زكي رستم.. حكاية "رجل المأساة" الذي طرد من بيت العائلة وأدى آخر أدواره وهو أطرش

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ذكرى ميلاد الفنان المصري زكي رستم الملقب بـ "باشا مصر" 5 مارس 1903، سلطت صحيفة "الوطن" المصرية الضوء على مسيرته الفنية الحافلة بالتناقضات والمشاكل، حيث اعتاد الممثل الكبير على حمل الهموم منذ صغره، لذا أصبح بطل مصر في رفع الأثقال، وعاش حائرا ما بين السياسة والفن، بحكم ارتباط والده بالزعيم مصطفى كامل والمطرب عبده الحامولي.

تقول الصحيفة إن رستم كان عصبيا وقاسيا على طريقة جده الباشا صاحب أشهر قصور الحلمية، ولم يكن يحب الناس، لأن كلامهم جعل والدته أمينة هانم عبدالرازق تطرده من منزل العائلة، فاضطر للعيش وحيدا في شقة بعمارة يعقوبيان، أحب الفن لكنه كان يصر أن يعامله الجميع باعتباره «زكي بك رستم».

كان رستم صاحب موهبة مميزة بشهادة الصحف العربية والدولية خاصة الفرنسية والإنجليزية، وصاحب حضور طاغ كما قال عنه عشرات النجوم في حلقات تلفزيونية، لكن أكثر ما يستوقف في مسيرة حياته الفنية عدم وجود أي حوار صحفي أو تلفزيوني أو إذاعي معه، فما السبب.

الإجابة الوحيدة التي عثرت عليها كانت للمؤرخ السينمائي حسن إمام عمر، قال في تصريحات تلفزيونية واكبت ذكري رحيل باشا مصر، إن الفنان الراحل كان بداخله طاقة غضب غير عادية، وكان ناقما على أشياء كثيرة، خاصة في منتصف الاربعينيات، وهي الفترة التي اعتبر أن السينما سيطر عليها اثرياء تربحوا من الحرب العالمية الثانية، وكان يدرك أن كلامه لن يحتمله أحد، فادرك أنه لا يصلح للحديث إلى وسائل الإعلام، واكتفي بأن يقول ما يريد من خلال أدواره.

نشأ زكي محرم محمود رستم داخل واحدة من أشهر قصور الحلمية، قصر جده محمود باشا رستم، وتاريخ ميلاده 5 مارس 1903، الأم أمينة هانم عبدالرازق، والأب من كبار المزارعين، وحياته موزعة ما بين صداقته بالزعيم الوطني مصطفى كامل، والمطرب الشهير عبده الحامولي، لذا عاش الأبن حياته معجونا بالسياسة والفن، مثل اشقاءه المهندس عبدالحميد والسفير وجيه.

 كان زكي رستم في طفولته مقبلا على الحياة، يحب البلياتشو ويطلب من إحدى مربياته أن تصحبه سرا لمشاهدته في الموالد الشعبية، وحين علمت والدته.. تعرض للتوبيخ والعقاب، ولم يعد مسموحا له بمغادرة المنزل، فقرر أن يعيش في عالمه الافتراضي، يستحضر شخصية الباليتشو، ويتقمص دوره ليعيش معه ويقول ما يريد.

رفع الأثقال

التحق زكي رستم بالمدرسة، وكانت بالنسبة له هي الفضاء الافتراضي الذي يشكله على طريقته، بعيدا عن ضغوط حياة القصور التي اثقلت كاهله بالهموم، لذا حين قرر ممارسة الرياضة، اختار رفع الأثقال، وحصل على المركز الثاني في بطولة المدارس، لكن هذا الترتيب لم يرضَ طموح الشاب المتمرد الباحث عن دور البطولة، فانضم في مرحلة الباكالوريا لفريق التمثيل، وارتبط خلال هذه الفترة بزميله عبدالوارث عسر الذي ساعده في الانضمام لفرقة الهواة في العشرينيات، لكن جورج أبيض هو من منحه دور البطولة المسرحية واقنعه بالانضمام لفرقته عام 1924 وهو ما اعتبرته اسرته كارثة تهدد مستقبل فتاها طالب الحقوق الذي كانت تعده ليكون سياسيا أو دبلوماسيا.

