في الحلقة الـ 32 من البرنامج الوثائقي «قصتي»

«كوهيما».. شغف محمد بن راشد بالمركز الأول

محمد بن راشد يروي في هذه المحطة من كتابه «قصتي» حكايات عاشها في سرية كوهيما بكلية مونز العسكرية عام 1968

ت + ت - الحجم الطبيعي

«أنا وشعبي لا نرضى إلا بالمركز الأول»، جملة قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يوماً، تحولت إلى قاعدة ثابتة في الإمارات، بات الجميع معها «عاشقاً للمركز الأول»، ويطمح جاهداً إليه، لكن عشق سموه للمركز الأول لم يبدأ مصادفة، بل ولد معه وكبر، ليبدو أحد مكونات شخصيته الفذة، فسموه يمتلك طاقة تنافسية عالية، تجعله أقوى وأفضل وأسرع وأكثر إصراراً. تلك الطاقة نكتشفها ونحن نقلب سطور قصة «كوهيما»، الحاملة لرقم 22 في كتاب «قصتي.. 50 قصة في خمسين عاماً» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والتي يقدم فيها لمحة عن شخصيته وفراسته وانضباطه وقدرته على احتلال المركز الأول.

مشاهد الحلقة الـ 32 من البرنامج الوثائقي «قصتي»، المستلهم من كتاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي تولى إنتاجه المكتب التنفيذي لسموه، ويعرض على شاشات تلفزيون دبي ومنصاته المتعددة، تبدو وكأنها خرجت لتوها من إحدى الكليات العسكرية، تعيدنا إلى نحو نصف قرن مضى من الزمان، لنطل من خلالها على تلك الأيام، التي كان فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يتلقى تدريباته في كلية «مونز»، حيث آثر سموه أن يفتتح أبواب الحلقة الوثائقية، بقوله: «لديّ هدف دائم أن أكون في المركز الأول، لديّ طاقة تنافسية عالية، لا أعرف هل الخيل وسرعتها وسباقاتها، التي عشقتها منذ صغري أكسبتني هذه الصفة، أم أن هذه الصفة الفطرية هي التي جعلتني أكسبُ سباقات الخيل وأكسبُ الكثير من سباقات الحياة؟»، ويضيف: «منذ التحاقي بسرية كوهيما في كلية مونز للضباط، كان لديّ هدف، كنت أريد المركز الأول على دفعتي».

أجواء الصحراء

جميلة هي الحكايات التي يلقيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يحملها بكثير من التشويق المصوغ بسرد أدبي رفيع المستوى، يطلعنا عبرها على بعض ملامح شخصيته، وهو الفارس الذي خبر دروب الصحراء وعرفها جيداً، ففي متن حكاية «كوهيما»، يقول سموه: «مع بداية التدريبات العسكرية في منطقة دارتمور، سادت أجواء من الرهبة ثكنات سرية كوهيما، بسبب صعوبة التدريبات وقسوة الظروف الطبيعية التي كنا نواجهها». ويضيف: «كان لديّ أفضلية في هذا الموضوع، فأنا متعود على أجواء الصحراء، وكان الكثير من الرجال، الذين يتيهون في الصحراء يلقون حتفهم، أما في إنجلترا فالموضوع أسهل من ذلك، وخاصة مع عيني البدوية». ويواصل: «بدأنا التدريب، وهو عبارة عن أسابيع نقضيها وحدنا في الغابات والوديان. ورغم قسوة التدريبات، وكثرة الإصابات، وصعوبة الخرائط ووسائل الاتصالات العسكرية، كنت حريصاً على أن أكمل تدريبي بكل احترافية للوصول إلى هدفي».

خلال وجوده في كلية مونز، لم يتلق سموه تدريبات عادية، كانت التدريبات قاسية، وفقاً لما تبوح به سطور الحكاية، التي يؤكد فيها أنها اشتملت على «كافة أنواع الخطط العسكرية، واستخدام مختلف الأسلحة، ومعرفة أدوات الاتصالات وأساليب الحرب الحديثة»، ويتابع سموه: «كنت قريباً من الحصول على العلامات الكاملة، حتى حدث ما لم يكن في الحسبان»، ويواصل: «قبل فترة قصيرة من التمرين الأخير في منطقة بريكون بيكونز، خضعت كلية مونز للتفتيش. توليت مهمة قيادة سريتي ووقفت في المقدمة. وصل عميد الكلية، وكان الوكيل قد حسم أمره بأنني أقف خطأ على يسار سريتي بمسافة خطوتين، أما أنا فكنت مقتنعاً بأنني لم أفعل ذلك، ولن أرتكب مثل هذا الخطأ في مرحلة متقدمة من التدريب كهذه. وبينما كنا ننتظر، وجهت نظري للأسفل وركز على علامات الخطوط المرسومة حيث أقف، وإذ بالوكيل يصيح بصوت مُدَوٍّ: الضابط راشد! خطوتان إلى اليسار!». ويتابع: «صحتُ بصوتٍ عالٍ جداً: كوهيييييما! خطوتان إلى اليمين! تحركت السرية بكاملها خطوتين إلى اليمين، وأصبحنا في صف واحد ومستقيم. بدت علامات الغضب واضحة على الوكيل، وبدأت أدرك أن حلمي في التفوق على دفعتي قد يكون تلاشى بفعل عملي الذي لم أندم عليه».

مهارات

فطنة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ويقظته الدائمة كانت كفيلة بأن تضعه دائماً في المرتبة الأولى، وفي هذا السياق، يقول: «لكن الموازين انقلبت في فترة الغداء بحمد الله. كان عميد الكلية في غاية الإطراء، وأشاد بما قمت به وبمهاراتي القيادية الواضحة التي أتمتع بها، والتي كان لـ(مونز) دور كبير فيها. ويبدو أن هذا الجزء بالتحديد راق للوكيل ودفعه إلى عدم اتخاذ أي إجراء تأديبي في حقي أو في حق علاماتي».

لحظات تخرُّج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الكلية، جاءت متوجة بالفخر والاعتزاز، فقد كان سموه يطمح لتشريف بلاده بنجاحه وتفوقه، وكان له ما أراد، وبحسب قول سموه: «في 18 أكتوبر 1968، حضر والدي موكب التخرج، وعندما ذهب لمقابلة الكولونيل بروكس، مسؤول الكلية، أخبره الكولونيل بأن علاماتي كلها كانت مرتفعة في كافة أنواع التدريبات»، تلك اللحظات بدت غالية جداً على قلب سموه، ويصفها بقوله: «نظر إليَّ والدي وعيناه تشعان بالفخر، وكأنما تضيئان من داخل روحه. شعرت بأن الزمن قد توقف وهو ينظر إليَّ، وشعرت بأنني قدمت إليه أعظم هدية خلال تلك السنوات الصعبة قبل الاتحاد».

Email