الحلويات الدمشقية عراقة أضحت كماليات على الموائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تمر من أمام محلات بيع الحلويات في دمشق يبهرك جمال منظرها، الذي يتفنن أصحابها بطريقة عرضها على واجهات محلاتهم، إذ تشكل معلماً أساسياً من معالم المدينة الحضارية كدور العبادة والخانات والمكتبات والحمامات الأثرية.

وتتمتع الحلويات الدمشقية، التي يعود تاريخ صناعتها إلى القرن 19، وشهدت تطورات عبر أجيال توارثت صناعتها، بشهرة عربية وعالمية، وبمذاق لذيذ وشكل جميل.

حيث تدخل في صناعتها أجود المواد من السمون والمكسرات والقشطة، إلا أن هذه الصناعة تكافح حالياً للبقاء، بعد إغلاق العديد من المحلات والمعامل لصناعة الحلويات، بسبب الحرب التي تشهدها منذ أكثر من 10 سنوات، وتحولت الحلويات من مادة أساسية على موائد السوريين إلى إحدى الكماليات، بسبب تدهور مستويات المعيشة.

بدايات

تعود صناعة الحلويات الدمشقية إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت تحتوي على 4 أو 5 أنواع وكانت مرتبطة بمطبخ إعداد وجبات الطعام. يقول مدير شركة الوسام لصناعة الحلويات علاء عدس لـ«البيان»: «صناعة الحلويات في سوريا صناعة عريقة تتميز بمذاقها اللذيذ جمال مظهرها»، مشيراً إلى أن «هذه الحلويات معروفة وذات شهرة عالمية».

وأضاف العدس، الذي تعمل عائلته في صناعة الحلويات منذ نحو 95 عاماً، إن «ما يميز الحلويات الدمشقية عموماً هي المواد التي تستخدم في صناعتها وجودتها، مثل السمن الحيواني، وغناها بالمكسرات مثل الفستق الحلبي واللوز والجوز والصنوبر، إضافة إلى القشطة المستخدمة، فهي من الدرجة الممتازة ومشهورة عالمياً.

ولدينا أيدٍ عاملة ماهرة وحرفية في هذه الصناعة، وللحصول على كيلو غرام واحد من القشطة نحتاج إلى 10 كيلوغرامات من الحليب، بينما في باقي الدول يتم الاعتماد على حليب الصناعي (البوردة) للحصول على القشطة».

وأشار العدس إلى أن «جو المنافسة في صناعة الحلويات في دمشق، لعب دوراً كبيراً في تطور هذه المهنة، وازدياد عدد أصناف الحلويات».

ويضم المطبخ الدمشقي حالياً العشرات من أصناف الحلويات أهمها: المبرومة، الآسية، كول وشكور، البلورية، النمورة، كنافة بالمكسرات، عش البلبل، أصابع كاجو، معمول جوز وفستق ونارنج وتين وورد ومشمش، الغريبة، البرازق، وربات قشطة وجوز، نهش، مغشوشة، معروك وغيرها.

وكان يطلق على اسم العاملين في صناعة الطعام والحلويات في دمشق قديماً اسم «البغجاتي»، وتطورت صناعة الحلويات الدمشقية منذ بداية القرن الحادي والعشرين، فمراحل الإنتاج 90% آلية و10% يدوية.

شهرة

اعتبر العدس أن «الحلويات السورية تتمتع بشهرة عالمية، بسبب مذاقها اللذيذ وتنوعها وأشكالها الجميلة»، لافتاً إلى أن «السوريين خارج البلاد لعبوا دوراً مهماً في التعريف بها، من خلال إقامة محلات لصناعة الحلويات في مناطق انتشارهم، إضافة إلى تصدير الحلويات السورية إلى العديد من البلدان في العالم».

وأضاف العدس أنه «في السنوات الأخيرة انتشرت محلات صناعة الحلويات الدمشقية في المناطق، التي هاجر إليها السوريون جراء الأزمة، وخصوصاً في مصر وألمانيا وغيرها، حيث قلما تجد أياً من محلات السوريين في تلك الدول لا يعاني من ازدحام الزبائن عليها، بسبب جودة وشهرة المأكولات والحلويات السورية».

وتابع العدس: إن «الحلويات السورية كانت من أهم الهدايا التي يقوم السياح أو المغتربون باصطحابها معهم إلى بلدانهم في شتى بقاع العالم، حيث تعتبر هدية قيمة».

