«صالون الشارقة الثقافي» ينظم جلسة «اللغة العربية الفصحى والتحديات الرقمية»

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظم المكتب الثقافي والإعلامي في المجلس الأعلى لشؤون الأسرة جلسة صالون الشارقة الثقافي، بعنوان «حوار عن اللغة العربية الفصحى والتحديات الرقمية»، وذلك ضمن الفعاليات المصاحبة لحفل تكريم الفائزات بجائزة المرأة الخليجية، والذي تم تنظيمه بالتزامن مع يوم المرأة العالمي، عبر منصة «زووم»، تماشياً مع الوضع الحالي الذي فرضته جائحة «كورونا»، وقدمت الجلسة الروائية بثينة العيسى، من دولة الكويت والفائزة بجائزة الرواية، وأدارتها صالحة غابش، رئيسة المكتب الثقافي والإعلامي.

وتحدثت صالحة غابش عن الروائية بثينة العيسى قائلة: «الروائية بثينة العيسى معروفة بجهودها في تكريس الثقافة الإنسانية، ليس فقط من خلال كتاباتها، بل أيضاً من خلال جهودها في تعزيز حب القراءة وأهميتها في نماء وتطور الإنسان، ولعل ما دفعنا لاختيار هذا الموضوع بالذات حول اللغة العربية، هو فيديو للعيسى انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت خلاله مهمومة بسبب اللغة العربية، وكانت لها رؤيا خاصة استوقفتنا جميعاً، حول اللغة وحول دور الذاكرة المجتمعية في الحفاظ على هذه اللغة، وبدأ الحوار بسؤال هو: سبق وأن قلت إننا حين نفقد لغة نفقد حضارة، فهل المقصود أننا نفقد الطريق للتقنيات الحديثة أو نفقد ما نتكئ على حضارتنا نحن العربية والإسلامية، والتي نفتخر بها دائماً، بل ونفتخر بأن العالم يختلس منها الكثير من مفرداته وعناصر التطور الحديث؟».

وأجابت العيسى موضحة: «بعيداً عن كلمة حضارة، باعتبارها تحتاج لتأصيل، لنتحدث عن الثقافة باعتبار أنه لا حضارة بدون ثقافة، والثقافة هي ما يشكل هوية الإنسان، وعادة ما أحب أن أتخيل الثقافة منزلاً يتكون من غرف عدة، غرفة للموسيقى وأخرى للملابس وللأكل وحتى العطور والشعر والرواية والمسرح، كلها مفردات للثقافة تجتمع معاً وتسهم في تكوين توليفة تحدد هوية وانتماء الإنسان، وتحدد نمط حياته وطريقة تفكيره وحديثه وتطلعاته وأحلامه، فإذا كانت الثقافة هي هذا البيت المقسم لغرف عدة، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: أين هي اللغة؟! فأنا أعتقد أننا نظلم اللغة إذا جعلنا لها مجرد غرفة في بيت الثقافة، فهي أكبر من أن يتم استيعابها في أي غرفة، بل هي شيء أشبه بالتيار الكهربائي، الذي يجعلنا نرى كل محتويات هذا البيت، فأنا من خلال هذه اللغة أستطيع التعرف مثلاً على الفنون الشعبية أو أن أقرأ لمختلف الكتاب العرب، ومن خلالها أستطيع أن أفهم كل المناكفات مثلاً أو المداعبات التي تحدث في الأسواق أو الأماكن العامة، فاللغة هي ابنة المكان، فعندما نفرط بلغتنا نفرط بهويتنا وثقافتنا، وبالتالي يصبح فقدان الحضارة أمراً حتمياً من وجهة نظري».

وأضافت: «لكي تبقى اللغة، فهي تحتاج للكثير من المقومات، منها الريادة العلمية مثلاً والحرية، وببساطة شديدة أعتقد أنه لا وجود للحارة العربية دون وجود للغة العربية».

وطرحت صالحة غابش تساؤلاً آخر حول الذاكرة المجتمعية، وضرورة أن يتم تأسيس الأطفال على هذه الذاكرة، فكيف نفعل هذا، ومتى يبدأ هذا البناء، وهذا التأسيس للأبناء؟

وأجابت العيسى قائلة: الحل السهل والكسول هو أن أقول إن هذه مسؤولية الأبوين، بل هي في الحقيقة مسؤولية دولة، وتحتاج إلى أجهزة تتكاتف وتتعاون لتحقيق هذا الغرض متمثلة في المدرسة ووسائل الإعلام، فمن الصعب جداً أن أحمل المسؤولية كاملة للأبوين حين تكون اللغة الإنجليزية مسيطرة، ومنتشرة مثل تسونامي تماماً، من خلال المدرسة، أو حتى طريقة الطلب من المطعم أو عند التواصل مع الأصدقاء في الواتس آب ومتابعة فيديوهات اليوتيوب والألعاب الإلكترونية، فالأسرة من الصعب أن تقف في وجه هذا التسونامي، وأنا أعرف مثلاً أسراً لا تجيد الإنجليزية، بينما لديهم طفلة أو طفل أو في الخامسة ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، فلا أستطيع تحميل الأسرة فوق طاقتها وأطالبها وحدها بغرس ثقافتنا ولغتنا في نفوس الأطفال، بل ما أحتاجه في الواقع بالجانب لدور الأسرة، دور المعلمة ودور الإذاعة المدرسية مثلاً في طابور الصباح، ودور المناهج، ودور المكتبة والأنشطة المدرسية، ودور المحتوى الإعلامي المقدم للطفل.