هجر منزل العائلة

والدة زكي رستم سمحت له في بداية الأمر بممارسة الفن كهواية، لكنها تراجعت حين تكرر مشهد عودته في وقت متأخر من المسرح، وهو يرتدي أزياء الشخصية التي يؤديها، وقالت له وفق تصريحات تلفزيونية لنجلة شقيقه ليلي رستم «أنت بترجع البيت في وقت متأخر، ولابس حجات غريبة، أنت عندك أختين لم يتزوجوا، وما تفعله يسئ لسمعتيهما، ويبعد عنهم فرص الزواج»، وخيرته بين ترك الفن والبقاء معهم، أو مغادرة المنزل، فحزم حقائبه واختار أن يقيم في شقة بعمارة يعقوبيان بوسط القاهرة.

أصبح زكي رستم هو البطل المؤثر على خشبة المسرح منذ انضمامه لفرقة يوسف وهبي عام 1925، لكن فاطمة رشدي سعت خلال هذه الفترة لتأسيس فرقتها المسرحية بمساعدة عزيز عيد.. وقررت خطف النجم زكي رستم، وانضم لها ليتشاركا بطولة مسرحيات عديدة، ابرزها «مجنون ليلى، واليتيمة»، لكنه ترك الفرقة ليصبح من أعمدة الفرقة القومية للتمثيل عام 1935 واستمر بها 20 عاما، إلى أن قرر الاستقالة ليتفرغ للعمل في السينما سنة 1945.

أول أفلامه

تاريخيا ولدت السينما بين يدي زكي رستم، واسمه محفور على فيلم «زينب» عام 1929، والمخرج محمد كريم هو من اختاره ليكون البطل أمام بهيجة حافظ، التي سرعا ما تحولت لمنتجة، وكان بطلها المفضل زكي رستم، وقدمت معه العديد من الأفلام أبرزها «الاتهام، وليلى بنت الصحراء».

لم يحب زكي رستم شيئا في حياته مثلما أحب السينما، كان يقرأ بنهم في مختلف المجالات، الأدب والهندسة والفلك وعلم النفس والسياسة، وحين يسأله اصدقاءه عن السبب، يقول إن الممثل يحتاج لسعة الاطلاع في مختلف العلوم ليتمكن من فهم أدواره، واختيار البناء الذي يلائم شخصيته في العمل الفني، كان حريصا على النوم مبكرا ليخلص ذهنه وجسده من متاعب الاندماج في الشخصية التي يؤديها، ويحرص على الاستيقاظ مبكرا، ليتمكن من مذاكرة واستحضار ما سيؤديه، لذا حفر لنفسه مكانة مميزة يشهد عليها 198 فيلما، تنوعت فيها أدواره ما بين الباشا وابن البلد ورجل القانون وزعيم العصابة، ولم ينافسه أحد في عظمة الأداء، لدرجة أن مجلة «باري ماتش» الفرنسية صنفته في استفتاء 1945 ضمن أفضل 10 ممثلين في السينما على مستوي العالم.

لقب رجل المأساة

زكي رستم بالنسبة لمتابعي السينما في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، كان صاحب لقب «رجل المأساة»، والكثير مما كتب عنه باللغتين الفرنسية والإنجليزية كان يشير إلى أن حياته الشخصية تأثرت بفنه، ممثل عظيم.. منهمك في أدواره داخل بلاتوهات التصوير وخارجها، تحول لشخص انطوائي، شارد الذهن، يرفض المشاركة في السهرات الفنية والاحتفالات، ولا يهتم بتكوين الصداقات، ويرفض الزواج، فعاش وحيدا بصحبة شخص يخدمه، وكلب «وولف» يصطحبه في السادسة صباح كل يوم ليسيرا متجاورين في شوارع وسط القاهرة، وفي إحدى هذه المرات، شاهده جار له، فاقترب منه وصافحه، ثم سأله زكي رستم عن سبب حالة الحزن التي تبدو عليه، فرد الجار بأن والده توفي، فصمت الفنان قليلا، ثم عاد ليسأل جاره.. والمرحوم كان يقرب لك أيه؟ فنظر له الرجل بدهشة وقال «جوز أمي يا زكي بك»، وتركه ورحل.

فارق زكي رستم، الحياة في 16 فبراير 1972 بعد أن غاب عن الأضواء لما يقارب 7 سنوات، لأنه لم يعد يجد في السينما ما يغريه بتحمل مشقة العمل، وليس بسبب فقدانه لحاسة السمع كما يعتقد البعض، لأنه كان يجيد «لغة الشفاه»، بل أنه صور أعظم أدواره عام 1965 في فيلم «الحرام» ولم يكن يسمع الممثلين، كان يكتفي بحفظ دوره، وقراءة شفاه من يشاركونه المشاهد، وفق تصريحات تلفزيونية للفنان حسن مصطفى.

Email