في الحلقة الـ36 من البرنامج الوثائقي الدرامي «قصتي»

«الغوص في حياة الناس».. رحلة حافلة بالمعرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

للبحر حضور خاص في الذاكرة الإماراتية، رائحته تتجاوز حدود الشاطئ لتصل إلى صدور الناس، الذين اعتادوا ارتياده طلباً للخير، وتعودوا ترويض أمواجه والغوص في أعماقه بحثاً عن اللؤلؤ. حكاية الإمارات مع البحر طويلة، نعاين بعضاً من ملامحها في قصة «الغوص في حياة الناس» التي أوردها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في كتابه «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً»، وحملت فيه رقم 17، حيث يأخذنا سموه خلالها في رحلة ثرية بالمعرفة نجوب فيها عرض البحر، ونغوص في أعماقه، وهو الخبير بخبايا البحر والعالم بقصصه وتجارب أهل دبي معه، ويؤكد فيها أن «القائد الإنسان لا بد أن تكون قدماه على الأرض».

«طلب مني والدي أن أضيف مهارة جديدة إلى مهاراتي.. مهارة التعامل مع البحر والمشاركة في رحلات الغوص»، بهذا التعبير يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، مشاهد الحكاية التي مثلت العمود الفقري للحلقة رقم 36 من برنامج «قصتي» الوثائقي، المستلهم من كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لسموه، ويحدثنا بأن والده المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، كان يرسله أحياناً عند «شخص يدعى «أبو جابر». ويقول: «كان من رؤساء الأسطول البحري، كان يلقب باسم «السردال».

لغة البحر

بلقطة عريضة لشاطئ البحر تفتتح أبواب مشاهد الحلقة الوثائقية، التي عُرضت على شاشات تلفزيون دبي ومنصاته المتعددة، حيث يشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم فيها، إلى أن «السردال» في لغة البحر هو كبيرهم وأخبرهم بالبحر ومواسمه ورياحه ومواقيته. ويقول سموه: «هو من يعلن بداية موسم الغوص، حيث ينتظر هدوء البحر في أشهر الصيف ليعلن بداية الموسم، كما يعلن نهايته مع بدايات الشتاء، ويحدد «السردال» بداية الموسم بناءً على حركة الأمواج».

في هذه القصة، يبوح لنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأحاسيسه تجاه البحر، ويفتح لنا خزائن معرفته فيه، فيقول: «للسردال قدرة على رسم خريطة لقاع البحر وما يوجد فيه»، ولا يكتفي سموه بذلك، حيث يلقي الضوء على علاقة أهل دبي بالبحر، وهي المدينة التي ولدت على شواطئه، وتمددت على طول الخور، ويقول سموه: «كان أهل دبي يغوصون في الصيف بشكل رئيسي.

حيث تكون المياه دافئة، فيستطيع الغواص تكرار الغوص أكثر من مرة، طلباً للمزيد من المحار - الذي يضم اللؤلؤ الثمين - والذي يكون على أعماق متفاوتة وفي مناطق مختلفة». وهنا يصف لنا سموه كيف يكون «بحر دبي صيفاً»، حيث يقول: «لمن لا يعرف صيف دبي، رغم دفء المياه في العمق، فإن الحرارة على سطح الماء تكون لاهبة».

البحر والناس

مواسم الغوص لم تكن قاصرة على الصيف فقط، وإنما تمتد أيضاً إلى الشتاء، وهنا يبوح لنا سموه بمعلومة جميلة، حيث يقول: «هناك أيضاً «الغوص البارد» أو «غوص الشتاء»، وهو مخصص لمن لم يحالفه الحظ في أشهر الصيف الطويلة اللاهبة، فيحاول مرة أخرى في الشتاء»، ويصفه سموه بأنه «الأصعب نتيجة برودة المياه»، وأن «البحر يكون في حالة غير مستقرة»، ويخبرنا بأن الرياح كثيراً ما «حملت من الأنباء السيئة لأهل دبي».

في ثنايا الحكاية التي كتبت بمداد من ذهب، يقول سموه: «كان والدي يرسلني إلى أبو جابر لأتعلم منه عن البحر وأحواله وخيراته ومواسمه، ولكن أكثر ما تعلمتُ من رحلاتي معه هو صعوبة الحياة في البحر، والتحديات التي كان يواجهها أهلنا عند طلب الرزق من خيراته». تلك الرحلات لم تفتح عيون سموه على البحر فقط، وإنما على الناس أيضاً، ومن خلالها تعلم درساً في القيادة، وهنا يكتب:

«يقولون إن القائد لا بد أن تكون له عين طير، ينظر للأمور من فوق ليستطيع تلخيصها وتجريدها واتخاذ قرارات بشأنها. وأنا أقول بأن القائد الإنسان لا بد أن تكون قدماه على الأرض، يعيش مع البشر، يكابد أحوالهم، حتى يستطيع تغيير حياتهم للأفضل».

هذه القصة تشي لنا بمدى ثراء التجربة التي خاضها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي يخبرنا بـأنه لم يكن يخفي انبهاره «بالغواصين وهم يستعدون للغوص، متابعاً استعداداتهم»، وهنا يورد لنا وصفاً جميلاً لما كان يشاهده خلال رحلاته البحرية، حيث يقول سموه: «كان «السردال» يحدد المناطق التي ينتشر فيها اللؤلؤ.

وكان الغواص يقفز تحت الماء واضعاً عظمة سمك على أنفه لسده، وحبلاً يربط على عنقه، ويمسكه «السايب».. وما أن يشد الغواص الحبل حتى يقوم «السايب» بسحبه إلى الأعلى بسرعة، إذ يكون الغواص حينها منقطع الأنفاس».

قصص إنسانية

رغم الخير الذي كان يجود به البحر على أهالي دبي، إلا أنه كان أحياناً يغرق قلوبهم بالحزن بما يبعثه لهم من أخبار غير سارة، ذلك ما يؤكده سموه بقوله: «لم يكن مستغرباً وقوع الكثير من الحوادث والوفيات المأساوية في رحلات الغوص. ولأن الجثة ستتعفّن إذا بقيت على سطح القارب، كانوا يصلون على الميت ثم يلقونه في البحر». ويواصل: «المحظوظون فقط هم الذين يعودون بإصابات طفيفة كانثقاب طبلة الأذن».

في سرده لهذه الحكاية، لم يغض صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم طرفه، عن أهمية هذه الرحلات، حيث يقول: «على الرغم من القصص والحوادث المأساوية، إلا أن هناك جوانب عظيمة في هذه الرحلات، هناك عمل دائم، وروح تعاون، وفرح كبير بحصيلة الغوص، وأمسيات جميلة وحكايات ممتعة فيها الكثير من المغامرات».

قبل أن يقفل سموه أبواب هذه الحكاية، يقدم لنا حكمته، ويقول: «عرفتُ بأن البحر ليس صوتاً ورائحة فقط، بل مشاعر جياشة، وقصصاً إنسانية». ويضيف: «جلستُ في لحظاتٍ من الهدوء والسكينة أتأمل البحر، وأمرر حبات الرمال البيضاء بين أصابعي، ثم توجهت إلى الله بدعائي، أن يعينني على خدمة هؤلاء الناس يوماً ما».

        

 

 

Email