حلويات موسمية

استهلاك الحلويات الدمشقية، بحسب العدس، يختلف من فصل لآخر، ففي حين يكثر الإقبال على أصناف محددة في الشتاء كالتي تحتوي على مادة القطر (خليط من الماء والسكر وعصير الليمون وماء الزهر)، فإن هناك أصنافاً أخرى يقبل عليها المواطنون في الصيف كالبوظة الدمشقية وغيرها.

كما أنه في شهر رمضان المبارك يقبل الناس على أنواع محددة، وهناك أصناف لا يتم إنتاجها إلا في هذا الشهر الفضيل.

ومن الحلويات التي تظهر في شهر رمضان، بحسب العدس: الناعم، والمغشوشة، والنهش والمعروك وغيرها.

والناعم مزيج من الطحين والماء والزيت، وهي المكونات الأساسية لهذه الأكلة، ويوضع في الزيت المغلي على شكل أرغفة، وما إن تصبح هذه الأرغفة مقرمشة حتى يتم وضعها جانباً، وتزين بدبس العنب أو التمر، الذي يمنح الأكلة نكهة محبّبة.

والمغشوشة هي المبرومة بالقشطة، وسميت بهذا الاسم لتميزها عن المبرومة بالفستق الحلبي وهي الأغلى ثمناً، فيما لا تؤكل حلوى النهش إلا في الشهر الفضيل، وهي عبارة عن رقائق العجين المسقى بالحليب والسمن والسكر والمحشو بالقشطة.

كما يتم الإقبال في رمضان على المعروك، وهو نوع من المعجنات التي تحشى بالتمر، أو السكر، أو جوز الهند، أو الزبيب أو الفواكه أو الشوكولا، وبعضها يباع دون أي حشوة وإنما يغلف فقط بالسكر أو السمسم.

تضرر

تأثرت صناعة الحلويات في سوريا كثيراً من الأزمة، حيث انعكس ذلك من خلال ارتفاع أسعار المواد الأولية، ما انعكس على تدني حركة الشراء، إضافة إلى هجرة اليد العاملة في هذا المجال، وإغلاق الكثير من المحلات.

وقال العدس: إن الأزمة أثرت بشدة في صناعة الحلويات وهناك أصحاب المحلات ذات الرأسمال القليل تعرضوا لخسائر، وقاموا بإغلاق محلاتهم، فيما قام البعض الآخر بخفض الأنواع التي ينتجها، واعتمد على أصناف محددة.

وأشار العدس إلى أن «الأزمة التي سببتها جائحة «كورونا» كبدتنا في العام الماضي خسائر مهولة، وقليلون هم من استطاعوا أن يتحملوا مثل هذه الخسائر المادية، واستمروا في هذا المجال، علماً بأن المنشآت التي تقدم الأطعمة كانت مستثناة من الإغلاق في فترة الحظر التام، إلا أن العديد من المواطنين فقدوا أعمالهم أو توقفوا لفترة من الزمن، ما أدى إلى عدم وجود فائض مادي لديهم لشراء الحلويات».

مضيفاً: «نعتمد على السوق المحلية على الرغم من التصدير، ومعظم موادنا الأولية محلية، ولا نلجأ إلى الاستيراد، فالقشطة والجوز والفستق الحلبي والسمن الحيواني جميعها متوفرة في سوريا».

ولفت العدس إلى أن حجم المبيعات في شهر رمضان وحده قبل الأزمة يفوق حجم مبيعات السنة بأكملها حالياً، لافتاً إلى أن عدد العمال في معمله انخفض بنحو 70%، وأن «صناع الحلويات يكافحون للحفاظ عليها، على الرغم من الصعوبات التي تعترضهم».

وتصدر سوريا الحلويات إلى العديد من البلدان العربية والأوروبية وكندا والولايات المتحدة وتنشط حركة التصدير، خلال فترة الأعياد.

كماليات

على الرغم من أن الحلويات جزء أساسي على موائد السوريين ومناسباتهم، إلا أن الأزمة حولتها إلى إحدى الكماليات.

وقال العدس: «إن ارتفاع أسعار الحلويات أسهم بجعلها إحدى الكماليات عند السوريين، حيث كانت العائلة في موسم الأعياد تشتري نحو 10 كيلو غرامات تقريباً، أما الآن ففي المناسبات يشترون كليو غراماً أو اثنين».

ويتراوح سعر الكيلو غرام من الحلويات الدمشقية ذات الجودة العالية ما بين 60 ألف و150 ألف ليرة سورية.

وكان راتب الموظف السوري قبل الأزمة والحصار قادراً على شراء 20 كغ من الحلويات الدمشقية غالية الثمن.

ويبلغ متوسط دخل الموظف السوري في الآونة الأخيرة (60 ألف ليرة سورية)، أي ما يعادل (25 دولاراً أمريكياً).

Email