كُرِّم ضمن كوكبة «أوائل الإمارات» ورحل عن عمر يناهز الـ100 عام

سيف بن علي المنصوري.. أحد أعمدة التراث المحلي

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

راوٍ وخبير بالتراث البحري والقصيدة الشعبية تميز بمسيرة حافلة بالعطاء

لا شيء يمكنه أن يملأ الفراغ الذي يخلفه رحيل راوٍ وخبير في التراث، فـ«رحيل راوٍ يعني فقدان مكتبة كاملة»، كما قال أحد الباحثين في أحد اجتماعات اليونيسكو. وهكذا كان الوالد سيف بن علي بن سيف المنصوري، الذي حط اليوم رحاله عند ربه، لتفقد المكتبة التراثية الإماراتية، واحداً من أعمدتها القوية، تاركاً وراء ظهره «سمعة طيبة» وذكرى جميلة، ولحظات لا تزال مخلدة بين ثنايا ذاكرة كل من اقتربوا منه وعرفوه وتعاملوا معه، فقد كان، رحمه الله، خبيراً في التراث البحري والبري، وراوياً جميلاً، ومبحراً في تفاصيل الشعر والأدب الشعبي، وهو الذي عرف البحر واختبر أمواجه، وخاض مغامرات الغوص، وعرف «الهيرات» وأماكنها، واختبر شظف العيش، عندما كانت البلاد تعيش على ما يجود به البحر من خيرات.

كرّمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ضمن مبادرة «أوائل الإمارات» 2017. وكان «رحمه الله»، مرجعاً يقصده البحاثة، وكل أولئك الذين يتطلعون إلى الاستزادة والتعمق في علوم التراث والبحر، وأصل القصيدة الشعبية، يقضون معه ساعات طوالاً، يستمعون له، حيث كان «رحمه الله»، يتمتع بسعة الصدر، وحلاوة اللسان.

سيرة

الراحل الوالد سيف بن علي بن سيف المنصوري، الذي فارق دنيانا، اليوم، عن عمر يتجاوز الـ 100 عام. عرف بكونه اجتماعياً، ومبادراً، وقد وصفه كل من عاصروه والتقوا معه، بأنه كان «ثروة معرفية»، عارفاً لتفاصيل كثيرة في التراث، وخبيراً في تراث البحر، وعارفاً لسفن الغوص المشهورة وأسماء ملاكها، حتى أنواع الحجارة البحرية، كان يعرف أصلها، وأماكن استخراجها أيضاً.

الباحث في علوم التراث البحري، جمعة بن ثالث، كان أحد الذين التقوا بالوالد الراحل سيف بن علي المنصوري، حيث استقى منه الكثير من المعلومات المتعلقة بالتراث، ويقول: «الوالد سيف بن علي المنصوري، من الأشخاص الذين تعلمت منهم الكثير، لا سيما في كل ما يتعلق بأمور البحر، من حيث المسميات والمصطلحات وغيرها».

بن ثالث يصفه بأنه «كان محباً للخير، وله لسان طيب وسمعة جميلة»، ويقول: «منه تعلمنا الكثير من العادات والتقاليد وأصول السنع، وقد استفدنا منه الكثير، وستبقى له ذكرى طيبة في قلوبنا، نحن، كباحثين في التراث بشكل عام، والتراث البحري بشكل خاص»، ويضيف: «الوالد سيف يعد من الأشخاص الذين أعطوا الكثير للمجتمع، وخلال سنوات عمره، ساهم في تعليم وتخريج الكثير من الأجيال، حيث كان، رحمه الله، عارفاً وخبيراً في كل ما يتعلق بالتراث البحري من نهمات وقصائد، وأشعار وعادات وتقاليد»، متابعاً: «يرحل عنا الوالد سيف بن علي المنصوري، تاركاً لنا ذكراه الطيبة والجميلة، وندعو الله أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يدخله فسيح جناته».

