وجوه دراما رمضان 2022

التونسي الأسعد الوسلاتي لـ"البيان": تشغلني أسئلة الهوية وقريباً أعود للسينما!

ت + ت - الحجم الطبيعي

"لم أحظ بقسط النوم بعد، لقد سهرت طوال الليل في غرفة المونتاج"، يقول المخرج التونسي الأسعد الوسلاتي في ختام لقاء جرى مع "البيان" عبر "زوم".

تصريح قد يدعو الى الدهشة، لأن صاحب "حرقة" و"المايسترو"، تبدى على درجة عالية من التركيز واتقاد الفكر وفيض العاطفة، ما لا يتوفر، في العادة، لمن وصل العتمة بالضوء. لكن، هنا تحديدا، قد تتلخص موهبة المخرج الشاب الذي تجاوز ذيوع نجاحه الجغرافيا التونسية في هذا الموسم الرمضاني، مع نجاح ساحق حققه مسلسله "حرقة" وصلت اصداؤه الى المشاهد العربي، وامتدت الى "الضفة الأخرى"، اذ تلقى اتصالات من كبريات الشاشات الأوروبية العارضة والمنتجة في فرنسا وإيطاليا للتفاوض على عرض نسخ مدبلجة من المسلسل.

للعام الثاني على التوالي، ومع فريق تجاوز عدده 130 ممثلا جسّدوا سيناريو "توأمه" الكتابي عماد عبد الحكيم، يفتح الوسلاتي جرحا تونسيا وعربيا، لكنه في الصلب يمس كل البشر في كل مكان: رمي الروح في فوهة محيط الهجرات المالح الى ضفاف لا تمنح (بالضرورة) فراديس الحياة بل نيران الغربة وامتهان الكرامة والإنسانية. انها قصة الانسان الذي "تخلت عنه بلاده فتخلى عنها"، وتوهم أن "الحياة في مكان آخر" (كما يفتي ميلان كونديرا) ليكتشف أن الأمر أكثر تعقيدا وخطورة من افتراض السلامة والرخاء في الهروب.

ماذا يفعل اليائس اذا؟" أنا لا ألوم المهاجر. ان حق التنقل تكفله الشرائع والقوانين. لكنني معترض على الطريقة، وعلى اتخاذ هذا القرار في مرات بدافع التكاسل عن خيار آخر.

بالتأكيد، حين تغلق الأبواب كافة، ليس بالإمكان سوى اللجوء الى البحر، لكن قبل ذلك علينا طرح الأسئلة: هل استوفى المهاجر كل فرصه في بلده؟ هل أهّل نفسه واستثمر في طاقاته لكي يحظى بتخصص وقيمة تنافسية تجعل هجرته تترتب بطرق قانونية، فيصل الى إيطاليا، أو أي مكان يقصده، بكرامته الكاملة وسمعته"، يشرح لـ" البيان" معبرا عن ألمه من أن تختزل صورة المهاجر التونسي (غالب الأحيان) في الذهنية الأوروبية بأنه "غير شرعي" ويقوم بـ"أعمال خطرة".

"المدرسة، الإعلام، العائلة، الحكومة"، رباعي، يعتبر  صاحب "حرقة" أنه مسؤول عن الإجابة عن سؤال الهوية والانتماء واهتزازهما دافع رئيسي لأن تعلق حياتك رهنا على القوارب الرثة ثم مراكز الإيواء ثم ارصفة وأزقة اللجوء:" في عملي كشفت أيضا أن الجهة الأخرى، التي تنتقد غالبا هذا النوع من الهجرات وتهاجمه، هي في كثير من الأحيان، توفر لجماعات فرص استفادة للمتاجرة بملف اللاجئين سياسيا واجتماعيا وحتى ماديا"، يشرح راسما علامات استفهام حول السبب الحقيقي وراء إبقاء اللاجئ في تلك المراكز أياما وأسابيع طوال، تم خلالها الحصول على معونات من هيئات مانحة، قبل أن تتم إعادة ترحليه الى بلاده!

هذه ليست المرة الوحيدة التي يخوض فيها الوسلاتي، الآتي من تجارب ناجحة في سينما الأفلام الوثائقية، حاملا كشافه، وسط عتمة القضايا. لقد سبق وأدى عمله الدرامي "المايسترو" (2019) الى تسليط الضوء على شريحة الأطفال "المجرمين" نازلي مراكز الاصلاحيات، وألهمت مشاهدهم وهم يقدمون عملا فنيا على مسرح السجن في ختام العمل، الحكومة من أجل أن تزيد من دعم نشاطات وتأهيل النزلاء عبر البرامج الفنية:" لقد سبق وانتزع المبدع التونسي مساحات أوسع لتقديم رؤاه ودفع لذلك أثمان غالية، لذلك أرى أنه من الواجب استغلال أي هامش لطرح القضايا الإشكالية عبر الدراما".

يحمل الوسلاتي هم مخرج السينما الملتزم، ويحاول عبر دراما التلفزيون أن يفرغ عن بعض ذلك الهم:" كل حلقة من المسلسل بالنسبة لي هي بمثابة فيلم قصير. أنا انتمي مهنيا وعاطفيا الى السينما وسأعود اليها خلال المستقبل القريب بعد الانتهاء من محطتي المقبلة المتمثلة بعمل عربي ضخم الإنتاج". يستعد المخرج للسفر الى دبي والقاهرة خلال الفترة المقبلة، محتفظا بتفاصيل العمل الجديد.

هل هو مخرج مرهق بالنسبة للمنتج؟ يبتسم الوسلاتي:" قطعا لا، لقد تم الانتهاء من تجهيز حرقة2 في وقت قياسي، ورغم جموع الممثلين وتعدد الديكورات والتصوير في أكثر من بلد، لم نصل الى ميزانية ضخمة قياسا بأعمال شبيهة في السوق". يدير الوسلاتي، على هذا النحو اذا، الصرف الإنتاجي، وبنفس الحذاقة، يدير جيلين (أو ثلاثة أجيال) مختلفين من الممثلين، اذ، في أعماله، نجوم مخضرمين وشباب ساهم في اكتشافهم لأول مرة:" أحتاج الى النجوم لكنني أهجس دوما بأن أقدمهم بطريقة جديدة، أما الشباب فهم شركاء الثقة والحلم والمشروع لذلك تجدهم يتكررون في أعمالي".

يبدو الوسلاتي واثقا من النهج الفني الذي اختاره لنفسه على الساحة التونسية والعربية:" أريد أن أكون قريبا من القضايا الواقعية التي تمس الناس. أن أطرح الأسئلة وأفتح النقاش وأسهم، ان تمكنت، بأي تغيير إيجابي"، يقول معلنا عن إحساس إنساني مسالم لرجل يجهد، بالفعل، لمد جسوره بين.. العتمة والنور!

 

Email