عربي قديم، اتخذوه شعاراً لهم، حيث يعد من الناحية العرفية والقانونية والقضائية من وسائل إثبات الملكية، ومن دلائل وحدة النسب والترابط الاجتماعي.

فوجود (العزل) يُمّكْن صاحبها من التعرف إليها والسؤال عنها، ويختلف (العزل) من قبيله إلى أخرى، كما أشرنا آنفاً، ويضع أبناء القبيلة الواحدة «عزلاً» إضافياً، يختلف من واحد إلى آخر، إلى جانب «عزل» القبيلة الرئيس المميز والخاص بها.

مهمة الوسم

ولقد أجرينا عدة مقابلات مع مجموعة من الرواة «كبار المواطنين»، الذين يحفظون التراث، ويعملون على غرسه في نفوس الأبناء، وليبقى إرثاً للأجيال، ومن هؤلاء الرواة عبد الله راشد الكتبي، الذي اشتهر بـ «وسم الإبل»، وكان السؤال هل يتم الوسم عن طريقه هو، أو هناك من ينوب عنه بهذه العملية؟ وكانت إجابته كالتالي: (أنا اللي أوسم وأعرف ظلع المطية.. ويوم أشوف المطية تخب إن كان فيها فتاق عرفته، وإن كان فيها عصبة باط عرفتها، وإن كان فيها نشعة منكاسة، يعني يوم تخب في منكاس أظلعت لفتاك اتخب، وتنطر على فوق وراعية عصيبة اليد ما تخب، ومن ناحية العزل بالوسم عند بن كتب يحطون عرقاة، وعند لغفلة عرقاة، والخواطر يحطون مشعاب، والعوامر يحطون حنية، والمناصير يحطون همية، وشيوخ دبي يحطون دخيلة، والدروع يحطون عضاد، وبن معلا يحطون مطرق على الخد).

عزل خاص

وأما الوالد (البادي جميّل الكتبي)، عند لقائنا معه قال إن العزل يفرق عند القبائل، ولكل قبيلة عزل خاص بها. وتوسم الإبل لأغراض علاجية، كالغدة والضلع والمغص والتواء الرقبة والتهاب الأذن وعتامة العين، وغيرها، وهو أحد الطرق الشعبية في العلاج، بعيداً عن المضادات الحيوية والكيمياوية التي يعتقدون أنها تؤثر في الإبل، كما توسم لتحديد ملكية الإبل لأصحابها بحسب وسم القبيلة، وهو كالشعار بالنسبة لها.

وحظيت الإبل بمكانة كبيرة ومتميزة عند العرب منذ أزمان بعيدة، إذ كانت وما زالت ترافق حياة المجتمع في الإمارات، وهي جزء من حركته اليومية، سواء في البادية أو الساحل، فقد عدّها سكان الساحل والصحراء، وسائط للنقل والغزو والثروة، فمالك الإبل يُعد من الأثرياء، إضافة إلى الإفادة من لبنها ولحمها ووبرها.

وكانت القبائل الإماراتية تهتم بالإبل وتغذيتها وامتلاك الأصائل منها، وهي إلى اليوم تعتز بإبلها، رغم التحضر والتقدم العمراني الذي شهدته الإمارات. وهذا الاهتمام لم يقتصر على خاصة المجتمع، بل شمل الجميع، بعد الانتقال من زمن البداوة إلى الحضارة، وأعدوا لذلك أماكن خاصة خارج المدن والقرى، يُطلق عليها اسم «العزبة».

تخصيص أراضٍ

لم ينسَ مؤسس دولة الإمارات المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذه الثروة، وهذا التراث، فعمد إلى تخصيص الأراضي لملاك الإبل وغيرهم، ووفّر الماء، وأوصله إلى عمق الصحراء، وسارت النهضة الزراعية في خط موازٍ للتطوّر العمراني، وأقيمت ميادين السباقات، ووقع تشجيع مربي الإبل على الاهتمام بها، وخصصت لهم الجوائز، وأقيمت مهرجانات «المزاين» في جميع أنحاء الدولة، كما أقيمت عدة ميادين في كل إمارة من إمارات الدولة، وحظيت تلك السباقات والمهرجانات بالرعاية والاهتمام، لما تمثله الإبل من معنى حضاري وتاريخي، وأصالة ضاربة في القدم.

فمهما تطوّرت التكنولوجيا وتمدّن الإنسان، يبقى لزاماً عليه الاعتداد بأصوله ومعرفة تاريخه، وتاريخ الأولين السابقين، الذين لولاهم لما كان في الوجود.

Email