مرجع

حضور لافت كان يحظى به الراحل سيف بن علي المنصوري على ساحة التراث المحلي، وفي الملتقيات والمجالس التي تتعلق به، حيث تم تكريمه في إحدى دورات ملتقى الراوي في الشارقة»، ويصفه الدكتور عبد العزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، بأنه كان «ضمن قائمة الرواة المهمين في الإمارات، وقد مثّل مرجعاً مهماً من مراجع الشعر والأدب الشعبي في الإمارات، بالإضافة إلى معرفته الواسعة في الأمثال الشعبية».

ويواصل المسلم: «الوالد سيف لم يكن ينتظر السؤال، وإنما تميز بابتسامته الجميلة، وبكونه مبادراً، وحاضر الذهن، وقد تعود أن يجود بما يمتلكه من مخزون معرفي وتراثي».

المسلم الذي التقاه في العديد من البرامج التلفزيونية والملتقيات والمجالس، قال عنه: «رحيل مثل هؤلاء الرواة، يعني فقدان الكثير من أبجديات التراث، وبلا شك أن الوالد سيف، شكّل مرجعية معرفية مهمة للعديد من الباحثين، سواء الذين ينتمون إلى معهد الشارقة للتراث، أو المؤسسات الحكومية في الدولة»، مبيناً أن المعهد يمتلك الكثير من التسجيلات الصوتية والمرئية، التي توثق لمجموعة المرويات التي قدمها الوالد سيف في مجال التراث الثقافي، وكذلك ذكرياته في فترة الغوص، والتراث والملاحة البحرية في الإمارات، بالإضافة إلى المخزون الشعري والأدب الشعبي، مؤكداً أن «الكثير من مرويات الوالد سيف، وغيره من الرواة، شكلت، ولا تزال، مصدراً مهماً جداً للباحثين والبحوث المتعلقة بالتراث».

معلم

«التقيته مرات عديدة، وتحاورت معه في كل ما يتعلق بالتراث والتاريخ»، بهذا التعبير، آثر الباحث سعيد السويدي أن يبدأ حديثه عن الوالد سيف بن علي المنصوري، الذي قال عنه: «تربطنا علاقة قرابة ومصاهرة مع الوالد سيف بن علي المنصوري، وهو من مواليد 1919، وعمره يتجاوز 100 عام، ويعتبر من أبناء الرعيل الأول، ممن اقتربوا كثيراً من البحر، وخاضوا تجربة الغوص، قبل انهياره، وقد غاص في الكثير من «الهيرات» الموزعة حول الإمارات».

السويدي وصف الوالد سيف المنصوري، بأنه «أستاذ كبير، ومعرفته بالبحر واسعة». وقال: كان له بنية جسدية قوية، وعلى مدار سنوات عمره، علّم الكثير من الأشخاص، وخرّج أجيالاً أصبحت عارفة بأصول التراث البحري، ومن بين هؤلاء، حفيده الذي تتلمذ على يديه، وأصبح مع مرور الوقت مسؤولاً عن السفن الشراعية التي تشارك في السباقات الشراعية، كما «القفال».

مخزون

السويدي أكد في حديثه مع «البيان»، أن الراحل كان حافظاً للقصيدة الشعبية. ويقول: «الوالد سيف كان لديه مخزون كبير من القصائد الشعبية، وعارفاً بالتاريخ، وما مر به من أحداث، كما كان عارفاً بالنسب، وأنواع اللؤلؤ والقماش، وأسماء السفن ومقاسات اللؤلؤ، وحتى الأبراج الدفاعية، كان يعرف تماماً أسماء الذين شاركوا في بنائها».

ويؤكد السويدي أن «الوالد سيف قد رافق الشاعر راشد الخضر في إحدى رحلات الغوص، كما دخل مجلس خلف العتيبة، أكبر تاجر لؤلؤ في أبوظبي»، ويقول: «لقد استفدت منه كثيراً في أبحاثي، ولا يزال الكثير من المقابلات المسجلة معه، وله مقابلة مصورة مهمة جداً في أرشيف قصر الحصن بأبوظبي».

Email