Mimi.. حكاية إنسانية تفيض بالمــشاعر

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

نطاق إنتاجات بوليوود تكاد أن تكون واسعة، حيث تصل سنوياً إلى نحو 800 عمل، بعضها يرى النور في الصالات، وأخرى تحبس داخل الأدراج بانتظار موعدها، وقد لا ترى النور أحياناً، هذا الحجم من الإنتاج أكسب بوليوود حضوراً لافتاً على الساحة السينمائية، لكنها في الوقت ذاته، حظيت بسبب طبيعة معالجتها الدرامية للحكايات، صورة نمطية خاصة، وبينت أنها سينما استعراضية ذات طابع تجاري بحت، من دون أن تقترب من الواقع، وهمومه، تلك الصورة لا يمكن تعميمها على كل إنتاجات هذه السينما، التي أنتجت لنا أعمالاً أخرى ذات طابع إنساني بحت.

فيلم «ميمي» (Mimi) للمخرج لاكسمان يوتيكار، ينتمي إلى السينما الهندية الإنسانية على الرغم من تمسكه ببعض تقاليد بوليوود من حيث الاستعراض، ولكنه يظل يحاول الخروج من إطار «الصورة النمطية» ليس من حيث الحبكة وحسب، وإنما الأداء أيضاً، والرؤية الإخراجية، واقترابه من الواقع، ولعل ذلك ما جعله فيلماً مشبعاً بالمشاعر الإنسانية، التي نجح المخرج لاكسمان بوتيكار باللعب على وترها، عبر طرقه لقضية تتعلق بـ «تأجير الأرحام» وما ينجم عنها من أطفال، جلهم يدرج تحت خانة التشرد واليتم.

حكاية الفيلم تدور حول زوجين أمريكيين عاقرين، يزوران الهند بحثاً عن شابة تتمتع بصحة جيدة وبقوام رشيق، وتقبل أن «تؤجر رحمها» على أن يتكفلا بكل المصاريف الخاصة بهذا الجانب، يدوران طويلاً، حتى تقع أنظارهما على «ميمي» الشابة الفقيرة التي تمتلك قواماً رشيقاً، وتمتهن الرقص الاستعراضي، تحلم بأن تتمكن يوماً ما من الذهاب إلى مومباي، ودخول صناعة السينما، وأن تصبح نجمة في أفلام بوليوود، يعرضان عليها الفكرة وتوافق عليها مقابل الحصول على مليوني روبية، والتي تكفيها للانتقال إلى بوليوود، وتحسين ظروفها المعيشية.

«ميمي» تحمل بطفل «جون» وتمضي شهورها الأولى بشكل طبيعي، ولكن حالها ينقلب عندما يرفض الزوجان الأمريكيان الحصول على الطفل، بعد علمهما أن كل الفحوصات تشير إلى أن الجنين مصاب بمتلازمة داون، وللتخلص من «ميمي» يفضلان العودة إلى أمريكا، ليعودا إلى الهند بعد مرور 4 سنوات، عندما يكتشفان أن الطفل «راج» يتمتع بصحة جيدة، ويودان استرجاعه، وهو ما ترفضه «ميمي» التي توافق في النهاية على ذلك، حيث إن الاتفاق بينها وبين العائلة الأمريكية يجبرها على التخلي عن الطفل، إلا أن الأمور تعود إلى نصابها بعد أن يقرر الزوجان تبني طفلة أخرى، وأن يتركا «راج» مع والدته «ميمي».

تلك الحكاية، ليست جديدة على أروقة السينما، فقد سبق للعديد من صناع الأفلام في الشرق والغرب مناقشتها، كل بحسب منظوره الخاص، ومن بين هؤلاء المخرج لاكسمان بوتيكار الذي عاد إلى طرحها بنظرة تتوافق تماماً مع طبيعة العصر الحالي، وتطوراته، ففي هذا الفيلم، تشعر بأنه قد اجتهد كثيراً من حيث المعالجة الدرامية، وكذلك من حيث رؤيته التي حاول فيها الابتعاد عن «كليشيهات» بوليوود.

فيه يمنح البطولة للجميع، حيث يبدو كل ممثلي هذا العمل أبطالاً، وكل واحد منهم يشغل مساحة جيدة من العمل، مكنته من التعبير عن قدراته، واللافت في العمل إن لاكسمان، قد أتاح لكاميراته فرصة التنفس، وأن تخرج إلى الشوارع، وأن تنقل نبض الشارع والمجتمع الهندي، حيث يقدمه لنا من دون رتوش، ولا يجري له أي عملية تجميل تذكر، يقدمه لنا كما هو، بحلوه ومره، ويتيح للجمهور لأن يعاين «الطبقية» المجتمعية، وأن يتلمس ملامح الفقراء، وبساطة المجتمع الهندي، وأن يتغلغل أكثر في ثقافته، ومدى شغفه بالفن والموسيقى، والرقص، وينقل لنا أيضاً تنوعه من حيث الديانات والمعتقدات، الأمر الذي يضعنا أمام فيلم حقيقي، تلعب فيه المشاعر الإنسانية دوراً مهماً.

لقد سار لاكسمان بفيلمه في خطين متوازيين، أحدهما درامي الطابع بدا محملاً بالعواطف والمشاعر الإنسانية المكثفة لدرجة البكاء، بينما الخط الثاني كوميدي، جاء معبراً عن بساطة الإنسان الهندي، ليبدو أن لاكسمان قد استند على الخط الثاني للتخفيف من حدة الخط الأول، لا سيما في المشاهد التي تجمع العائلة الأمريكية مع «راج»، وحالة الصراع التي تدخل بها «ميمي»، حيث تبدو حائرة بين أن تتخلى عن طفلها وأن تبقيه في حضنها، تقف حائرة بين القانون الذي يفرض عليها تسليمه وبين نفسها وعائلتها التي تحثها على التمسك به، وفي هذه المشاهد استطاعت الممثلة كريتي سانون أن تنجح في إدارة مشاعرها، وأن تقدم أداءً لافتاً، قادراً على أخذ الجمهور إلى حافة البكاء، متوسدة في ذلك على حضورها المشع وجاذبيتها، وقدرتها على التعبير، بينما برع الممثل بانكاج تريباتي في شخصية السائق «بهانو»، فتارة تشعر بأنه انتهازي لا هم له سوى الحصول على المال، وتارة تتلمس فيه الكوميديا الخفيفة، التي تظهر مدى طيبة قلبه، أما الزوجان الأمريكيان، فقد برعا في تجسيد صفات الأنانية والجبن أحياناً كثيرة.

قد يرى البعض في «ميمي» فيلماً كوميدياً، ولكنه في الواقع فيلم إنساني بالدرجة الأولى، يدفعك للبكاء ويثير في داخلك الكثير من المشاعر، والعواطف، يثير في رأسك الكثير من الأسئلة، ويبين مدى تأثير الحب في الحياة، وقد عزز ذلك موسيقى أيه أر رحمان، الذي أبدع في صياغة الموسيقى التصويرية التي تبدو لوهلة جزءاً من الحكاية نفسها.

Email