«حرقة» مسلسل تونسي يعالج ظاهرة الهجرة غير النظامية

ت + ت - الحجم الطبيعي

«الطريق إلى الجنة» هو الطريق الذي يتخيله المهاجرون غير النظاميين، أثناء عبورهم البحر الأبيض المتوسط عبر قوارب «الموت»، هاربين من «جحيم» إفريقيا، آملين في الوصول إلى «جنة» أوروبا.

لكن هذا الطريق محفوف بالمخاطر، من يدخله مفقود ومن يتمكن من الخروج منه، مولود. «الطريق إلى الجنة» هو العنوان الأولي للمسلسل التونسي «حرقة»، لكن صُنّاع العمل اختاروا تغيير العنوان إلى «حَرقة» وهي كلمة تونسية تعني الهجرة غير النظامية عبر المتوسط.

«حرقة» مسلسل أخرجه وكتب قصّته الأسعد الوسلاتي، وصاغ السيناريو والحوار عماد الدين حكيم، وشارك في بطولته ثلّة من ألمع نجوم تونس مثل وجيهة الجندوبي ومهذّب الرميلي وعايشة بن أحمد ورياض حمدي وعبد اللطيف خيرالدين وأيمن مبروك وغيرهم، وأنتجه التلفزيون الرسمي التونسي.

بأحداثٍ مسترسلة وبناءٍ دراميٍ متكامل، نجح مسلسل «حَرقة» في إدارة أعناق المشاهدين منذ حلقاته الأولى، كما نجح في تفكيك أسباب هذه الظاهرة الاجتماعية وطرح نتائجها. «حَرقة» نطق بلسان مئات العائلات التونسية التي تعاني فقدان أبنائها في مياه المتوسط منذ عدة سنوات.

رغم تناول عدد من الأعمال السينمائية والمسرحية وحتى التلفزيونية التونسية لموضوع الهجرة غير النظامية سابقاً، إلا أنها لم تحظ بهذا النجاح الجماهيري منقطع النظير. «البيان» اتصلت بمخرج العمل الأسعد الوسلاتي الذي رجّح أن يعود هذا النجاح إلى عدة عوامل أهمّها التناول العميق للموضوع النابع من عمليّة البحث التي قام بها من خلال السفر إلى إيطاليا ولقاء عدد من هؤلاء المهاجرين والاستماع إلى قصصهم.

الأسعد الوسلاتي ذكر لنا مثال شخصيّة «صاروخ» (صاحب قارب الهجرة) التي أداها الممثل مهذّب الرميلي، مؤكداً أنه التقى هذه الشخصيّة في الواقع في إيطاليا وأن العديد من الجُمل التي قالها «صاروخ» في المسلسل ليست إلا كلمات نطقت بها الشخصيّة الحقيقيّة.

من جهة أخرى، حدّثنا المخرج عن المراوحة بين الوثائقي والخيالي، فقد جسّد واقعة حقيقيّة لاحتجاج عائلات المفقودين، ليس مع ممثلين كومبارس، ولكن مع ذات الأمهات الملتاعات بنفس الملابس ونفس الوجوه الشاحبة، مزجت هذه المشاهد بين الواقع والخيال فنطقت صدقاً وعفويّةً. الوسلاتي يقول إنه توقّع نجاح المسلسل لكنه لم يكن يتخيّل أن يتبنّى المشاهدون «حَرقة».

تدور أحداث المسلسل بين تونس وإيطاليا مروراً بالبحر الأبيض المتوسط الذي كان له حيّز كبير من المَشاهد. روى لنا المخرج كواليس التصوير التي كانت تدوم عشر ساعات يوميّا في عرض البحر لمدة خمسة وعشرين يوماً. ظروف أنهكت كل فريق العمل.

الممثلة التونسية المقيمة بالقاهرة عايشة بن أحمد التي تلعب دور «هالة»، الهاربة من مجتمع لفظها لتجد نفسها فوق قارب تتقاذفه الأمواج، تقول لـ«البيان» إن الظروف الصعبة التي عاشتها رفقة بقية الممثلين في البحر جعلتهم يشعرون أكثر بمعاناة الشخصيّات وساهمت في حسن إتقانهم لأدوارهم.

تابع التونسيون بشغف أحداث «حرقة»، حتى الموقوفون في السجون، تابعوه بشغف... فريق العمل اختار أن يحضر الحلقة الأخيرة رفقة موقوفي سجن «برج العامري» في ضواحي العاصمة وأن يناقشوا معهم موضوع الهجرة غير النظامية، خاصة وأن عدداً منهم موقوف بتهمة اجتياز الحدود خلسة أو المساعدة على الهجرة غير النظامية.

«البيان» حضرت هذا العرض الخاص وتابعت النقاشات والتقت أبطال العمل هناك. الممثل رياض حمدي وصف لـ«البيان» تجربة حضورهم آخر حلقة مع السجناء بالتجربة الاستثنائية وتحدث عن تفاعلهم مع المسلسل وما أثاره فيهم من تساؤلات، أما المخرج الأسعد الوسلاتي فقد عبّر لنا عن سعادته بالحوار مع نزلاء السجن.

مشيراً إلى أهمية الدراما والسينما والصورة في تغيير الواقع وفتح النقاش. من جهته الممثل مهذّب الرميلي تحدّث لـ«البيان» عن تقاسمه «اللحظة الإبداعية» مع سجناءٍ مرّوا بدورهم بتجربة الحرقة فتدمع أعينهم عندما يرون أنفسهم في شخصيات المسلسل.

حقاً، فمسلسل «حرقة» عبارة عن لحظة إبداعية، ستتم ترجمته إلى الإنجليزية والإيطالية والفرنسية، كما سيتم تحويله إلى فيلم يجوب دول العالم حاملاً أوجاع أناس فرّوا من حاضر أليم إلى مستقبل تتلاطم فيه الأمواج، في محاولة لتوعية «الحارقين» ولتشريك دول الشّمال قصص ومعاناة أناس من دول الجنوب، اختاروا الموت على العيش وسط الفقر والتهميش.

ختاماً يقول المخرج الأسعد الوسلاتي: «لن نقضي على ظاهرة الحرقة لكننا نحمل شرف (صدمة) المجتمع لحثّهِ على التفكير في عواقبها المجهولة»، فربما يكون الطريق إلى الجنّة هنا في تونس.

Email