وأضافت موضحة: «ولكن للأسف ما نجده في الواقع مجرد جهود فردية من أشخاص لديهم حرص ومسؤولية ويتحركون بشكل فردي، ولكن ما نحتاجه لصنع ذاكرة مجتمعية برموز ثقافية عربية، هو النظام الثقافي، ووجود الطفل في مناخ ثقافي عربي منذ لحظة دخوله للمدرسة واحتكاكه بزملائه والمعلمين، والمنهج الذي يدرسه والمكتبة وحتى الإعلامات في طريق عودته للبيت، واللغة التي تتواصل بها أسرته معها، وما يشاهده ويسمعه من خلال وسائل الإعلام، ومن الضروري حتى توفير بدائل باللغة العربية على اليوتيوب مثلاً، لذا فالموضوع يحتاج لأن تضع الدولة كل ثقلها من خلال جميع مؤسسات التعليم والإعلام والثقافة».

وتحدثت عن موقف صادفها في إحدى المدارس الخاصة وهو الذي دفعها للاهتمام بهذا الموضوع، حيث قالت: سألت طلاباً في المرحلة الثانوية وكان عددهم نحو 300 طالب، عن «شهرزاد» فرفع ثلاثة طلاب أو أربعة أيديهم، ومن ثم سألتهم من سمع عن «كهرمانة»، كونها شخصية أخرى من شخصيات ألف ليلة وليلة، فلم يرفع أحد يده، وعندما سألتهم عن «سندباد» قال أحدهم: نعم «سنباد» كما سمعها في الفيلم الذي حضره، وهو في الواقع لا يعرفه، وحتى حين سألت عن «علاء الدين» قالوا لي «ألادن»، لاستوعب أنهم يتعرفون على منتجات ثقافية هي في الواقع ابنة الشرق عن طريق الغرب، وبالطريقة التي صاغتها فيها شركات إنتاج أجنبية، وبالتالي فطلابنا الذين يتعثرون باللغة العربية وبقراءة الشعر وحتى قراءة القرن الكريم، يتحدثون باللغة الإنجليزية بطلاقة.

وطرحت غابش تساؤلا حول دور شركات الإنتاج العربية في انتاج محتوى عربي يخدم لغتنا وثقافتنا العربية، وهل هي بالفعل مقصرة؟

وأكدت العيسى أن هناك بالفعل تقصيراً من قبل شركات الإنتاج، وقارنت بين طفولتها مثلا وطفولة أبنائها اليوم، فقالت: لقد كبرنا على برامج للأطفال أغلبها من اليابان، ولكنها عربت بشكل صحيح ولغة سليمة، وكان الطفل ينجح في التقاط المفردات ويكوّن جملاً عربية سليمة ويجد التشجيع من أسرته التي كانت تفخر به لإتقانه للغة العربية، ولكن اليوم البرامج باللغة العربية لم تعد تجذب الطفل ويفضل أن يتابعها باللغة الإنجليزية، ناهيك عن اختلاف القيم في البرامج المقدمة اليوم، ففي السابق كان هناك ترسيخ لقيم مجتمعية وأسرية مهمة، أما اليوم فما يقدم هو مجرد لهاث مغامراتي سطحي جداً، ويعتمد على المفارقات وإضحاك الأطفال، وأنا أعرف أننا لا نستطيع أن نقلد أنفسنا في الماضي لنحل مشاكل اليوم، ولكننا نحتاج لخلق أدوات جديدة للتعامل مع هذه المشكلة، وأن تتضافر الجهود كي لا يشعر الطفل العربي أنه أجنبي وغريب داخل ثقافته.

وطرحت غابش تساؤلاً آخر، وهو: هل تعتقدين أن علينا أن نشعر بالقلق من تأثير العالم الرقمي على لغتنا العربية الفصحى، وهل هناك تأثيرات أخرى ينبغي أن تقلقنا؟

وأجابت العيسى قائلة: «أعتقد أن علينا تغيير طريقة تفكيرنا، فعوضاً عن القلق، علينا أن نفكر كيف يمكن الاستفادة من هذه التقنيات في تعزيز لغتنا العربية، أنا لا أريد أن أنتمي لعقود سابقة، ولا أريد أن أكون مثل هؤلاء الذين لا يواكبون مستجدات العالم بحجة المحافظة على أنفسهم، هذا كلام مغلوط، أنا لا أعتقد أنه من الصواب أن ننظر للغتنا على أنها هشة وعرضة للدمار، بسبب انفتاحنا على حريات أخرى، بل علينا أن ندخل هذا العالم بثقة، وأطفالنا يشعرون بالراحة هم محاطون بالتكنولوجيا، ولا نستطيع أن ننشئهم ونربيهم كما تربينا نحن، فنحن بحاجة لأدوات جديدة، إذا المشكلة ليست في وجود تقنيات رقمية جديدة، بل في غياب المحتوى العربي الذي يخاطب الطفل».

وتم في نهاية الجلسة فتح باب الأسئلة والمداخلات للحور، وكانت هناك الكثير من المداخلات والأسئلة، أبرزها مداخلة تركي بن عبدالله الدخيل، سفير المملكة العربية السعودية، والذي أكد ما قالته الروائية بثينة العيسى، حيث قال: «الحديث عن اللغة العربية هو حديث ذو شجون كما أشارت العيسى، ولأسباب عديدة، فنحن لدينا بالفعل لغة ثرية ولكننا لا نجيد فن التعامل معها، ولا تقدير لدينا لثراء مفرداتنا، فالتسويق للغتنا ضعيف جدا من خلال لوسائل الإعلام مثلاً، وحتى دور الأبوين في تعزيز اللغة العربية وغرس حبها في أبنائهم ضعيف، فنجد الكثير من الأسر تتحدث بالإنجليزية مع الأبناء».

Email